Accessibility links

تعرض للركود مؤخرًا.. سوق العقار في اليمن: قراءة في أبعاد المشكلة


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – محمد الصباحي

يمر العقار دوريًّا بأربع مراحل هي الانتعاش ثم التوسع ثم العرض المتسارع ثم الركود، وهذه المراحل تعتمد على نوعية الاقتصاد في أي بلد.

اليمن يعاني هذه الفترة كسادًا كبيرًا في بيع وشراء العقارات تجارية كانت أم سكنية من أرض ومنازل ومحلات تجارية وعقارات أخرى مقابل ارتفاع في أسعار الإيجارات.

عبدالفتاح الشميري أمضى 18 سنة في الغربة، وجمع ما استطاع من مال، بالإضافة إلى مبلغ التعويض الذي حصل عليه جراء إصابة عمل تعرض لها.. يقول لـ “اليمني الأميركي”: عدتُ إلى اليمن وأنا أحمل إعاقة، فكان المال أنسب للاستثمار، وقد راق لي سوق العقارات فوجدته مكانًا آمنًا.

يبيّن الشميري سبب استثماره خلال هذه الفترة، التي تعاني ركودًا وانخفاضًا في قيمة العقار عمّا كان عليه قبل عامين، والذي شهد ارتفاعًا جنونيًّا، قائلاً: انخفض سعر الأراضي، فاشتريت خمس لبن (اللبنة في صنعاء 44,44 متر) بسعر مليون ومائتي ألف ريال يمني. 

جمال حسن (50 سنة) يعمل وكيلاً لأحد أقربائه المغتربين في السعودية.. يقول لـ”اليمني الأميركي”: “أصبح النشاط التجاري في العقار هذه الفترة هو المشروع الأمثل في نظر البعض.. كانت التحويلات تأتي بدفعات كبيرة من ابن عمي، واستطعنا شراء بعض المحلات التجارية بسعر معقول بعدما كانت بأسعار مرتفعة، لكن الأمر يبقى مقتصرًا على بعض العقارات”.

يقابل ركود شراء العقارات في اليمن موجة مستمرة في ارتفاع أسعار الإيجارات، لدرجة أن أكثر البيوت التي كانت مهملة وغير صالحة للسكن رُممت وأعيد إصلاحها، ويطالب مالكوها بإيجارات خيالية.

الإيجارات

أبو علي، أحد مالكي عقار سكني (3 غرف، صالة، مطبخ) يقع في أحد الأحياء ذات الكثافة السكانية بصنعاء.. يوضح لـ”اليمني الأميركي”: زاد الطلب على السكن نتيجة تزايد النازحين مما جعلنا نرفع من قيمة الإيجار ليصل إلى 80 ألفًا (150 دولارًا)؛ لأن العملة المحلية تراجعت قيمتها، ولم نعد قادرين أن نعيش بأسعار الإيجارات التي كانت قبل الحرب”.

ملاطف فايز، سمسار عقارات، يقول: “أصحاب البيوت أصيبوا بحالة من الجنون.. هل يعقل أن شقة مكونة من (غرفتين، حمام، مطبخ) يصل إيجارها إلى 70  و80 ألف ريال يمني.. شيء لا يصدَّق..!! وإيجار دكان للسكن (3×4 أمتار) يصل إيجاره إلى 35 ألف ريال، أما المحلات التجارية فقد تصل إلى200  ألف، قابلة للزيادة حسب الموقع، خاصة في الشوارع الرئيسية، ويختلف المبلغ من مكان إلى آخر فبعض الأماكن يطلب الملاك الإيجار بالدولار”.

كما يضع صاحب العين المؤجرة شروطًا على المستأجر، يراها الكثيرون تعجيزية، منها دفع إيجارات شهرية مقدمًا، وإحضار ضمانات حضورية، والتعهد بالكثير من الإصلاحات بعد ترك العين المؤجرة.

أسعار العقار

أسعار الأراضي ما قبل السنوات الثلاث الأخيرة شهدت ارتفاعًا كبيرًا مع بقاء حركة البيع والشراء مرتفعة، وشهدت إقبالًا كبيرًا، حيث وصل سعر اللبنة في صنعاء (44,44 متر) إلى أكثر من 15 مليون ريال يمني في بعض المناطق، وكل مكان له سعر، لكن هذه الأسعار تراجعت نسبيًّا في العامين الأخيرين نتيجة تعقيد إجراءات البيع والتوثيق الرسمي وتزايد الرسوم المفروضة.

