Accessibility links

حق الحصول على المعلومة – اليمن أنموذجًا


إعلان

عبدالباري طاهر*

تنص المادة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة، ودونما اعتبار للحدود (1).

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فتنص المادة 195 على: “لكلٍّ الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة” (2). لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس المعلومات والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى آخرين، دونما أي اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع، أو في قالب فني، أو بأي وسيلة أخرى يختارها.

تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود، ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:

أ‌-    لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.

ب‌-   لحماية الأمن القومي، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة.

وقد وقعت اليمن على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما صادقت على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وينص الدستور اليمني على المادة 6: “تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق جامعة الدول العربية، وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة (3).  

وتختلف الدول الديمقراطية في شكل التزامها الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة في ما يتعلق بضمان وحماية حرية الصحافة والتعبير، فهناك أولاً فئة من الدول تؤمن بمبدأ واحدية القانون، وبالتالي فهي تعد القانون الدولي الملزم (الاتفاقات والعهود الدولية) جزءًا من القانون الوطني، وتعطيه امتيازًا وسموًّا على غيره من القوانين الصادرة عن جهازها التشريعي المحلي في حالة وقوع تناقض. وهناك ثانيًا فئة من الدول تنظر للقانون الدولي على أنه مصدر عرفي لقانونها المحلي، وغالبية هذه الأخيرة تسمى دول القانون العام من حيث أن القانون الدولي يعين المقاييس المحترمة للحريات في الأمم المتحضرة، وهناك فئة ثالثة تعتبر القانون الدولي مرجعًا لتفسير القانون الوطني من جانب المحاكم الوطنية (4)، وحيث إن النظام في اليمن كما هو الحال في مصر يسير على هدى نظرية واحدية القانون، فإن النصوص ذات الصلة وخاصة نص المادة 19 من العهد الدولي لحقوق الإنسان يعد جزءًا لا يتجزأ من قانونها الوطني، وله سمو في التطبيق أمام المحاكم الوطنية على الأقل من الناحية النظرية والقانونية، ولكن من الناحية العملية، فإن الدولة لا تلتزم ولا تحترم التزامها بالعهود والإعلان والمواثيق الدولية التي أكدت في دستورها الالتزام بها، ولا تحول هذا الالتزام إلى بيئة تشريعية وقانونية. إنها عمليًّا، وعبر المحاكم الشرعية، لا تتقيد بالإعلان العالمي، ولا بالدستور؛ فالمحاكم الخاصة – محكمة الصحافة، على سبيل المثال، تعد خروجًا على القانون العام، وعلى الدستور اليمني الذي لا يجيز قيام محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال حسب المادة 147، وفي ما يتعلق بحرية أو حق الحصول على المعلومة؛ فإن المادة 41 تنص على “لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكفل الدولة حرية الفكر، والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون”، فهناك قصور من الدستور، أو بالأحرى نكوص عمّا أعلن الدستور نفسه بالالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وإذا ما عقدنا مقارنة بين المادة 19 من الإعلان العالمي والمادة 147 من الدستور اليمني، أو بين هذه المادة من الدستور والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فسنلاحظ البون الشاسع بين الدستور، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو العهد الدولي، خصوصًا في ما يتعلق بالحريات الصحفية بعامة، والحق في الحصول على المعلومة؛ فقد أهمل الدستور الإشارة إلى الحق في الحصول على المعلومة، وجاءت التشريعات اليمنية الكاثرة لتفرض قيودًا مشددة على الحق في الحصول على المعلومة، وعقوبات قاسية لنشرها تصل حد الإعدام، وسنناقش الأمر بالتفصيل.

أهمية المعلومة في عصرنا

تحتل المعلومة مكان الصدارة في أهم معنى من معاني حرية الرأي والتعبير، فلا معنى لحرية الرأي والتعبير، أو الحريات الصحفية بدون الحق في الحصول على المعلومة، بل إن المعلومة قد أصبحت أساسًا في التطورات العصرية المذهلة،؛ فهي ركن أساسي في المرحلة الثالثة، كما يسميها المفكر الأمريكي المستقبلي الفين توفلر، فهذه الثورة الثالثة قد نقلت البشرية من عالم الزراعة والصناعة إلى ثورة الاتصالات (5)، فالمعلومة أساس لارتياد الإنسان أفلاك السماء، وإدراك أسرار الكون، والهيمنة على كنوز الأرض وثرواتها، فهي القوة التي مكنت الإنسان من تحويل الكرة الأرضية إلى شاشة تأمل ومشاهدة وارتياد، فبالمعرفة وصل الإنسان العربي إلى الأندلس، وبالبوصلة وصل كولمبوس إلى الأرض الجديدة، وبهذه المعلومة يستطيع الإنسان الوصول إلى الأفلاك، وارتياد الفضاء والتأهب لبناء فنادق في الفضاء.

