Accessibility links

إعلان

ديربورن – “اليمني الأميركي”
جمال مجلي (61 سنة)، مهاجر يمني في أميركا منذ خمسين عامًا، يرتبطُ بعلاقة خاصة بوطنه، وتحديدًا بذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية (22 أيار/ مايو).. «ففي هذا اليوم عانقَ اليمن مجده الحقيقي في التاريخ المعاصر»، وبالإضافة إلى ذلك ارتبط شهر مايو بتاريخ بميلاده، وهجرته للولايات المتحدة، وتاريخ زواجه، وولادة نصف أولاده؛ وبالتالي لهذا الشهر مكانة خاصة في وعيه الوطني وتاريخه الشخصي.. وإسهامًا منه في تكريس الوعي اليمني في أميركا بذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية يعملُ من خلال “الهيئة اليمنية الأميركية للاحتفالات” على تكريم كلّ عريسٍ يمني في ولاية ميشيغان يقيمُ عرسه في شهر مايو من خلال منحه العلَمَين اليمني والأميركي ودرع بالمناسبة.

 «مهما قلت، فالحكاية أكبر من أنْ تصف أهمية ذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بالنسبة لليمن والعرب، فهو تاريخ مضيء مهما تجرّعنا بعده من نوائب، هذه النوائب ليست من صنْع الحدث، فالحدث إشراقة يمنية أنجزها اليمنيون، ويحقُّ لهم أنْ يفخروا بها» – يقول (جمال) متحدثًا لصحيفة (اليمني الأميركي)، موضحًا خلفية احتفائه بهذه المناسبة منذ سنوات طويلة يعملُ فيها «على تعزيز الوعي الوطني اليمني في المهجر بخصوصية هذه المناسبة؛ لأنّ الأجيال الراهنة ولدت بعد تاريخ الذكرى، وبالتالي لا تعرفُ كثيرًا عن عظمة المنجز».

وخلال هذا الحديث استعرضَ جمال أبرز محطات تجربته، بدءًا من طفولته في اليمن بمدينة جبن محافظة الضالع، وتعرّفه، في بداية حياته، إلى الأدوار الوطنية التي أسهمت بها منطقته، وتحديدًا في حرب الجمهورية ضد الملكية، وصولاً إلى إسهام الشمال في رفد ثورة 14 أكتوبر في الجنوب، لا سيما وأنّ منطقته كانت واقعة على خط التماس بين الشطرين.

جمال في عدن قبل الاستقلال وعمره 13 سنة أثناء معاملته الهجزرة إلى أميركا

جمال في عدن قبل الاستقلال وعمره 12 سنة أثناء معاملته الهجرة إلى أميركا

 

يتحدثُ جمال عن طفولته، وهو يتدفقُ تفاصيل ثرية تعكسُ مدى وعيه الوطني وحبه لبلاده، وصولاً إلى اللحظة التي قررَ فيها الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وكان عمره حينها 12 سنة، بل ما زال يتذكرُ شوارع وأحياء مدينة عدن، من واقع ذكريات زيارته لها لمقابلة القنصل الأميركي حينها، وهي ذكريات في بعضها مؤلمة؛ لأنها ارتبطت باعتقال والده من قِبَل سلطات عدن، حتى تم إطلاقه من قِبَل فيصل عبداللطيف الشعبي.

 

عند وصوله إلى أميركا كان في سنٍّ صغير؛ فواجهته مشكلة في الالتحاق بالمدرسة، لكنه تجاوزها بإصراره على الالتحاق بالتعليم، وتحديدًا تعليم اللغة الإنكليزية، وخلال تلك السنّ المبكرة عملَ في المطاعم، بدءًا من وظيفة غسيل الأطباق.

 

الدراسة

يقول: «أنا من مواليد مدينة جبن، درستُ في مدارس بسيطة جدًّا كانت نوافذها كأنها نوافذ سفينة.. درستُ الابتدائية، أما الثانوية فأكملتها وحصلتُ عليها في هذا البلد العظيم (أميركا)».

