Accessibility links

مشروبات وسندويتشات على ضفاف سائلة صنعاء


إعلان

أيها المحافظون..

افتحوا عقولكم على

الشمس والهواء

عبدالله الصعفاني*

ليس هناك مدينة يمنية تعيش حالة ازدحام سكاني إلا وتعاني في قضية المتنزهات.. لا فرق بين ساحل وجبل.

فالأولويه في ثقافتنا القاصرة هي للاسمنت وإغلاق المنافذ على الشمس وعلى الهواء.. لا فرق بين ساحل وبين جبل.. والسبب الدائم انفتاح شهية السطو على أي شيء وكل شيء..! وإن وجدت حديقة هنا أو هناك فهي أقل من استيعاب الأسر في أجواء مريحة.

حدائق مخمودة الأنفاس بكثرة شباب يتحولون إلى عائق أمام استمتاع العائلات بأجواء مناسبة، بعيدًا عن عيون متطفلين منتفخي الوجوه، زائغي العيون تحت تأثير عجينة القات.

وعندما سألت أحدهم قبل أيام عن سبب تحويل حديقة السبعين إلى مقيل بالنسبة له ولأصحابه، حسب ما فهمت منه.. قال كثيرًا من الكلام غير المقنع، غير أن عبارة استوقفتني في حديثه، وهو يقول:

صار كوب الشاي الحليب أو القهوة داخل صنعاء القديمة بـ200 ريال، وأجواء مزدحمة داخل أماكن قليلة، وهو ما جعل السفر إلى الضواحي البعيدة هو أسلوب حياة عند القادرين وغير القادرين، طمعًا في تقليص ضغوط الحياة وتعقيداتها.

أحد الشباب الذي كان جالسًا إلى جانبه رأى في مضغ القات داخل الحديقة فائدة مزدوجة، أو حسب تعبيره حاجة وحجّة، ولم يوضح..!!

ومن الإنصاف التسليم بصحة وجهة نظرهم في مسألة تواضع عدد الأماكن التي تجمع بين تمكين الناس من تناول المشروبات الساخنة أو السندويتشات في أجواء مفتوحة تمكّن من رؤية ما هو أبعد من وقت تقضيه في قهاوي ومطاعم يختلط فيها دخان السجائر مع رذاذ زيوت خبز الطاوة، وهو ما نعاني منه عصر ومساء كل يوم في شارع المطاعم بميدان التحرير، حيث القهوة الشهيرة مدهش.. وهنا شعرت كما لو أنه يحاصرني في محدودية البدائل المناسبة.

ولقد خطر في بالي سؤال حول أسباب غياب اهتمام المحافظين بأماكن التنزه في عواصم محافظاتهم، واعتبار السلطات المحلية هذا الأمر معدوم الأهمية.

على سبيل المثال.. لا أعرف كيف ضيَّع مسؤولو أمانة العاصمة فرصة تحويل ضفتي سائلة صنعاء إلى استثمار للراغبين في افتتاح متنزهات وقهاوٍ صغيرة يطل منها الزوار على واجهتها الجميلة، وهي تضيء بهجة مع حركة الشمس فجرًا، وعند طلوع الشمس، وقبل الغروب.

فباستثناء فرع لـ (قهوة وردة)، التي كانت في الأصل إحدى استراحات من يدخلون

صنعاء من خارجها، لا يوجد على ضفتي سائلة صنعاء أماكن مناسبة للجلوس، فيضطر من يبهجهم التوقف هناك للوقوف على حواف السائلة وفوق جسور المشاة، وفي أوضاع خطرة، خاصة في الأيام التي تزيد فيها مياه كل صيف ماطر، فتهفو النفوس للتمتع بالجمع بين تناول المشروبات وبين جمال الرؤية التي تذكّر المتابع ببخور المكلا.

ومعروف أن ضفتيّ السائلة وجسور المشاة فيها صارت إحدى الأماكن المهمة التي يرتادها عشاق صنعاء من داخلها ومن ضيوفها كأمرٍ واقع لأنها غير مهيأة بكراسٍ وطاولات.

وفي كل أمر يتصل في المحبة لصنعاء القديمة، يلتقي الناس واقفين تحت ضغط الضرورة، وليس ترجمة للقول:

وللناس في ما يعشقون مذاهب..

وكنت كتبت حول ما يلفت الناظر إلى مباني صنعاء القديمة، وكيف تراها من خارجها، حيث للبناء الذي يميزها من التحولات اللونية حسب سطوع الشمس وحركتها ما يبعث البهجة والسرور في قلوب المتأملين.

