Accessibility links

إعلان
إعلان

جبارة

قبل أسبوع مضى، في حي تولسا بولاية أوكلاهوما، قتل «ستانلي فيرنون ميجورز» جاره الشاب خالد جبارة، البالغ من العمر 37 عاماً، عندما أطلق عليه الرصاص أمام مدخل منزله. وبالطبع، كانت هذه جريمة مروّعة، وكان من الممكن تفاديها. وقد شعرت بالحزن والغضب معاً عندما علمت بالتطورات التي أدت إلى هذه الجريمة، لأنه في حين لا يوجد شك في أن «ميجورز» هو من ضغط على الزناد، فقد كان هناك آخرون شاركوه بدرجات متباينة في هذه الجريمة العنيفة.

و«ميجورز» رجل مريض بالكراهية، تسبب خلال السنوات الأربع الماضية في كابوس لأسرة جبارة. وتظهر سجلات الشرطة أنه دأب على إزعاج وملاحقة وتهديد أفراد أسرة الضحية، ووصفهم بأنهم «عرب قذرون» و«لبنانيون بذيئون» و«أعراب». وأرسل رسائل بريد إلكتروني تنطوي على تهديدات، إضافة إلى التهديدات اللفظية باستخدام العنف.

وطلبت الولاية احتجاز «ميجورز» من دون إمكانية إطلاق سراحه بعد دفع كفالة، ولكن القاضي حدد كفالة بقيمة 60 ألف دولار. وفي نهاية مايو الماضي، دفع «ميجورز» الكفالة وأطلق سراحه، ومرة أخرى عاد إلى سكنه بجوار أسرة «جبارة».وفي مناسبتين منفصلتين، حصل خالد ووالدته هيفاء، على أمري تقييد يحظران أي اتصال من «ميجورز». وفي مايو 2015، حسب سجلات الشرطة، وجّه «ميجورز» السباب إلى هيفاء، مهدداً إياها بالقتل، قبل أن يصدمها وهو في حالة سكر بسيارته في 12 سبتمبر 2015، بينما كانت تتريض، وتركها مكسورة مضرجة بدمائها على قارعة الطريق، وفرّ من مكان الحادث. وألقي القبض عليه لاحقاً ووجّهت إليه تهم التعدي والصدم والضرب والهرب، والقيادة تحت تأثير الكحول، وانتهاك أمر من المحكمة بعدم الاقتراب.

وظهر أمام نافذة منزل «جبارة» يوم الحادث، ولوح ببندقية، وأطلق التهديدات. وتم الاتصال بالشرطة، وعندما وصلوا وطرقوا باب «ميجورز»، ولم يرد، أخبروا خالد بأنه لا يمكنهم فعل شيء. وبعد 8 دقائق من مغادرة أفراد الشرطة، خرج خالد من منزله ليتفقد بريده، ولكنه وجد «ميجورز» أمام صندوقه، وأطلق أربع طلقات صوب خالد.

وكلما قرأت رواية لهذه القصة، أشعر بسلسلة من المشاعر المتضاربة، فأنا مفجوع بسبب مقتل شاب كل ذنبه أنه إنسان عربي يعيش بجوار شخص مريض بالكراهية. وأشعر بالألم بسبب خسارة أسرة «جبارة» وكابوس الخوف، الذي اضطروا لتحمله على مدار السنوات الماضية.

وينتابني الغضب أيضاً بسبب إخفاق نظام العدالة الجنائي، في كافة مستوياته، لسماحه باستمرار هذا الكابوس ونتيجة الإهمال الذي جعله ينتهي بهذه الطريقة المأساوية.

وقد كان «ميجورز» مجرماً عنيفاً. وفي عام 2012، بينما كان يعيش في ولاية كاليفورنيا، تم اتهامه بتهديدات وتعديات جنائية بأسلحة قاتلة. وكان السلوك الذي أظهره تجاه أسرة «جبارة»، عقب انتقاله إلى «تولسا»، انتهاكاً صريحاً لشروط إطلاق سراحه. ولذا، فإن عدم تحرك قسم الشرطة مبكراً، للتعامل مع المجرم العنيف والخطير أمر محيّر لا يمكن تبريره. ولا يمكن أيضاً تفسير تلك الكفالة الضئيلة التي تم تحديدها لإطلاق سراح شخص بهذه الخطورة والسجل الإجرامي. وأما حقيقة أنه قد تمكن من شراء سلاح، وأن الشرطة ردت على بلاغ بأنه يصوبه بصورة تنطوي على تهديد بقولهم: «لا شيء يمكن فعله»، فهذا شيء يثير الجنون.

أضف إلى ذلك كله، غضبي من حقيقة تقليل السلطات من شأن إظهار القاتل عداء خبيثاً ضد العرب، واعتباره على أنه حادث عرضي. وحتى ذلك اليوم، كانوا يشيرون إلى حادث القتل على أنه نتيجة «نزاع بين الجيران».

ودعونا نتخيل أن ذلك الموقف كان معكوساً وأن «ميجورز» كان أميركياً من أصول عربية أو أفريقية، وأن أسرة «جبارة» من الأميركيين البيض، لو كان ذلك لتم التعامل بطريقة مختلفة مع ظهور أول بوادر الكراهية، ولتمت إعادة «ميجورز» إلى كاليفورنيا بسبب مخالفات شروط إطلاق سراحه، ولأصدر القاضي أمراً وقائياً ضده. وسائق السيارة تحت تأثير الكحول الذي هدد بقتل جارته، ثم كاد يفعل ذلك عندما صدمها وهرب، كان ينبغي أن يقبع في السجن من دون إمكانية إطلاق سراحه بكفالة. وبعد أن تم الإبلاغ عن تلويحه ببندقية، كان على الشرطة أن تكسر بابه بحثاً عنه، مع توفير الحماية لهذه الأسرة المكلومة. وبالطبع كان دونالد ترامب سيستغل هذا الحادث، محدثاً جلبة بشأن نظام الهجرة الأميركي المترهل، وتدليلنا لـ«المجرمين» العرب أو السود، ولكن لأن الضحايا كانوا من أسرة عربية لبنانية مهاجرة، فقد ترك الوضع ليتفاقم!

ومن المؤكد أنه لا شيء سيعيد خالد إلى الحياة، ولا شيء يمكن أن يخفف ألم الخسارة التي تكبدتها أسرة «جبارة». وربما يدفع «ميجورز» ثمن جريمته. ولكن ذلك لن يكون كافياً، ولابد أن تكون هناك محاسبة في «تولسا» على إهمال السلطات. ويجب أن نتعاون سوياً كدولة للمطالبة بعدم التسامح مع هؤلاء الذين يغذون الكراهية التي تدفع عقولاً مريضة لارتكاب جرائم قتل.

   
 
إعلان

تعليقات