Accessibility links

هكذا يموتُ مرضى السرطان اليمنيين تحت نير الحرب..!


إعلان

كيف أصبحَ مرض السرطان بمثابة عقوبة إعدام في اليمن؟

 

صنعاء – “اليمني الأميركي” ـ محمد العلفي

آلاف اليمنيين يقضون، بصمْتٍ، بمرض السرطان خلال سنوات الحرب المستعرة في بلادهم منذ ست سنوات، وهي الحرب التي ضاعفت من معاناة هؤلاء المرضي لدرجة لا تمتلكُ أيّ مؤسسة (حكومية، أو غير حكومية) أرقامًا دقيقة عن حجم هذه المعاناة التي تتسعُ دائرتها كلّ يوم.

وأكدت إحصائيات مرصد السرطان العالمي التابع لمنظمة الصحة العالمية، والصادرة قبل أيام، وفاة (12103) حالات من مرضى السرطان في اليمن، خلال العام 2020م فقط، منها (6436) إناثًا، و(5667) ذكورًا، فيما بلغ عدد الإصابات الجديدة من كلا الجنسين (16476) حالة، منها (9317) إناثًا، و(7159) ذكورًا.

هذه الأرقام تُمثِّلُ ما يتم رصده مما يصِلُ إلى مراكز الأورام، بينما هناك حالات كثيرة لا تستطيعُ الوصول إلى مراكز العلاج، وتموتُ خارج دائرة الرصد. 

 

السرطانات الأكثر انتشارًا

يوضّح الرسم البياني، الذي تضمّنته الإحصائيات، خمسة أنواع من إصابات السرطان الأكثر شيوعًا في اليمن: «الصدر 17.6%، القولون 9.2%، سرطان الدم 6%، المعدة 5.9%، الغدد الليمفاوية 5.2%»، وتوزّعتْ بقية النسبة 56.2% على أنواع الإصابات الأخرى في جسم الإنسان.

وقال مكتب منظمة الصحة العالمية باليمن، في تغريدة سابقة على صفحته بموقع “تويتر”: «لا ينبغي أنْ يُعدَّ السرطان بمثابة عقوبة إعدام، لكنه في اليمن أصبح كذلك».

 

عددُ الحالات المصابة بمرض السرطان في اليمن تجاوزت 78 ألف حالة، منها 35 ألف حالة تتردّدُ على المركز الوطني للأورام سنويًّا

 

ارتفاع مؤشِّرات الإصابة  

ويؤكد مدير عام المركز الوطني لعلاج الأورام في صنعاء – الدكتور عبدالله ثوابة، في حديث لـ”اليمني الأميركي”، ارتفاع عدد حالات الإصابة بمرض السرطان في (زمن الحرب) بنسبة 25% عمّا كان عليه الوضع قبل 2015.

يقول د. ثوابة: «كان المركز الوطني للأورام بصنعاء قبل عام 2015 يستقبلُ (4500) حالة جديدة سنويًّا، مقارنة بـ 6 آلاف حالة جديدة خلال سنوات الحرب».

ويوافقهُ نائب مدير عام المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان عبدالمنعم الشميري في نسبة الارتفاع، قائلًا، في حديث لـ”اليمني الأميركي”: «ارتفع عدد الحالات المصابة بمرض السرطان المتردِّدة على المؤسسة وفروعها الخمسة في المحافظات بنسبة 25%، حيث كان يتردَّدُ علينا 15 ألف حالة قبل 2015، فيما بلغت عدد الحالات المتردِّدة على المؤسسة خلال سنوات الحرب 20 ألف حالة».

ويرى مدير مركز الأورام أنّ نسبة الارتفاع في الواقع هي أكثر مما تم ذكره. 

«مرضى السرطان لا يتوافدون إلى مركز الأورام من كلّ مكان بسبب الحرب، وتردِّي الأوضاع والحصار، وكثير من المرضى في المحافظات يذهبون إلى أماكن أخرى، ومع ذلك زاد العدد بهذه الصورة لدينا في المركز الوطني للأورام».