يشير الفين توفلر في كتابه (تحولات السلطة) إلى أن الثروة كانت في زمن سابق عنصرًا بسيطًا يملكها الإنسان أو لا يملكها. كانت صلبة وملموسة، ومن ثم كان من السهل إدراك أن الثروة تمنح السلطة والنفوذ، وأن السلطة تمنح الثروة أيضًا (6). احتلت قطاعات الخدمات والمعلومات مكانًا متناميًا في الاقتصاديات المتقدمة. أصبح الإنتاج نفسه يعتمد على المعلوماتية، وتتغير بالضرورة طبيعة الثروة، وما يزال المستثمرون في الفروع الصناعية المتخلفة يعتبرون الأصول الصلبة شيئًا ضروريًّا: منشآت، ومعدات، ومخزون، أما الذين يعملون في الفروع الأكثر تقدمًا، وذات النمو السريع، فيتخذون عناصر مختلفة تمامًا كأساس لاستثمارهم. إن الانتقال إلى الشكل الجديد من رأس المال جعل الأفكار المسبقة التي تستند إليها الأيديولوجية الماركسية والاقتصاد الكلاسيكي غير دقيقة، وقد تجاوزها الزمن؛ لأن كلاً منها يفترض طابعًا كميًّا محدودًا لرأس المال التقليدي، فعلى نقيض الأرض أو الآلات التي لا يستطيع سوى شخص واحد أو شركة واحدة استخدامها، فإن بإمكان العديد من المستخدمين الاستعانة بنفس الأفكار في آنٍ واحد، وإذا أحسنوا استغلالها، يمكنهم أن يولدوا مزيدًا من المعرفة؛ فالمعرفة بطبيعتها ليست قابلة للنضوب.

لقد أصبحت الحياة كلها مرتبطة بالمعلوماتية، فالصناعة من الإبرة إلى الصاروخ ترتبط بالمعلومة، كما أن الباحث الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لا يستقيم بحثه ودقة عمله بدون المعلومة الصحيحة. وهل يمكن الحديث عن تشخيص حالة المريض، ومن ثم معالجته بدون معرفة المرض؟ والمستثمرون وأصحاب المشاريع بحاجة دائمًا إلى دراسة الجدوى التي تقوم على معلومات دقيقة. إن (خروج العرب من التاريخ)، كما يؤكد الباحث فوزي منصور، مرده في جانب مهم إلى عدم احترام العلم، والانحياز للأمية بمعنييها: الأمي، والعلمي التقني، وإدارة الظهر لعصر المعلومات والمعرفة.

في كتابه (المعلوماتية بعد الإنترنت طريق المستقبل) يشير بيل جيتس إلى أن المعلومات سوف تحدد المستقبل، فسويسرا بلد عظيم بسبب كل تلك المعلومات التي يملكونها. هناك المعلومات أصبحت شيئًا مهمًّا بصورة متزايدة وثورة المعلومات لم تزل بعد في بداياتها (7).

إن الفارق الأكثر أساسية الذي سنلمسه في معلومات المستقبل، هو أن الأغلب الأعم منها سيكون رقميًّا، ولقد أصبح هناك بالفعل مكتسبات كاملة مطبوعة يتم مسحها، وتخزينها كبيانات إلكترونية على أقراص، أو على أقراص مدمجة بذاكرة قراءة فقط، وكذلك كثيرًا ما يتم الآن تنضيد الصحف والمجلات في شكل إلكتروني، ثم تطبع على الورق كوسيلة ملائمة للتوزيع، ويتم تخزين المعلومات الإلكترونية تخزينًا دائمًا، أو للفترة التي يريدها الشخص المعني في قواعد بيانات أجهزة الكمبيوتر. تلك البنوك العملاقة للبيانات الصحفية المتاحة دائمًا من خلال الخدمات مباشرة الاتصال بالكمبيوتر، كما تحول الصور الفوتوغرافية، والأفلام التسجيلية والتلفزيونية إلى معلومات رقمية (8).

