Accessibility links

إعلان

تنهّدت بانتصار حين أغلقت الباب وراءهم، أخيرًا وجدت الفرصة التي تكون فيها وحيدة وغير محاطة بالآخرين، صحيح أنّها تحتاج وجودهم قربها بشدّة، لكن ليس بالطريقة التي يتواجدون بها.

اتجهت الى غرفة أخواتها، أغلقت الباب خلفها بالمفتاح، ثمّ وقفت أمام المرآة..

شعرت بالارتباك.. 

خلعت جلابيتها المنزلية، نظرت إلى نفسها في المرآة وهي شبه عارية.. خلعت حمّالة الصدر.. رفعت يدها اليسرى إلى الأعلى، ووضعت اليمنى على النهد الأيسر، أدارت يدها حوله إلى أن وصلت الى تلك البقعة الواقعة في الأقصى، تحسست يدها فيها بنفس الطريقة التي تحسستها بها الطبيبة في الزيارة الأولى.. 

ثبتت يدها تمامًا فوق ذلك الانتفاخ وانهالت بالأسئلة: 

(لماذا؟.. لماذا اخترتني أنا من بين كل نساء العالم؟

 لماذا لم تذهب إلى امرأة مسنّة على فراش الموت قد يئست واكتفت من الحياة! 

لماذا لم تذهب إلى امرأة بائسة قررت الانتحار، أو حتى امرأة سيئة تؤذي كل من حولها، فتشغلها عنهم بك.. إذا كُنت مصرًّا على اختياري أنا.. لماذا لم تخترني إلا في هذه اللحظة! هذه اللحظة التي أصبحت فيها أُحب الحياة، هذه اللحظة التي أدركت فيها بأنّني أستحق السعادة، هذه اللحظة التي لي فيها بنات يلتصقن بي ولا يطقن ابتعادي عنهن لأكثر من بضع ساعات!

لماذا لم ترجع إلى الخلف قبل أن أُنجبهما، إلى تلك الفترة بالتحديد التي كرهتُ فيها الحياة..

إذا لم يعجبك التراجع إلى الوراء، لماذا لم تتقدّم إلى الأمام! إلى اللحظة التي أكون فيها كبيرة في السن ووحيدة، اللحظة التي تكون فيها بناتي في غنى عنّي، 

لم تختر إلا هذه اللحظة!

(أنت فعلاً خبيث!)

تركت الحديث إلى الورم، ووجهت حديثها إلى النهد نفسه:

(وأنت يا عزيزي، لم أعتقد أبدًا بأننا سنفترق في يوم من الأيام، كُنت أعتقد منذ بداية بزوغك عندما كُنت في الحادية عشرة من عُمري أننا سنعيش معًا كل العمر، وأننا حين نرحل سنرحل سويًّا، لكنّ الطبيبة قد أخبرتني قبل البارحة بأنّها ستنتزعك منّي بعد أسبوع، قالت بأنّه لا أمل من بقائك، لا أعلم ما هو الأمل الذي سيبقى لديّ من بعدك! لا أعلم كيف سيكون شعوري عندما أنظر كل يوم إلى الفراغ الذي سيظل هُنا! كيف سأعيش بوجود ذلك الفراغ! كيف!).

انهمرت الدموع من عينيها، وانهارت على الأرض، لم يعد بمقدورها أن تنظر مباشرةً إلى نهدها، لكنّها استمرت في الحديث إليه: (إذًا أنت ستسبقني، لن تنتظر يوم رحيلي الذي لا أعتقد بأنه بات بعيدًا، لماذا أنت مستعجلٌ هكذا يا عزيزي! هل أغضبتك بشيء! هل قصرت بحقّك في يوم من الأيّام! إن كان كذلك، فأنا أُريد أن أعتذر منك، أرجوك سامحني قبل أن ترحل! سامحني على كلّ مرة نظرتُ إليك فيها نظرة ازدراء بعد أن شاهدتُ ما أبدته إحدى المشهورات على التلفاز من نهدها، سامحني علي كلّ مرّة لبست فيها حمّالة صدر لا تُناسب حجمك، حشرتك داخلها ليبدو الفستان أجمل، سامحني لأنّي لم أستقبلك بحفاوة بداية ظهورك، وإنّما استقبلتك بخزي وعار، وحاولت بقسوة أن أطمرك، سامحني عندما صمت ذلك اليوم الذي مدّ إليك أحد الرجال يده في الشارع، ولم أُدافع عنك، كُنت أعلم حينها أنّ الدفاع لن يحميني، ففي مجتمعنا يا عزيزي أنت المتهم دومًا، أنت المحكوم عليه بسبعين حكمًا دون أن يكون لك ذنبٌ، يطلبون منّي باستمرار أن أُخفيك، ومهما وضعت عليك من طبقات الملابس تظل أعينهم تخترقها إليك.. 

سامحني…

سامحني لأنّني سأسمح للطبيبة أن تنتزعك منّي الأسبوع المقبل، والله هذا ليس قراري ولا هو بإرادتي، لكن لم يعد لي قرار أو إرادة..)

سمعت صوت طرقٍ على الباب الخارجي، وقفت مسرعةً، ارتدت جلابيتها، مسحت دموعها، كحلت عينيها، ولبست قناعًا للسعادة.

أرياف التميمي – الفائزة بالمركز الثالث في جائزة الربادي للقصة القصيرة (الدورة الثالثة).

   
 
إعلان

تعليقات