Accessibility links

من رصيف إلى آخر، من حرب إلى أخرى: شابٌ يروي فصولاً من المعاناة اليمنية


إعلان
إعلان

صنعاء ـ “اليمني الأميركي” ـ محمد العلفي 

تختزل قصة الشاب اليمني محمد راشد (36 سنة) معاناة بلاده في العقد ونصف العقد الأخير، حيث شهدت البلاد أحداثًا جسامًا انعكست سلبًا على حياة الناس، وصولاً إلى الحرب المستعرة منذ سبع سنوات.

عمل محمد في عددٍ من الأعمال، وكابد كثيرًا حتى قطع خطوة للأمام، لتأتي أحداث 2011 وتعود به إلى نقطة الصفر، فعاد للرصيف ليقطع خطوات مستأنِفًا حضوره، لتأتي الحرب الراهنة، فوجد نفسه في مأزق صعب، لكنه استطاع تجاوزه.

لم يتوقع محمد راشد عند دخوله العاصمة صنعاء، قادمًا من قريته في وصاب العالي بمحافظة ذمار/ وسط، أنه سيصبح مالكًا لأحد المحال التجارية في ذات المدينة، التي دخلها عام 2001 وعمره لم يتجاوز منتصف العقد الثاني.

يقول محمد لـ”اليمني الأميركي”: في البداية اشتغلت على عربية يدوية، أنقل بواسطتها بضاعة التُجار والزبائن في سوق باب اليمن (وسط صنعاء).

محمد راشد في دكانه بصنعاء

 

بعد قرابة العامين علِمَ محمد بفتح باب التجنيد في قوات الحرس الجمهوري، فتقدم وتم قبوله «اعتقدت حينها، في العام 2003، بأني في بداية الطريق لتوديع حياة الشقاء»، يقول.

عقب فترة من التدريبات تم ضمه لوحدة القوات الخاصة في الحرس الجمهوري، وهناك أنهى الدورات التدريبية، وبدأ يمارس مهامه العسكرية.

 

تنقّل محمد راشد لسنوات من رصيف إلى رصيف، وكان كلما تحسّن حاله التجاري واستأجر دكانًا شهدت المنطقة حربًا أو قصفًا ليعود للرصيف ويبدأ من الصفر.

 

في العام 2007 تزوج ضمن زواج جماعي تكفلت به قيادة الحرس الجمهوري حينها لمجموعة من الأفراد، كان هو أحدهم.. «بعد أن تزوجت، قمتُ باستئجار منزل بـ 15 ألف ريال، يعني نصف راتبي الـ30 ألف ريال كان يذهب في إيجار البيت، وبالتالي لم أستطع مواجهة أعباء الحياة، فقررت العودة للعمل في السوق».

التجأ إلى تجار ملابس ممن تعرّف عليهم سابقًا قُبيل التحاقه بالحرس الجمهوري، طالبًا منهم العون، مستعينًا بعدد من أقاربه الذين كانوا يعملون هناك، وبالفعل حصل على دعمهم المتمثل بإعطائه بضاعة بالآجل، بمبلغ نصف مليون ريال.

«أخذتُ البضاعة وذهبتُ لبيعها، في رصيف أحد شوارع منطقة الزهراوي، جوار حديقة 26 سبتمبر بصنعاء»، يضيف.

بعد مرور أكثر من عام من العمل المتواصل، قرر محمد الانتقال للبيع بأحد المحال التجارية في سوق منطقة الحصبة المركزي/ شمال العاصمة، بعد أنْ تمكّن من سداد ديونه، «خرجتُ من العمل على الرصيف وأنا أمتلك نصف مليون ريال دفعتها مقابل نقل قدم لمحل في سوق الحصبة، واستدنت نصف مليون لتجهيزه»، يضيف.

استمر محمد يعمل في دكانه، مستفيدًا من ثقة التجار به، إلا أنه كان لا يعلم ما تخبئه له الأيام، إذ اندلعت مواجهات بين السلطة ومسلحي أولاد الأحمر حينها، في ما عُرف بثورة الربيع العربي عام 2011، والتي تسببت في حريق عدد من المحال التجارية هناك.