ويتم كل عام استحداث طرائق أفضل لقياس كمية المعلومات واستقطارها في قدر مليونات من حزيمات البيانات البالغة الصغر، وما إن يتم تخزين المعلومات الرقيمة، فإن بإمكان أي شخص لديه كمبيوتر شخصي ومفتاح دخول أن يسترجع على الفور، وأن يقارن ويعيد صياغة تلك المعلومات (9).

يعلق الباحث فيصل دراج على مقولة ماركس في البيان الشيوعي: “ليس التاريخ الإنساني حتى أيامنا هذه إلا صراع طبقات”. ومع أن في القول جزءًا من الصحة، فقد فات الفيلسوف الشهير أن يقول أيضًا كان التاريخ الإنساني – ولا يزال – صراعًا بين الذين يملكون التقنية، وهؤلاء الذين لا يملكونها، فلم تحسم السياسة الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945، وما حسمها هو التقدم العلمي الذي ترجمته قنبلة ذرية (10).

في منتصف السبعينيات دارت معركة فكرية وسياسية وإعلامية تحديدًا بين بلدان عدم الانحياز والدول الاستعمارية، ففي حين دعت دول عدم الانحياز إلى نظام إعلامي جديد يحقق الحد الأدنى من التوازن والعدالة في التلقي الإعلامي، وتبنت اليونسكو مطلب بلدان العالم الثالث، وانتهت المعركة بانسحاب أمريكا من اليونسكو، حتى تمت إزاحة أحمد مختار أمبو – الأمين العام لليونسكو الذي تصدى للمواجهة في مطلب الإعلام الجديد. إن مفهوم نظام إعلامي جديد لم يأخذ مكانته على مستوى الحوار الدولي بكل ما تعنيه الكلمة إلا في بداية سنة 1976 بمناسبة الملتقى الذي نظِّم بتونس على صعيد خبراء دول عدم الانحياز، والمتعلق بمسائل الاتصال في الدول النامية، وهكذا، وبعد إدراك ظاهرة انعدام التوازن في ميدان الاتصال التي تنبهت لها قمة الجزائر لبلدان عدم الانحياز سنة 1973، ودور هذا القطاع في التنمية الاقتصادية – دعا الملتقى في إحدى توصياته إلى أنه من واجب بلدان عدم الانحياز تغيير الوضع المنحاز، وتحرير الإعلام، ووضع تصور لنظام إعلامي عالمي جديد (11).

ثم صادق وزراء الإعلام لبلدان عدم الانحياز بعد أربعة أشهر بمدينة دلهي الجديدة بالهند على استنتاجات ملتقى تونس قبل أن يتم دعمها أثناء قمة البلدان غير المنحازة في أغسطس 1976 بكولمو، حيث وضع رؤساء الدول المشكلة في إطارها الأساس، مؤكدين أن النظام العالمي للاتصال يتسم بنفس الأهمية التي يتسم بها النظام الاقتصادي العالمي (12).

لقد أكدت سنة 1976 أهمية الإعلام والاتصال على الصعيد الدولي، ومنذ ذلك الحين أصبح عمل اليونسكو يعتمد اتجاهًا جديدًا، فتبنى المؤتمر العام التاسع عشر المنعقد بنيروبي سنة 1976 برنامجًا يعطي الأولوية للتدابير الرامية إلى تقليص الفارق في ميدان الإعلام بين الدول المصنعة والدول النامية، وتحقيق رواج إعلامي عالمي بحرية وتوازن أكثر، وأقر نفس المؤتمر العام إنشاء لجنة دولية لمعالجة قضايا الاتصال. (13)، إلا أنه لم تبد أي إشارة بخصوص النظام الإعلامي العالمي الجديد، ولم تخصص له خلال تلك السنة أي توصية في توصيات اليونسكو والأمم المتحدة، وقد اعتبر العديد من الغربيين آنذاك أن التلويح بكلمة نظام إعلامي جديد يثير في أذهان الكثيرين مطامح هتلر الذي كان يسعى هو أيضًا إلى تجديد النظام الدولي (14).

في كتابه (العرب وعصر المعلومات) يشير الدكتور نبيل علي إلى أن أكثر المترادفات دلالة وشيوعًا:

–      مجتمع ما بعد الصناعة.

–      مجتمع ما بعد الحداثة.

–      مجتمع المعلومات.

–      الموجة الثالثة.

يمكن أن نضيف إلى هذه المترادفات الأربعة أخرى كثيرة مما يرد في الخطاب الفلكلوري والسياسي أحيانًا عند تناوله “لـلسيرة الشعبية” لتكنولوجيا الكمبيوتر والمعلومات، نذكر منها على سبيل المثال عصر الكمبيوتر، ثورة الإلكترونيات، انفجار المعلومات، ثورة المعلومات، ثورة العلم والتكنولوجيا، ثورة الاتصالات، عصر اقتصاد المعرفة (15).