ويقولُ نائب مدير عام المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان: «إنّ عدد وفيات السرطان في الواقع أكثر مما أوردته الإحصائيات؛ كون الغالبية يقضي نحبه في الأرياف، وحتى في المدن، دون أنْ يتم توثيق حالة الوفاة وسببها».

 

أكدتْ إحصائيات مرصد السرطان العالمي، الصادرة مؤخرًا، وفاة (12103) حالات من مرضى السرطان في اليمن خلال العام 2020م 

 

انعكاسات الحرب

ألقتْ الحرب بظلالها البائسة على الوضع العام في البلاد، مما أفضى إلى إفقار ملايين اليمنيين، وتضاعفتْ معاناة مرضى السرطان كنتيجةٍ حتميةٍ لذلك، بدءًا من صعوبة الانتقال بين المحافظات بسبب تقطُّع الطرقات، لا سيما في مناطق الصراع، ناهيك عن ارتفاع أجور المواصلات التي صارت أضعافًا مضاعفة بسبب أزمات المشتقات النفطية المتلاحقة؛ في ظل انقطاع صرف رواتب معظم موظفي الدولة، وانهيار العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي (1 دولار = 600 ريال يمني) في المناطق التابعة لسلطة صنعاء، ( 800 ريال) في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا.

كلّ ذلك أدى إلى ارتفاع القيمة الشرائية للعلاجات بنسبة كبيرة؛ الأمر الذي أدى إلى ضعف مقدِرة الكثيرين من مرضى السرطان عن شراء الوصفات العلاجية المقررة لهم، لا سيما في ظل انعدامها في المركز الوطني للأورام، وفروعه الستة في المحافظات.

يتذكر نائب مدير المؤسسة الوطنية الفترة التي شارفتْ فيها المؤسسة على الإغلاق.. 

«من انعكاسات الحرب على المؤسسة توقُّف الدعم المقدَّم من الدولة، البالغ 500 مليون ريال، ووصل بنا الحال إلى أنْ شارفنا على الإغلاق التام  للمؤسسة؛ كنتيجة حتمية لانقطاع الدعم».

ويُشيرُ إلى أنّ غالبية مرضى السرطان ينتمون للأسر المعدمة في مختلف المناطق اليمنية، التي بالكاد تستطيعُ الانتقال للعلاج في مركز المحافظة أو المديرية القريبة منها، والتي في الغالب لا يتواجدُ بها مراكز متخصصة بعلاج الأورام.

«بالكاد يستطيعُ الآلاف من مرضى السرطان ومرافقيهم الانتقال إلى العاصمة صنعاء لتلقّي العلاج، وهنا تتضاعفُ معاناتهم؛ لأنه حتى وإنْ وُجِدَت الخدمة العلاجية، فهم لا يستطيعون تحمُّل أعباء العيش؛ نظرًا لغلاء المعيشة، وارتفاع أجور السكن والمواصلات»، يضيف.

 

ارتفاع حالات الإصابة بمرض السرطان في (زمن الحرب) في اليمن بنسبة 25% عمَّا كان عليه الوضع قبل 2015

 

قصف مركز الأمل

تم قصف مركز الأمل لعلاج الأورام في محافظة تعز، والذي كان الملجأ الوحيد لمرضى السرطان بالمحافظة وما جاورها. 

يقولُ نائب مدير المؤسسة الوطنية: «بعد أنْ تم قصف مركز الأمل عملنا على إيجاد مركزٍ بديلٍ لعلاج مرضى السرطان في المنطقة، وتمّ نقل الأجهزة التي لم تتضرر من القصف، أو تلك التي استطعنا صيانتها، وظل المركز البديل يعملُ بها لمدة عامين… ومطلع العام 2020 عاودنا افتتاح مركز الأمل، بعد أنْ قُمْنا بصيانته وترميمه، وعاد لتقديم خدماته للمرضى».

