Accessibility links

ورحل رائد من رواد القومية العربية: أحمد الخطيب


إعلان

عبد الباري طاهر*
أحمد محمد الخطيب رائد من رواد التيار القومي الحديث، وأحد القادة المؤسسين للحركة القومية العربية إلى جانب: جورج حبش، وديع حداد، هاني الهندي، وصالح شبل.

الخمسة البررة اجتمعوا في (الروشة) عام 1951، ليعلنوا تأسيس حركة كان لها أعمق الأثر في تاريخ الأمة المعاصر منذ منتصف القرن العشرين، كردّ على النكبة، وكحركة تحرر وطني.

طلاب الجامعة الأمريكية كانوا التلاميذ البررة للآباء الروحيين: قسطنطين زريق، وساطع الحصري، وعلي ناصر الدين، ومصطفى العلايلي، والحكم ردوزة، ونبيه أمين فارس.

علي ناصر الدين الأب الروحي لكتائب الفداء العربي، ورافع شعارات: (الثأر، العار، الدم، والحديد، والنار) كان تأثيره كبيرًا على الكتائب، كما أن حلقات درس قسطنطين زريق، ونبيه أمين، وتنظيرات ساطع، ودروزة، كانت الأكثر حضورًا وتأثيرًا على تكوين ما بعد كتائب الفداء، والانتقال إلى شعار: (وحدة، تحرر، ثار).

كان حبش القائد الميداني للحركة في المشرق العربي كله، بينما كان الخطيب الأب الروحي للحركة القومية في عموم الخليج.

مرت الحركة القومية بتطورات داهشة، وتغيرات متسارعة، وكانت طرفًا أساسيًّا فاعلاً ومؤثرًا في الثورة العربية في المشرق العربي منذ خمسينيات القرن الماضي، وكانت جزءًا من تجربة الثورة العربية بانتصاراتها وانكساراتها.

تُمثل حركة القوميين العرب في الكويت بزعامة الفقيد الكبير أحمد الخطيب الحركة الوطنية الأم، شأن الوفد في مصر، والمرغنية والمهدية في السودان، والكتلة الوطنية في سوريا، والاستقلال في العراق، والرابطة في جنوب الوطن، وحزب الأحرار في الشمال.

أسهمت الحركة في الكويت في وضع الأسس الأولى للدولة الكويتية، وتأسيس حركتها الديمقراطية، ومنظمات مجتمعها المدني، ومؤسساتها الحديثة والحضارية.

امتازت الحركة في الكويت عن المركز في بيروت، ففي حين كانت الحركة تعيب على البعث الانغماس في العمل البرلماني، كان الخطيب ورفاقه الناصريون يتصدرون القوائم، ويتبوؤون الصدارة في البرلمان، وكانوا أهم دعاة تأسيس الحياة البرلمانية، وأصبح رفيق الخطيب – عبداللطيف الغانم الناصري التوجه نائبًا لرئيس أول برلمان كويتي في 1961.

كان الخطيب إلى جانب حبش، وهاني الهندي، ووديع حداد، القيادة الفعلية (اللجنة التنفيذية) طوال عقد الخمسينيات، كما كان الخطيب المسؤول الأول في الخليج.

نأى الخطيب بنفسه عن الصراعات الكالحة بين التيارات القومية: البعث، والناصرية، والشيوعيين، وانحصر صراعه في الحدود الدنيا، كما رفض اتجاه الالتحام بالناصرية الذي تبناه فريق الحرية: محسن إبراهيم، ونايف حواتمة، ومحمد كشلي، مع تأييده للزعيم العربي جمال عبدالناصر، ووقوفه إلى جانب الثورة القومية المصرية في مختلف المراحل، وتحالفه مع الناصريين الكويتيين، ولم يكن موقف الخطيب مختلفًا عن موقف الحكيم جورج حبش.

يشير الدكتور محمد جمال باروت إلى جانب من وقائع مؤتمر 1963 الانقسامي بأن تيار اليسار قدم وثيقة تتضمن الالتحام بالناصرية، وهو ما رفضه جورج حبش، لأنه رأى فيه حلّ الحركة وتذويبها، ويقول الحكيم حبش الذي يصفه باروت بأنه أمهر رجالات التنظيمات في العالم: قلت للرفاق إن التحالف مع الناصرية ممكن، أما الالتحام، فغير ممكن.. يضيف باروت: أن الحكيم كان حذرًا من أية علاقة مع الأنظمة، بما فيها نظام عبدالناصر.. (حركة القوميين العرب، ص 232).

لم يكن الزعيم العربي ناصر مع قضية الالتحام بحسب توثيق الدكتور باروت، فعندما عرض عليه وفد قيادي حركي: جورج حبش، ومحسن إبراهيم في فبراير/ شباط 1965 قرار الحركة بالالتحام، لم يعلق ناصر على هذا القرار، وأحال الاقتراح إلى لجنة من زكريا محيي الدين، وعلي صبري.