دعنا نطرح دقة هذه المصطلحات جانبًا، ونغض الطرف حاليًّا عن مدى صدق ما تشير إليه أو تبشر به، لنخلص إلى المدلول الواضح الذي تؤكده، ألا وهو النقلة المجتمعية الحادة التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات. هذه التكنولوجيا الساحقة وليدة التلاقي الخصب للعديد من الروافد العلمية والتكنولوجيا والتي يتسنم قمتها ثالوث تكنولوجيا الكمبيوتر، ونظم الاتصالات، وهندسة التحكم التلقائي، وبينما تتعدد الآراء، وتتباين آراء الظاهرة العالمية وآثارها المرتقبة على المدى القريب والبعيد، إلا أنها تتفق جميعًا في أن تكنولوجيا المعلومات تختلف اختلافات جوهريًّا عن سوابقها، وأنها قد أصبحت بالفعل عاملاً حاسمًا في تحديد مصير عالمنا: دوله وأفراده (16).

يعتمد الباحث علي نبيل في كتابه (العرب وعصر المعلومات) ما يشبه المقارنة بين إسرائيل والبلاد العربية، فيصل إلى نتيجة مفجعة عن التفوق العلمي الإسرائيلي في التقنية التي تضعها في مقدمة صفوف الدول الكبرى. تترجح كفة إسرائيل في معظم مجالات المعلوماتية في الكمبيوتر، والاتصالات، والبرمجيات، ومختلف مجالات علوم العصر.

الحق في الحصول المعلومة

من الصعب إن لم يكن مستحيلاً الحديث عن حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة بدون التأكيد على الحق في الحصول على المعلومة، فالرأي الصائب والسديد لا يبنى إلا على المعلومة. ويشير محرر حرية الصحافة الأستاذ بهي الدين حسن إلى أن أهم محطات الحماية الإيجابية لحرية الصحافة والتعبير هو إقرار الحكومة وتسهيلها للحق في الحصول على المعلومة، وهو حق يستحيل مع غياب توظيف حق التعبير للمصلحة العامة، بل وتختنق مع غيابه حرية الراي والتعبير أصلاً (17).

يضيف النقطة الثانية والتي تمنع هذا التوازن بين السلطة، وممارسة الحرية هي حق الصحفي في الحصول على المعلومات، فالحكومات الآن تحتكر المعلومات في كثير من الأحيان، والمشكلة لدينا أنه ليس هناك أي تنظيم لحق الصحفي في الحصول على المعلومة (18).

وطالب بهي الدين وهو ناشط حقوق معروف بإلغاء كافة القوانين التي تفرض قيودًا على حرية الرأي وتداول المعلومة والنقد، ويقع عبء إثبات عدم صحة أي خبر منشور على النيابة العامة، أو على من يكذب الخبر، وليس على الصحفي الذي ينشر الخبر (19)، وهذا ما يعمل به في كل البلاد الديمقراطية على أساس أن الدولة عادة هي التي تملك الوثائق، وليس الصحفي، ودائمًا ما تطرح قضية التوازن بين حرية تدفق المعلومات، وحرية الحياة الخاصة، ومطلوب دراسة تنظيم النماذج الديمقراطية لهذا الشأن، على أن نفي مفهوم النظام العام المستخدم في الأدبيات الحديثة هو مفهوم مرن وواسع، ويلاحظ أن الأنظمة الاستبدادية أكثر ميلاً لفرض القيود على الحريات والحق في الحصول على المعلومة، كما يلاحظ انتقاد أجهزة البلدان المستبدة في احتكار المعلومة وبيعها وتسريبها أو إعطائها للموالين والمحاسيب، ويدعو صلاح الدين حافظ – الأمين العام السابق لاتحاد الصحفيين العرب – إلى تمتع سكان القرية الإلكترونية دون تفرقة بهذه المعلومات المتدفقة عبر وسائل الاتصال، بما يحقق التكافؤ في الاستفادة بوسائل الإعلام المتحررة من احتكار البعض لها، سواء كان ذلك البعض دولة بعينها، أو نخبة معينة، أو فئة مميزة؛ لأن حق الاتصال والحصول على المعلومات يجب أن يكون حقًّا للجميع دون تمييز بسبب الدين، أو اللغة، أو العنصر، أو الرأي، والموقف السياسي، والفكري، وبذلك تتحقق المشاركة الإيجابية، وإلا ظلت المعلومات تتدفق من أعلى إلى أسفل، من السلطة الحاكمة، إلى المحكومين، أو من الدول الأقوى للدول الأضعف، أو من الشعوب الصناعية الغنية للشعوب النامية الفقيرة (20).