 

غادر عمله في الحرس الجمهوري لعجز راتبه عن تغطية نفقات أسرته فلجأ إلى البيع في الشوارع بهدف سداد ديوانه وتغطية التزامات حياة أسرته. 

 

حالة الرعب التي أصابت الأهالي ومُلّاك المحال التجارية في ذاك المربع دفعتهم للنزوح، تاركين منازلهم ومحالّهم التجارية خلف ظهورهم، إلا أن محمدًا ظل يترقب الفرصة المناسبة، لإخراج البضاعة من دكانه الذي اخترق بوّابته وابلاً من الرصاص والشظايا تسببت في تلف جزء من البضاعة.

كاد محمد أن يستسلم لحالة الضعف التي أصابته، عقب الخسارة التي مُنِيَ بها، نتيجة لحالة الكساد التي تعرضت لها السوق، إلا أن حرصه على سداد الديون، دفعته للعودة إلى الرصيف، لبيع ما تبقى من بضاعته في رصيف جوار مقبرة الشهداء بمنطقة باب اليمن البعيدة عن المواجهات، وظل قرابة ثلاثة أعوام يتنقل من رصيف لآخر، حتى تمكّن من تغطية خسارته وسداد ديونه.

انتقل محمد مطلع العام 2014 إلى إحدى الأسواق التجارية الناشئة في محيط مطار صنعاء، «استأجرتُ دكانًا، ودفعت 700 ألف ريال (إيجار سنة مقدّم)، بالإضافة إلى مبلغ 500 ألف ريال (الدولار الأميركي حاليًّا يساوي في صنعاء 600 ريال) لتجهيز الدكان، وأنزلت بضاعة بالآجل»، يضيف.

ما إن أخذَت أحوال محمد تستقر عقب تمكّنه من سداد ديونه، حتى اندلعت الحرب المستعرة حاليًّا منذ مارس/ آذار 2015، والتي ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة، بل وأصابتها بالشلل، خاصة في تلك السوق القريبة من مطار صنعاء والقاعدة الجوية.

يقول: «على الرغم من أن الحركة التجارية أصيبت بالشلل، حيث أغلقت أكثر من 70% من المحال التجارية في السوق نتيجة حالة الرعب التي عاشها الناس بسبب قصف طيران التحالف المستمر للمطار والقاعدة الجوية؛ ما دفع غالبية السكان ومُلّاك المحال التجارية للنزوح، إلا أنني بقيت في دكاني أحرس بضاعة الناس»، ويضيف: «مرت علينا فترة لا يدخل المحل زبون واحد، ولا نبيع بريال، وفترات كنت بالكاد أبيع فيها مقابل مصاريفنا الضرورية.. واستمر هذا الوضع قرابة العام، خسرتُ خلاله أكثر من نصف رأس المال».

بعد سنوات من الحرب بدأت الحركة تعود تدريجيًّا، والأوضاع تتحسن، ونتيجةً لخلو الكثير من المحال التجارية في السوق، استطاع محمد أن يستأجر دكانًا بجانب دكانه السابق.

يقول: «توسعت في تجارتي، وأصبحت أملك دكانين، إلا أن استمرار ارتفاع الأسعار جراء الحرب، بما في ذلك الإجراءات الأخيرة التي قامت بها الحكومة في عدن من رفع الجمارك للضِّعف في ظل ارتفاع أجور النقل… كل ذلك أدى لارتفاع جنوني في الأسعار، وبالتالي تراجع الطلب، وتضييق نسبة الربح، واستمرار المعاناة». 

كأنّ استقرار وضعك المعيشي بالحد الأدنى صار غاية يرجوها اليمني تحت وطأة معاناة الحرب وما فرضته من أزمة إنسانية طاحنة.. لكن على الرغم من ذلك لا يعلم هؤلاء اليمنيون إلى أين تمضي بلادهم في ظل انسداد الأفق أمام أيّ حل؟!

   
 
إعلان

تعليقات