أعرفُ كثيرًا من الناس يودون لو يتمكنون من الاقتراب مع أفراد أسرهم من صنعاء القديمة ورؤية واجهاتها من محيطها الخارجي، ولكن كما هو حالنا مع عدم استغلال المتاح في صناعة البهجة نهمل ونقصّر، إما بجهل أو سوء تقدير، أو حتى تنّاحة.

ولو تم عمل استراحات وأكشاك وقهاوٍ صغيرة على ضفتي السائلة بامتدادها الكبير من الجنوب إلى الشمال والعكس، لأمكن الاستفادة من بعض العائدات في الاهتمام بصنعاء القديمة نفسها، التي تعاني من جوانب قصور عديدة، أقلها اتساخ أزقتها بصورة مزعجة.

إنّ من شأن تحويل ضفاف السائلة إلى مزار سياحي مغرٍ سيساعد سكان العاصمة وزواره على الاقتراب من صنعاء القديمة وجمالها دونما اضطرار لخوض الزحام في أسواقها الضيقة العتيقة.

وما إلى ذلك من أمور تتسبب في تنازل الأسر عن رغبتهم في الاستمتاع، بما فيها من مظاهر الجمال الأصيل.

أعرف سكانًا كثيرين طفشوا من زحام صنعاء القديمة فغادروها بسبب الزحام الشديد، ومن مقاهيها ومحلاتها ومطاعمها التي اقتحمت هدوءها وتفاصيلها، واختلاط باعة السراويل مع باعة الزعقة وحَبّ العزيز.

ذات مساء، أخذتني أقدامي مع زملاء إلى الغرفة التي يمضغ فيها المطرب الشعبي المرحوم علي حنش قاته.. وحينها اشتكى مما أسماه زحام وفوضى تفقد سكانها الراحة فيطير كل موعد للنوم من العيون، حتى أنه قال على سبيل الدعابة: يكون الواحد في مقيله هادئًا في أمان الله، فيتفاجأ بأحد الباعة المتجولين يقتحم هدوءه وهو يروج لبضاعته، فيصرخ (سراويل سراويل)، وضحكنا.

ويجري ذلك على أي حال خارج ما كانت عليه صنعاء من الترتيب والتقسيم، والبيع والشراء الهادئ.

عودًا على بدء قد يقول قائل بأن عمل استراحات قد يواجَه باعتراض الأهالي، مما قد يزعج أصحاب البيوت المطلة إلى السائلة، ولكن في يقيني إن الأمر ينطوي على تهويل.

أوَّلا.. لأن الأمر لا يحتاج إلا لبعض الضوابط على أصحاب السيارات لتجنب أي عشوائية، كأن يتم منع سيارات زوار الأماكن من تجاوز ممرات السائلة بسياراتهم وفرض الوصول إلى ضفتي السائلة مشيًا على الأقدام.

ويا سلام لو صار المكان بامتداده الطويل من دار الرئاسة جنوبًا إلى الشارع الموازي لمطار صنعاء جنوبًا استراحات تتباين في المساحة حسب الاتساع، حيث سيخف الزحام في الحدائق، وتكثر المتنفسات السهلة على سكان الأحياء على امتداد السائلة.

ويمكن إعطاء الأولية في استغلال هذه الأماكن لأصحاب البيوت الصنعانية المطلّة على السائلة.

وأتخيل الآن كيف ستصبح ضفتي السائلة بقليل من الأضواء، وقليل من الخدمات، وما تيسر من انضباط الذوق العام، إلى مزار جميل يُعلي من شأن السياحة الداخلية والترفيه والترويح.

أتخيل وقد نَمَت على هامش استغلال المساحة الطويلة تجارة باعة متجولين يعرضون على الناس التحف والهدايا والزهور وألعاب الأطفال، وغير ذلك من المعروضات التي تُعرقل حركة السير في الجولات والشوارع المزدحمة أصلاً.

أعرف أن هناك من سينظر إلى الفكرة بعدم الارتياح، شأن  نظرتنا إلى كل جديد، غير أن زحام أسواق صنعاء القديمة، وشوارع العاصمة إجمالاً، يفرض الاستماع لكل فكرة تُخفف الزحام، وتوسع خيارات الباحثين عن متنفسات تُحقق هدف السياحة والترويح والترفيه على مساحة طويلة، وبتكلفة أقل.

فهل في أمانة العاصمة من يسحب الخيط من حيث توقفت..؟

ياليت..

*كاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات