Accessibility links

الزراعة المائية في اليمن.. الجانب الآخر لنجاح التجربة


إعلان
إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي: 

هل فكرت أن تحول سطح منزلك إلى مزرعة لخضروات أو فاكهة تحبها؟! لن تحتاج إلى تربة.. المسألة ببساطة فرصة استثمارية مختلفة يمكنك قراءتها في تجربة شرف النجار بصنعاء، الذي حوّل سطح منزله لمحمية زراعية يزرع فيها بعض الخضروات والفواكه… وبنظرة أوسع تعامل المزارع سلطان سودان مع مزرعته بمحافظة عمران/ شمالًا، بل لقد صار سودان اليوم خبيرًا في الزراعة المائية، التي ستمثل مستقبلاً زراعيًّا جديدًا لبلده عقب الحرب.

يتجه بعض المزارعين في صنعاء ومحافظات يمنية أخرى نحو الزراعة المائية، التي تعتمد على الماء كوسط لنمو النبات بديلًا عن التربة في الزراعة التقليدية السائدة. وتتميز هذه الزراعة بتوفيرها للمياه وإنتاجها محصولًا أكثر جودة ووفرة، ما يفتح آفاقًا جديدة للقطاع الزراعي في البلد الذي يعاني من مشاكل الجفاف وتلوث البيئة بفعل المبيدات وقلة استصلاح الأراضي الزراعية.. وهو ما يتطلب دعم هذه التجربة الحديثة، التي ستحل هذه المشكلات وتؤسس لتنمية مستدامة.

“تعتمد آلية الزراعة المائية على بناء وحدات من البيوت المحمية المعزولة عن البيئة الخارجية دون الحاجة إلى التربة، حيث يتم زراعة النباتات داخل أحواض أو أنابيب مغمورة في المياه، تثبت تلك النباتات بواسطة الكثير من المواد كالطف البركاني (نوع من الحصى)، وفقًا للباحث في الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي ومدير عام الإنتاج النباتي بوزارة الزراعة والري المهندس وجيه المتوكل، متحدثًا لـ”اليمني الأميركي”.

ويوضح المتوكل: «يمر الماء المغمور بين جذور النباتات عبر آلية تسمح له بالعودة مجددًا إلى خزان المياه الموضوع داخل الوحدة المحمية، وإعادة تدوير الري مرة أخرى، ومن خلال هذه الآلية تزود النبات بالمحاليل الغذائية المهمة لنموها، الأمر الذي يوفر من 70 إلى 80 % من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية المعتمدة على التربة».

11 مزرعة خاصة بالزراعة المائية في اليمن تعكس نجاحًا استثنائيًّا.

 

التجربة الأولى

ويشير المهندس المتوكل إلى أن الزراعة المائية «تتميز بإنتاج محصول أكثر جودة وإنتاجية من التقليدية، كونه يتم التحكم بكافة الظروف الملائمة لنمو النبات في وسط نظام مغلق ومحمي من الإصابة بالحشرات والآفات الزراعية».

المهندس المتوكل، الذي أشرف على أول تجربة للزراعة المائية في اليمن عام 2013، والتي تمت في مزرعة مركز البحوث الزراعي في منطقة العرة بضواحي صنعاء، بدعم من المركز الدولي للبحوث في المناطق الجافة وشبه الجافة (إيكاردا)، يذكر أن «المزرعة حققت نجاحًا لافتًا في موسمين متتاليين، حتى بدأنا في العام 2015 نقل التجربة من المركز إلى المزارعين، وكانت أول تجربة مع المزارع سلطان سودان من محافظة عمران، الذي كان هاويًا للزراعة المائية، ولديه بيت محمي، لكن تنقصه الخبرة والمعرفة لإدارته، فقمنا بتدريبه والإشراف على مزرعته، وحققنا نجاحًا باهرًا ومستمرًّا حتى الآن».

في عام 2013 ولدت أول تجربة للزراعة المائية في اليمن.

 

11 مزرعة

يوجد في اليمن، حاليًّا، 11 مزرعة خاصة بالزراعة المائية، بالإضافة إلى تجارب لزراعة محميات على أسطح المنازل.