اعترض زكريا على المشروع، مشيرًا إلى سلبياته، ونصحهم ناصر بالتريث، والاكتفاء بالحوار والتعاون. (المصدر نفسه، ص 239).

والواقع أن الخطيب كان من أشد الداعمين والمؤيدين لثورة يوليو 1952، وقد وقف ضد الانفصال، وضد العدوان الثلاثي، وضد النكبة 1948، والنكسة 1967، وابتعد عن المغامرة اليسارية، ونظرية البؤرة الثورية التي دعا إليها اليسار المغامر، والتي لقيت دعمًا من الجبهة القومية، والصين الشعبية بواسطة الرئيس سالم ربيع علي.

الرمز القومي البارز أحمد الخطيب رمز من رموز استقلال الكويت.. يقول الباحث الدكتور محمد جمال باروت في كتابه المنوه به: وضعَ إعلان استقلال الكويت حركةَ القوميين العرب أمام مرحلة جديدة، فقد كان هذا الاستقلال ثمرة من ثمرات حملتها ضد المعاهدة البريطانية، وتحقيقها للتحرر الوطني من الاستعمار البريطاني. (المصدر نفسه، ص 134).

وقف الخطيب ضد المغامرة الثورية، وتعرض للفصل والإدانة والتشهير، كما وقف الخطيب وسامي المنيس وأحمد النفيسي ضد البؤر الثورية في عمان، والبحرين، والسعودية، والإمارات، كما وقف إلى جانب استقلال الكويت في مواجهة قاسم.

هزيمة 1967 كانت نتائجها كارثية على الأمة كلها، وأحدثت تحولات فاجعة في الحياة السياسية بعامة، وعلى التيارات القومية واليسارية بخاصة.

التيار اليساري: محسن إبراهيم، نايف حواتمة، ومحمد كشلي الداعي للالتحام بالناصرية تحول 180 درجة ضد الناصرية، وضد الأحزاب الشيوعية الرسمية (كرؤيتهما)، وضد التيار التقليدي: (حبش، وديع، الخطيب، وهاني)، والمأساة هي سيطرة اليسار المغامر، وتأثيره على قيادات في جنوب الوطن، رغم انفصال الحركة مبكرًا منذ منتصف الستينيات، إلا أن علاقة حواتمة بيسار الجبهة كان قويًّا، وامتد التأثير إلى الثورة الشعبية في عُمان، والأمر لا يتعلق بمشروعية الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، وإنما مرتبط بشروطه وإمكاناته، وتوفر الظروف التي لم يدركها التيار اليساري والمغامر، وقد نجم عن المغامرة الثورية نتائج كارثية في مناطق نفوذها.

التيار القومي اليساري الداعي للوحدة الفورية تسبب في تصدعات وانقسامات تبدأ ولا تنتهي، وهو ما كان يرفضه التيار التقليدي، وبالأخص الخطيب ورفاقه.

يدرس المناضل عبدالنبي العكري (حسين موسى – الاسم التنظيمي)، وهو من قيادات الجبهة الشعبية في البحرين – يدرس المنظمات اليسارية الجديدة في الخليج والجزيرة العربية في مبحث نشر في كتاب (الأحزاب والحركات اليسارية)، وهو كتاب أصدره المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، وحرره الباحثان فيصل دراج، ومحمد جمال باروت، كما يدرس الهامش الديمقراطي في الكويت، وهو هامش يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي عندما أسست الحركة الإصلاحية عام 1938 أول مجلس تشريعي في منطقة الخليج والجزيرة العربية سرعان ما جرى حله، وقد ورثت حركة القوميين العرب بزعامة الخطيب هذا التقليد الديمقراطي إلى جانب رفاقهم الناصريين.

في مطلع سبعينيات القرن الماضي تضافرت عوامل عديدة عربية وعالمية فرضت على بريطانيا تطبيق استراتيجية شرق السويس، فبدأت بمنح الاستقلال لدول الخليج، والتفكير بإقامة اتحاد تساعي أو سباعي.

لم تدرك جبهة تحرير عمان والخليج العربي مغزى وأهمية منح الاستقلال. كان التيار القومي في الكويت بزعامة أحمد الخطيب إلى جانب التيار الناصري، وجبهة التحرير الوطني في البحرين هم الأكثر إدراكًا للتحولات القادمة، وأهمية العمل السياسي، والإصلاحات الديمقراطية، وكانت حركة الديمقراطيين الكويتيين: أحمد الخطيب، والمنبر لاحقًا، والتجمع الوطني: حاسم القطامي هما الأساس.

ظل القائد القومي ثابتًا على مواقفه القومية، وبقيت علاقاته واتصالاته ومواقفه مع الحزب الاشتراكي اليمني ومع كل القوى الديمقراطية.

* نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق

   
 
إعلان

تعليقات