Accessibility links

إعلان

بلقيس محمد علوان*

في أوائل القرن الواحد والعشرين، كان الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا محطَّ أنظار الكثير من الأبحاث ونقاشات السياسات محليًّا ودوليًّا، وكما هو معلوم تشهد هذه المنطقة المعدل السكاني الأعلى من الشباب في العالم، بالإضافة إلى المعدّلات الأعلى من بطالة الشباب، وهذا يقتضي بالضرورة العمل على خلق ما يكفي من فرص العمل لاستيعاب التدفّق الوافد من العمّال الشباب، لكن على الرغم من الجهود التي بُذلت فقد عجزت دول المنطقة بحلول العام 2010 عن تحسين مخرجات تشغيل شبابها، فازداد إحباط الشباب بسبب إبعادهم سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، لتتمخّض عن هذا الإحباط احتجاجات أو ما سمّي بثورات الربيع العربي في العديد من دول المنطقة في العام 2011، والسيناريوهات التي تلتها في كل دولة على حدة، ومع مطلع العام 2023 ما زالت الكثافة السكانية العالية لفئة الشباب في تركيبة المنطقة سكانيًّا من جهة والبطالة من جهة أخرى في قائمة المعيقات أمام الدول والسكان معًا، وفي ظل الوضع الأمني والاقتصادي للعديد من دول المنطقة ومنها اليمن يزداد المشهد تعقيدًا، ومع ذلك وفي ظل هذا المشهد يُطرح السؤال: ما هي أولويات الشباب؟

في إحدى مدونات البنك الدولي في العام 2012 كتب “وائل زقوت” وهو مدير مجموعة الممارسات العالمية المعنية بسياسة الأراضي والفروق المكانية بالبنك الدولي: في أول جولة لي في اليمن، اجتمعت مع نخبة من الشباب اليمني في العاصمة صنعاء. كان هدفي من هذا الاجتماع هو الاطلاع عن كثب على الآراء المهمة للشباب، وإليكم فيما يلي ما سمعته عن أولوياتهم:

  •  القضاء على الفساد والمحسوبية.
  • إنعاش الوضع الاقتصادي لتوفير فرص عمل.
  • تحسين النظام التعليمي ورفع جودة التعليم.
  • تحسين الخدمات للشعب في قطاعات حيوية مثل الكهرباء، المياه والصحة.

بالتأكيد لو عاد “وائل زقوت” الآن لطرْح السؤال سيجد إجابات مختلفة، وقد أظهرت دراسة منشورة أجراها “يزيد الجداوي” بعنوان: “أثر حرب اليمن على أولويات واحتياجات الشباب” أن الأولويات والاحتياجات الأكثر إلحاحًا لدى الشباب اليمنيين حاليًّا تتمحور حول: 

  • الانتعاش الاقتصادي.
  • أزمة الصحة النفسية المتزايدة.
  • ضمان حماية الشباب والشابات.
  • منع استمرار إلحاق الضرر بنظام التعليم نتيجة تسييسه واستخدامه كسلاح حرب.
  • شفاء الجروح التي أدت إلى تآكل التماسك الاجتماعي وتدهور النسيج الاجتماعي.

لقد تغير المشهد تمامًا وتغيرت الأولويات والاحتياجات، وهذا التغيير يبدو منطقيًّا ومتسقًا مع وطأة معاناة اليمنيين لِما يزيد عن ثمان سنوات من الحرب والصراع.