وبجهود ذاتية، ينظم المتوكل دورات تدريبية للمهندسين الزراعيين والفنيين والمزارعين في مجال الزراعة المائية، ومن خلال تواصله المستمر مع العاملين في تلك المزارع يقدّم لهم النصائح والإرشادات التي تمكنهم من تجاوز المشكلات وتحسين الإنتاج.

المزارع سلطان سودان واحد من الذين استفادوا من تلك التدريبات، وانعكست إيجابًا على نجاح تجاربهم بالزراعة المائية.. يقول لـ”اليمني الأميركي”: «في البداية واجهتني صعوبات في عدم نجاح التجربة، متمثلة بنقص المعارف الفنية بمجال الزراعة المائية من جهة، ومن جهة أخرى افتقار مزرعتي لبعض الأجهزة المهمة كجهاز حاقن المحلول الآلي الذي ينظم عملية خلط المحاليل التي تحتاج لها النباتات في الماء عبر إعطائه قراءات دورية ودقيقة، كذلك مشكلات في بيئة البيت المحمي ودورة المياه وغيرها… جميعها تمكنت من التغلب عليها تدريجيًّا بعد تزودي بالتدريبات والمعارف والتقنيات اللازمة».

في عام 2013 ولدت أول تجربة للزراعة المائية في اليمن.

 

البيت المحمي

البيت المحمي الذي أنشأه المزارع سلطان، ويحتوي على 29 حوضًا أو خلية، بمساحة (50 مترًا طوليًّا × 45 مترًا عرضيًّا)، وبتكلفة إجمالية تقارب الـ50 مليون ريال يمني (الدولار يساوي 560 ريالًا بصنعاء)، تعطي ما يقارب 120 طنًّا من محصول الخيار في موسمين في العام الواحد، ويعمل فيها حاليًّا، بالإضافة إلى سلطان أربعة عمال.

بالنسبة لسلطان، الذي تحول إلى خبير في الزراعة المائية، ويعمل حاليًّا في الإشراف على تجريب زراعة محصول الخيار والطماطم في مزرعة جديدة لأحد أصدقائه بضواحي صنعاء، فإن الإنتاجية من الزراعة المائية مجدية جدًّا، لكن أبزر المشكلات التي تواجههم كمزارعين في اليمن تتمثل بـ: التكلفة المرتفعة في إنشاء البيوت المحمية، منع دخول بعض المحاليل الخاصة بالزراعة المائية والأسمدة كنترات الكالسيوم على سبيل المثال، وشحة وارتفاع أسعار المسموح بدخولها، غياب بعض المعدات الحديثة والمحاليل الجاهزة في الأسواق، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يحول بين قدرات الكثير منهم لتبني التجربة ومواصلتها حتى النجاح.

توفر الزراعة المائية من 70 إلى 80 % من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية.

 

جدوى اقتصادية

أستاذ الزراعة المائية بكلية الزراعة بجامعة صنعاء، عبد المؤمن الشجاع، يقول في حديثه لـ”اليمني الأميركي”: إن «الزراعة المائية بما تتميز به من استهلاك منخفض للمياه، تُعد واحدة من البدائل التي يمكن أن تقدم حلولاً للمشاكل البيئية في اليمن، والمتمثلة بندرة الموارد المائية في ظل تسارع استخراجها واستخدامها في مجال الزراعة التقليدية، التي يذهب إليها 90% من كمية المياه المستهلكة في البلد، وفي تقديري أن 70% من تلك النسبة تتجه لصالح شجرة القات».

وردًّا على سؤالنا عن الجدوى الاقتصادية لمثل هذا النمط من الزراعة وإمكانية نقله وتعميمه في البلد، يؤكد أستاذ الزراعة المائية الشجاع، أنه «بصورة عامة فإن هذا النمط ذو جدوى اقتصادية، ويتميز بإنتاج أكثر وفرة وجودة من المحاصيل بالمقارنة مع النمط التقليدي للزراعة، لكن لتحديد الجدوى الاقتصادية على المدى القريب والمتوسط وبشكل دقيق، فإن ذلك يحتاج إلى المزيد من الدراسة الشاملة لكافة جوانب العملية التسويقية القائمة على العرض والطلب، وتختلف باختلاف التكاليف والمحاصيل والبيئيات».