إن حرية الكلام، وحرية الصحافة، وحرية الإعلام، وحرية التجمع، من الحريات السياسية لممارسة حقوق الإنسان، ويعد توسيع هذه الحريات المتعلقة بالاتصال بين الناس مبدأ من المبادئ التي تسود الآن عملية تحقيق الديمقراطية، ويعد الدفاع عن جميع حقوق الإنسان واجبًا من الواجبات الأساسية لوسائل الإعلام (21).

ويضيف: ينبغي تلبية احتياجات الاتصال في المجتمع الديمقراطي عن طريق التوسع في بعض الحقوق الخاصة مثل حق الحصول على المعلومات، والحق في إعطاء المعلومات، والحق في الحياة الخاصة، والحق في المشاركة في الاتصال (22).

وتحدد الدكتورة عواطف عبدالرحمن في كتابها (دراسات في الصحافة العربية المعاصرة) مطلب توفر الحد الأدنى من الحقوق الإعلامية والاتصالية للجماهير العربية، وترى أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال:

1- توفر وسائل الاتصال والمعلومات لجميع القوى دون تمييز بسبب الجنس واللغة أو الدين أو الانتماء السياسي.

2- تحقيق أكبر قدر من المشاركة الجماهيرية في عمليات الاتصال والإعلام، بحيث لا يقتصر دور الجماهير في التلقي والاستقبال السلبي للرسائل الإعلامية.

3- عدم احتكار صناعة القرارات الإعلامية بتركيزها في أيدي الفئات البيروقراطية من العاملين في حقل الإعلام.

4- إعادة النظر في كافة التشريعات الإعلامية السائدة في الوقت الراهن، والعمل على تنقيتها من كافة العوائق والقيود التي تعوق الإعلاميين، وتحول دونهم وممارسة حقوقهم المهنية من ناحية، والقيام بمسؤولياتهم تجاه شعوبهم ومهنتهم من ناحية أخرى (23).

في عمان نظم مركز حماية وحرية الصحفيين ورشة عمل قوانين الإعلام والإنترنت في العالم العربي 7- 8 تشرين أول 2010.

قدم المحامي الدكتور يونس عرب مبحثًا مهمًا عن (الإطار التنظيمي للإنترنت في الدول العربية والديمقراطيات الناشئة في آسيا الوسطى)، تحدث عن الحق في الوصول أو النفاذ إلى المعلومات (24).

“الحق في الحصول على المعلومة هو سند الشفافية، وضمانة المشاركة العامة، والرقابة الفاعلة على السلطة، وأداة حماية حق الرأي والتعبير والإعلام، وقد كرسه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وعدد كبير من المدونات الدولية، والدساتير الوطنية، فالحق في الحصول على المعلومات، كما يلحظ من نصوص هذه المدونات، وكما تقتضي طبيعته، يتصل على نحو وثيق بحقوق أخرى، كالحق في التعبير، والحق في الرأي، والحق في صحافة حرة، والحق في الإعلام؛ إذ بدون مكنة الوصول للمعلومات، ومكنة التماس المعرفة والاطلاع على ما يهم الشأن العام، والحق في تبين محتوى السجلات الحكومية والخاصة، لا يكون لهذه الحقوق أي معنى.

إن التدبير التشريعي المتعين إيجاده لضمان حق الوصول، أو النفاذ إلى المعلومات كأحد احتياجات تنظيم البيئة الرقمية يتعين أن يحقق الأهداف التالية:

– تكريس وإنفاذ الحق الدستوري المقرر في الوصول إلى المعلومات.

– تحديد منضبط لنطاق الاستثناءات المقررة على هذا الحق بصورة لا تتعارض مع الحق، وهي الاستثناءات التي توجبها الطبيعة السرية لبعض البيانات والوثائق.

– إحداث التوازن، وإزالة أي تناقض بين هذا الحق، وبين بقية حقوق الإنسان المقر بها والمعترف بها ضمن التزامات الدولة تجاه المجتمع الدولي وقواعدها الدستورية، وتحديد الحق في التعبير، والرأي، والمشاركة، والحق في الخصوصية.