عند وصوله إلى أميركا كان في سنٍّ صغير، واجَهَ مشكلة الالتحاق بالمدرسة، لكنه تجاوزها بإصراره على الالتحاق بالتعليم، بما فيه تعلُّم اللغة الإنكليزية، حيث كان يتناوبُ بين الدراسة والعمل.. وخلال تلك السنّ المبكرة عملَ في المطاعم، بما فيها وظيفة غسيل الأطباق.. يتحدثُ عن ذلك بمحبة تعكسُ خصوصية تجربته التي انتقلَ فيها من العمل في المطاعم إلى الالتحاق بورشة شركة “كريسلير” لصناعة السيارات، وبعدها بسنة انتقل إلى شركة “فورد”، والتي ظل يعملُ فيها حتى سنِّ التقاعد.

على صعيد أولاده عملَ جمال على تعليمهم جميعًا، وأنجزَ من خلالهم ما لم تنجزه تجربته مع التعليم، فإحدى بناته صارت تعمل، حاليًّا، مُدرّسة في كلية هنري فورد في ديربورن.
«جميع أولادي درسوا وتعلموا في مدرسة “سالينا”، ومن ثم “ادسل فورد”، ومن ثم في جامعة “واين ستيت”… أحد الأولاد تخرجَ في الجامعة، وصار يشغلُ موقع مسؤول في شركة فورد، وإحدى بناتي صارت تعملُ رئيس قسم في أحد المستشفيات، واثنين من أبنائي في الإمارات، ومنهم مَن ما زال يدرس».. «أشعرُ برضا تجاه أولادي؛ لأنهم تعاملوا مع التعليم بجدية، وينظرون للحياة من منظور المثابرة والاجتهاد».

 

لماذا 22 مايو؟

في سنّ التقاعد لم يتوقف عن دوره كناشطٍ اجتماعي في أوساط الجالية من خلال هيئته التي يسهمُ من خلالها في إحياء احتفالات المناسبات الوطنية للجالية.

ارتباط جمال الوثيق ببلاده يؤكدُ ما يتمتعُ به جيله من المهاجرين اليمنيين الذين قدموا للولايات المتحدة في الستينيات والسبعينيات؛ لأنهم شهدوا أحداثًا جسامًا، ممثلة بالثورتين أيلول (سبتمبر)، وتشرين الأول (أكتوبر)، كما عايشوا ما عاشه اليمنيون من مرارات وشظف عيش؛ وبالتالي كما يقول: «فإنّ الأجيال الجديدة، التي يتم تكريمها  خلال أعراسها في شهر مايو من كلِّ عام، لا تعرفُ الكثير عن عظمة الثورة اليمنية، ولا تعرفُ المعنى الحقيقي لذكرى إعادة تحقيق الوحدة، لأنهم من مواليد ما بعد هذا الحدث، وبالتالي فتكريمهم هو تذكير وتكريس أهمية هذه المناسبة اليمانية العظيمة.. إنها محاولة مني، وبمجهودٍ شخصي، ومن قوت أولادي دون أيّ دعم من أيّ جهة.. ما أقوم به هو من أجل وعيٍ وطني محب وصادق لبلادي، لدرجة أنني اضطر أحيانًا إلى أنْ أستدين لأجل هذا الأمر».. «باستثناء هذا الاحتفاء لم تُتح لنا فرصة أنْ نقدمَ شيئًا للأجيال الذين خلقوا بعد 22 مايو 1990؛ لأنهم لم يعانوا، ولا يعرفوا معنى 26 سبتمبر و14 أكتوبر.. وكم تضحيات ذهبت في سبيل ذلك».

 

ارتباط جمال الوثيق ببلاده يؤكدُ ما يتمتعُ به جيله من المهاجرين اليمنيين الذين قدموا للولايات المتحدة في الستينيات والسبعينيات؛ لأنهم شهدوا أحداثًا جسامًا ممثلة بالثورتين أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر).