 

إغلاق مطار صنعاء

ضاعف إغلاق مطار صنعاء من معاناة مرضى السرطان الذين لم يجدوا الخدمة العلاجية اللازمة لحالاتهم في البلاد، ولديهم القدرة على السفر للعلاج في الخارج؛ نتيجة لزيادة تكاليف السَّفر، فضلًا عن المخاطر التي يتعرّضُ لها المريض عند الانتقال إلى مطار محافظة عدن، أو مطار سيئون بمحافظة حضرموت.

يقولُ مدير مركز الأورام بصنعاء، «ضاعَفَ إغلاق مطار صنعاء من معاناة المرضى بشكلٍ عام، ومرضى السرطان بشكلٍ خاص، لا سيما في ظِلِّ منْع دخول بعض الأدوية مثل اليود المُشِع، والتي من المفروض أنْ يتلقاها المريض في صنعاء؛ الأمر الذي يضطره للسفر إلى الخارج».

ويرى أنّ ذلك أسهَمَ في ارتفاع حالات الوفيات؛ نظرًا لعدم مقْدِرة المريض على السفر بسبب تردي الحالة الاقتصادية التي وصل إليها المواطن، ومريض السرطان خصوصًا، مما يؤدي إلى تدهور حالته المرضية، وبالتالي الوفاة.

ويُشيرُ نائب مدير عام المؤسسة الوطنية إلى المأساة التي يعانيها مريض السرطان نتيجة إغلاق مطار صنعاء، والمتمثلة بـ «مشكلة استيراد ونقْل الدواء الذي يتأخر لشهور عديدة كنتيجةٍ حتميةٍ لبُعد المسافة، كما يؤدي إلى زيادة سعر الدواء نتيجة لإضافة أجور النقل».

 

نقص العلاجات

يقولُ مدير المركز الوطني لعلاج الأورام – د.عبدالله ثوابة: «نُعاني من النَّقص الحاد للعلاجات، حتى أنها انعدمت خلال العامين 2016/ 2017، ولم يتبقَّ إلا نوع واحد من أصل 50 نوعًا، كما نعاني من نضوب المصادر المُشِعّة التي نستخدمها في وحدة العلاج بالإشعاع؛ نتيجة لِمنْع تحالف العدوان (قوات حكومة الرئيس هادي مع قوات تحالف السعودية والإمارات) دخولها للبلاد… هذا بالإضافة إلى توقف جهازين عن العمل، ولدينا جهاز يعملُ بفاعلية 38% فقط، وهو قد يتوقف في أيّ وقت».

ويرى أنَّ عدد الحالات المصابة بمرض السرطان في اليمن تجاوزت 78 ألف حالة، منها 35 ألف حالة تتردَّدُ على المركز الوطني للأورام سنويًّا.

وقال مكتب منظمة الصحة العالمية باليمن، في تغريدات سابقة على صفحته بموقع “توتير”، إنّ 35 ألف مريض بالسرطان في اليمن يواجهون خطر الموت بسبب انقطاع التمويل، مُحذِّرًا من أنّ عدم توفير علاج السرطان سيتسبب بخسارة العديد من الأرواح جراء هذا المرض.

 

بوادر أمل

ويؤكدُ مدير المركز الوطني أنّ إطلاق صندوق مكافحة السرطان بصنعاء، بداية العام 2019، أسهَمَ في تخفيف الضائقة والمعاناة التي يعانيها المركز، مبيّنًا أنه تم توقيع عقد لشراء جهاز معجل خطي حثيث جدًّا، وهو الأول من نوعه على مستوى اليمن، على حساب الصندوق، والذي سيتم تشغيله خلال ما يقارب 8 أشهر، بالإضافة إلى التجهيز لافتتاح وحدات أخرى لعلاج الأورام في بعض المحافظات.

   
 
إعلان

تعليقات