– إنجاز وإنفاذ التزامات الدولة تجاه المجتمع الدولي بشأن تكريس حقوق الإنسان.

– تمكن تحقق الممارسة الفعلية والميسرة لهذا الحق بسرعة الوصول إلى المعلومات، وبأقل الكلف، وعلى قاعدة المساواة، والتبرير المشروع لقبول أو رفض هذا الحق.

– إنجاز وتحقيق الالتزام بالشفافية، وتكريس مسؤولية سائر الهيئات والأجهزة العامة وأجهزة القطاع الخاص بشأن هذا الالتزام.

– تعزيز الثقافة الوطنية بالحقوق والالتزامات، وتفهم الواجبات الوظيفية، وتعزيز المشاركة العامة، وتفعيل ممارسة حرية الرأي والتعبير، وبالتالي فإن الحد الأدنى لهذا التدبير التنظيمي انطواء قواعده على ضمان حق الأفراد والهيئات بالوصول إلى المعلومات الحكومية، والمعلومات، والسجلات، سواء في القطاع العام، أو الخاص، مع مراعاة الفوارق بينهما، وكذلك تنظيم عملية تصنيف هذه المعلومات، ومعايير وضبط هذا التصنيف، وتحديد نطاق الاستثناء، أو الحظر على المعلومات التي لا يتاح الوصول إليها، والأهم من ذلك إيجاد جهة محايدة مستقلة في الدولة لا تخضع لقرار الجهات الحكومية وغيرها للطلبات التي أجيزت إلى جانب الرقابة على عمليات التصنيف والحفظ التي تتيح سلامة الوصول للمعلومات؛ كي يناط بها الفصل في كل إجحاف بهذا الحق أو تعد عليه.

اليمن وسر صناعة القنبلة

أشرنا قبلاً أن الدستور اليمني قد أغفل عامدًا النص على الحق في الحصول على المعلومة، وتضمن القانون اليمني رقم 125 لسنة 1990 إقرارًا بهذا الحق، شأن القانون المصري والأردني، إلا أن هذا الحق قد حوصر بقيود وعوائق تعطل الحق إن لم تلغِه، كما أنها لا تتضمن مواد أو إجراءات جزائية ضد حجب المعلومة أو إخفائها، وبديهي أن الكلام عن حرية الرأي والتعبير والحريات الصحفية بدون الحق في الحصول على المعلومة، وتجريم حجبها بدلاً عن معاقبة الصحفي الذي يصل إليها بشق الأنفس هي محنة الصحافة والصحفي في اليمن.

وسوف أتناول محظورات النشر في القوانين اليمنية النافذة؛ ليستبين مدى استشعار المشرع خطورة المعلومات، واعتبارها خطرًا ساحقًا ماحقًا، وجريمة تصل عقوبتها إلى الإعدام.

 

المصادر

1- حقوق الإنسان مجموعة صكوك دولية ج1، ص 5.

2- المصدر السابق، ج 1، ص33.

3- الدستور اليمني، ص1.

4- حرية الصحافة من منظور حقوق الإنسان، تقديم محمد السيد سعيد، تحرير بهي الدين حسن، ص 12.

5- تحولات السلطة، الفين توفلر، ج1، ص82، و83.

6- المصدر السابق، ج1 ص 83، و84.

7- المعلومات بعد الإنترنت طريق المستقبل، بيل جيتس، ص 41، و42

8- المصدر السابق ص 42، و43.

9-  المصدر السابق، ص 43.

10- مبحث بعنوان الثقافة العربية والعولمة، فيصل دراج، ص 3.

11- النظام الإعلامي الجديد، د مصطفى الصمودي، عالم المعرفة، ص 22.

12-  المصدر السابق، ص 22.

13- المصدر السابق، ص22.

14- المصدر السابق، ص 22، و23.

15- العرب وعصر المعلومات، نبيل علي العرب، ص 13، و14

16- المصدر السابق، ص 14.

17- حرية الصحافة (مصدر سبق الإشارة إليه)، ص 19.

18- المصدر السابق، ص 45.

19- المصدر السابق، 67، و68.

20- أحزان الصحافة العربية، صلاح الدين حافظ، ص 177.

21- المصدر السابق، ص 177.

22- المصدر السابق، ص 177.

23- دراسات في الصحافة العربية المعاصرة، د عواطف عبد الرحمن، ص 42.

24- مبحث مقدم لورشة قوانين الإعلام في الأردن، د يونس عرب، ص 6.

* نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق.

   
 
إعلان

تعليقات