 

اليمن

على الرغم من أنه أمضى نصف قرن في بلاد الهجرة، موطنه الثاني، إلا أنه عندما يتحدثُ عن اليمن تتواترُ التفاصيل بشكلٍ لا يتسعُ هذا المكان لها، لكنها تعكسُ مدى ولهه بوطنه الأم، كما أنه في ذات الوقت لا يخفي اعتداده بموطن هجرته الولايات المتحدة.

«اليمن هي قصتي التي لم أقلْها، بل عشتها، حتى وأنا في أميركا أعيشُ مع اليمن كلّ شيء.. وكم يحزُّ في نفسي عندما أجدُ في نشرات الأخبار مشاهد مما يحصلُ في بلادي من حربٍ وجوعٍ وفقرٍ ومرض.. أشعرُ بمرارةٍ كبيرة، لكني على ثقة بأنّ بلادي ستتجاوزُ هذه المرحلة، أما أميركا فقد منحتني كلّ شيء واعتزُّ بها».

 

المشاركة العامة

يقيمُ مع أسرته، مثل كثير من المهاجرين اليمنيين، في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، ويشاركُ المجتمع اليمني الأميركي في الولاية الأحداث العامة من أتراح وأفراح لدرجة أنه يضطر في بعض الأيام لِأنْ يزور أكثر من عُرس، ويكرّمُ أكثر من عريس.

«أشعرُ بوجوب ذلك.. وتصور معي كم تكون فرحتك كيمنيّ عندما تحول العُرس من فرحة خاصة إلى فرحة وطنية، فيبتهجُ الجميع باليمن في بلد الغربة، وذلك من خلال النشيد الوطني ورفع العلم اليمني وتكريم العريس».. «22 مايو يوم عظيم في تاريخنا.. أنا بصراحة عندما أقومُ بهذا العمل أشعرُ أنني أقدّمُ ولو جزءًا يسيرًا من الواجب تجاه هذا التاريخ».. «لا أستطيع أنْ أعيش بدون مايو.. هو بالنسبة لي مثل الماء والهواء».

 

«أنا بصراحة عندما أقومُ بهذا العمل أشعرُ أنني أُقدّمُ ولو جزءًا يسيرًا من الواجب تجاه هذا التاريخ».. «لا أستطيعُ أنْ أعيشَ دون مايو.. هو بالنسبة لي مثل الماء والهواء».

 

وصية الأولاد

سنوات طويلة مضت على جمال مُجلي، وهو يقومُ بهذا العمل انطلاقًا من قناعة صار ممتلئًا بها، ويشعرُ من خلالها أنّ اليمن لا بُد أنْ تبقى في قلب كلّ يمني.. ينجزُ ذلك برضا وسعادة، على الرغم من معرفته أنّ هناك من يُفسّر ما يقومُ به بعيدًا عن قيمته الوطنية والإنسانية، لكنه يؤكدُ هنا «هذا عمل أنفقُ عليه من راتبي التقاعدي، ولا يهمني من يذهبُ بتفكيره بعيدًا».

وإيمانًا منه بنبل مقصده فقد أوصى أولاده أنْ يسلكوا مسلكه بعد وفاته، ويعملوا على تكريم كلّ عريس يمني يُقيم عرسه في مايو.

علاوةً على ذلك يشاركُ جمال في أيّ مظاهرة لمناصرة القضية الفلسطينية أو غيرها، «فأنا منذ طفولتي مشدود للقضايا الكبيرة الصادقة، وأشاركُ في أيّ مظاهرة تحملُ معنى كبيرًا، ولهذا لا أتخلفُ عن أيّ مظاهرة هنا، بما فيها المظاهرات الأخيرة تضامنًا مع القضية الفلسطينية؛ فهذا الأمر تربيتُ عليه منذ طفولتي».

 وأعرَبَ جمال عن شكره لصحيفة (اليمني الأميركي) لالتقاطها قصته في سياق اهتمامها المِهني بواقع الجاليات اليمنية والعربية في ولاية ميشيغان.

   
 
إعلان

تعليقات