ويكشف الشجاع أن «نجاح التجربة في اليمن، ولو بشكل متواضع، لفت انتباه منظمة الأغذية والزراعية للأمم المتحدة (الفاو)، حيث تتجه خلال عام 2023 لتبني مشروع لإنشاء من 30 إلى 40 وحدة زراعية بالزراعة المائية كنماذج إرشادية للمزارعين في محافظات يمنية مختلفة، وإذا تم تنفيذ المشروع كما هو مرسوم، سيسهم في تعميم التجربة أكثر».

ويلفت الشجاع إلى أن «أول تحدٍّ يقف أمام تعميم الزراعة المائية في اليمن يتمثل بقدرات المزارعين ومدى معرفتهم باستخدام هذا النمط الجديد، لذا نحتاج إلى تدريب مهندسين زراعيين، وتأسيس مزارع حقلية تقدم المعارف اللازمة للمزارعين لنجاح التجربة، واعتماد القروض الميسرة لتمويل الاستثمار بهذا المجال».

يعطي البيت المحمي للمزارع سلطان سودان 120 طنًّا من الخيار سنويًّا.

 

سطح المنزل.. فرصة استثمارية

على الرغم من كون تجربة الزراعة المائية في اليمن ما زالت محدودة، إلا أنها شدت الشاب شرف النجار الذي عمل في مجال الاستثمار باستيراد المعدات الزراعية لأكثر من عقد، إلى تأسيس شركته “كارجيل للاستشارات والخدمات الزراعية”، والمتخصصة في مجال الزراعة المائية، بهدف «سد الفجوة الموجودة في هذا المجال الواعد مستقبلاً، والذي لمست فيه حلولاً للكثير من المشاكل التي يعاني منها المزارعون والزراعة بشكل عام في البلد»، متحدثًا لـ”اليمني الأميركي”.

ويشير مدير شركة (كارجيل) إلى أن الاستثمار في مجال الزراعة المائية يحتاج أولاً إلى خلق وعي مجتمعي بأهمية ومزايا هذا النمط سواءً للمزارع أو المستهلك أو الاقتصاد الوطني، وثانيًا توفير الاحتياجات الخاصة بالزراعة المائية من منظومات ومحاليل وبرامج تدريب بتكلفة مناسبة، وذلك يتطلب جهودًا رسمية لوضع استراتيجية شاملة للزراعة المستدامة لتحقيق الأمن الغذائي ومعالجة مشاكل المياه والتغير المناخي.

النجار أنشأ محمية زراعية في سطح منزله الكائن بحي المصباحي في العاصمة صنعاء، يزرع فيها بعض أنواع الخضروات والفواكه كـ «الطماطم والخيار والفلفل والفراولة والأناناس والورقيات (خمسة أنواع من الخس وثلاثة أنواع من النعناع)، وأيضًا نباتات الاستيفاء التي يستخلص منها سكر الدايت الخاص بمصابي السكر، والفاكهة المفيدة لأمراض القلب والجهاز الدوري (البيبنو)، ونوعين من ورد الجوري زادت سطح المنزل جمالاً».

 ويدعو الأسر إلى تحويل أسطح منازلهم إلى بساتين خضراء يمكنهم الاستفادة منها في احتياجاتهم اليومية.. وهذا جانب مهم من جوانب نجاح هذه التجربة، التي ستعيد الاعتبار للزراعة داخل المدينة بموازاة تعزيزها ريفيًّا.

أستاذ الزراعة المائية بجامعة صنعاء، عبده المؤمن الشجاع: الزراعة المائية تقدم حلولاً للمشاكل البيئية في اليمن.

 

وبعد

أثبتت التجارب الناجحة للزراعة المائية على الرغم من الإمكانيات المحدودة وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد جراء الحرب والحصار، أنه يمكن التعويل على تعميم التجربة، وتبني سياسات تتوجه نحو الاستثمار الزراعي المستدام، الذي يأخذ مشاكل اليمن البيئية في عين الاعتبار.. إلا أن ذلك يظل مرتبطًا بتوقف الحرب وعودة الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلد بالدرجة الأولى، ويليه وجود رؤية رشيدة لإدارة ملفات التنمية.

   
 
إعلان

تعليقات