يعي كل من يعمل في مجال التعليم العام أو التعليم الجامعي حجم الفقد والهدر في حياة الشباب، كل عام يتخرج من الجامعات عشرات الآلاف من الشباب في مختلف التخصصات أغلبهم لا يجدون عملًا، وتمضي السنة والسنتان والعشر وهم يبحثون، والأفق أمامهم مسدود، مع غياب الدولة وتنصلها عن مسؤولية خلق فرص عمل والإسهام في توظيف الشباب؛ إذ لم يعد هذا من اختصاصها، وعلى سبيل المثال في كل دفعة تخرجت من الجامعة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، حيث تسلمتُ عملي هناك مطلع العام 2011، يكون هناك أسماء نُجمع كلنا أنهم سيكونون نجوم إبداعٍ في فضاء الإعلام، وشخصيًّا ما زلت على تواصل مع الكثير منهم، لكن وبكل أسف لم يصبح أولئك نجومًا، ولا هم يحزنون، وأحسنهم حظًّا يتنقل من إذاعة محلية لأخرى بمقابل لا يكاد يفي بتكلفة التنقل من وإلى العمل، أو يكتب لمواقع إلكترونية تعتبر أن النشر لهم فضلاً منها، ومنها ما ينشر لهم بلا مقابل، والبعض يكتب بدون أسماء أو بأسماء مستعارة حفاظًا على أمنه الشخصي، في ظل وضع أصبح فيه الإعلام مهنة محفوفة بالخطر، وخياراتها شبه معدومة في ظل الاستقطابات والفرز والتصنيف، البعض منهم وجد عملًا لا علاقة له بتخصصه، في التدريس أو التجارة أو بعض الحرف، وأعداد منهم هاجروا إلى دول الجوار “بفيزا عامل أو سائق” بعد أن استدان وباع ما يملك أو تملك أسرته من مدخرات أو ممتلكات على أمل أن يعوضهم ويقضي ديونه وديونهم، لكن الاغتراب لم يعد مجديًا، ومثل خريجي الإعلام خريجي التخصصات الأخرى أغلبهم كان التخرج آخر ما قاموا به، ومن الشباب من يمم غربًا في محاولة للهجرة إلى أوروبا أو أمريكا وما زالوا عالقين في دول العبور كما يطلق عليها، أي الدول التي تشكل محطة قبل السفر إلى أوروبا أو أمريكا، وليس غريبًا الأعداد الكبيرة من المسجلين من اليمنيين في القرعة الأمريكية، أما أولئك الذين اختاروا أقصى درجات المغامرة في محاولة الهجرة غير الشرعية، ومرة بعد مرة تصلنا أخبار مَن وصل أو من قضى نحبه في طريق الحلم في غابة أو بين ركام الجليد، وهناك من انقطعت أخباره فلا يعرف أهله إن كان في عِداد الأحياء أم في عداد الموتى.

على مر التاريخ لم يدُم صراع ولم تدُم حرب، وكلها إلى نهاية، تنهض الشعوب وتتعافى الدول وتستعيد كيانها، لكن الضريبة التي يدفعها الشباب باهظة للغاية لأنها سنوات من أعمارهم ومن أهم مراحل حياتهم، وهنا يكمن الهدر الحقيقي الذي لا يعوض.

ليس المشهد كله مأساويًّا كليًّا، فبين كل هذه التفاصيل هناك شباب: فتيات وفتيان في كل جغرافيا اليمن يعملون بإيمان عميق بقدراتهم، بإمكانياتهم، تأهيلاً وبناء قدرات، يحاولون ويحاولون، مشاركات هنا وهناك، إسهامات في الداخل والخارج، البحث عن فرص، عن منح دراسية، المشاركة في مسابقات، ومن بين كل المآسي تأتي الأخبار المبهجة، فوز، حصاد، تميز، إصدارات، جوائز، اختراعات، صحيح أنها إنجازات فردية، لكنها ملهمة تبعث الأمل، وتقول إن هناك ممكن.

 في نهاية الأمر لسنا وحدنا من نعاني، هناك دول كثيرة حول العالم يجتاحها الصراع، وتعصف بها الأزمات الاقتصادية، والحقيقة الماثلة أمام الجميع أن الوقت يمر، وما دمنا في زمن غير مواتٍ وبيئة غير مساندة فالحال يقول إننا في وقت الخلاصات الفردية، الخيار فيها أن كل فرد يشتغل على نفسه يطور من نفسه يبني قدراته يؤهل نفسه للحاضر أو للمستقبل للداخل أو للخارج، لتكن هذه أولوياتنا، أما الركون والانتظار إلى أن تتحسن الأوضاع والاستمرار في الشكوى فليس إلا مواصلة لإهدار عمر نحياه مرة واحدة.

* أكاديمية وكاتبة يمنية. 

   
 
إعلان

تعليقات