ومع تراجع حركة البيع والشراء مع الانخفاض الملحوظ، مؤخرًا، وصلت قيمة اللبنة في جنوب صنعاء (شمال اليمن) إلى مليون ومائتي ألف ريال يمني. 

عبدالفتاح الشميري يتحدث عن ذلك قائلاً: “اشتريت أرضًا بمساحة خمس لبن في دار سلم (جنوب صنعاء) قبل ثلاث سنوات بسعر مليونين وخمسمائة ألف للبنة، بينما اليوم سعر اللبنة مليون ومائة ألف ريال يمني”.

الشقق السكنية

الشقق السكنية الجاهزة في صنعاء أصبحت مطلبًا للكثير ممن لديه سيولة مالية متوفرة، أو ممن اضطر لبيع عقار آخر هروبًا من البناء وتكاليف التشييد، لكنها لم تشهد انخفاضًا كبيرًا في قيمتها مثل الأراضي والبيوت والمحلات التجارية مقابل استمرار ارتفاع أسعار إيجارات المحلات والمنازل والشقق.

بلغ إجمالي عدد النازحين في عموم اليمن أربعة ملايين ومائتي ألف نازح حسب الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، وكانت أكثر المناطق نزوحًا هي تلك القريبة من المعسكرات والمواجهات المباشرة بين أطراف الصراع في اليمن لتصل أسعار العقارات فيها إلى أدنى انخفاض في قيمتها السعرية.

محمد النقيب (55 سنة)، ضابط متقاعد أجبرته الحرب على فتح مكتب للعقارات في أحد محلات منزله، يقول: تحول مكتبي العقاري إلى مكان للمسامرة ومضغ القات.. لقد تراجعت حركة البيع والشراء للعقارات.

التوثيق

إجراءات تحرير وثائق عملية البيع والشراء لجميع العقارات من أراضٍ ومنازل ومحلات، يراها البعض من أسباب حالة الكساد خلال الآونة الأخيرة.

حسن مَوفعة، أحد أمناء تحرير العقود، ومنها البيع والشراء، يقول: “منذ سنتين وحركة البيع والشراء تراجعت كثيرًا، وإجراءات التوثيق لدى الجهات الرسمية تأخذ وقتًا طويلاً، وهي مزعجة لأصحابها”.

قانون التوثيق اليمني رقم (7) لعام 2010، تم تطبيق لائحته التنفيذية منذ العام 2019 لتشمل إجراءات متعلقة بعقود البيع والشراء لمختلف العقارات وشروط قبول الأمناء ومنحهم تراخيص مزاولة العمل، غير أن إجراءات التشديد على اختيار أمناء شرعيين في الآونة الأخيرة من قِبل وزارة العدل كان لها مبرر.

أحمد القبلاني، مدير عام التوثيق بوزارة العدل، يشرح: “استطعنا ضبط 950 شخصًا منتحلًا لوظيفة الأمين، فتم إيداعهم السجن لقيامهم بعمليات تزوير وثائق بغرض التكسب من بيع وشراء العقارات”.

ويضيف القبلاني: ما نقوم به من إجراءات هي عملية تنظيمية بحتة تخدم التوثيق وحفظ الحقوق وعدم ضياعها بين أيدي العابثين.

 

رؤية  

يشير الكاتب والخبير الاقتصادي، رشيد الحداد، إلى أن الركود الحاد الذي يعاني منه قطاع العقارات في اليمن… تجلى بوضوح خلال الأشهر الماضية للعام 2023.

وقال، في تصريح لصحيفة (اليمني الأميركي): هذا القطاع شهد حراكًا غير مسبوق نتيجة مخاوف الناس من تراجع سعر العملة في مختلف المحافظات اليمنية، وخاصة في بداية الحرب، وكذلك الحصار، وفرض المزيد من القيود على القطاع المصرفي اليمني، بالإضافة إلى انكماش الوضع الاقتصادي بالكامل، حيث اتجه الناس نحو الاستثمار في القطاع العقاري، لتأمين الأموال.

لكن ماذا حدث لاحقًا؟

يقول الحداد: الذي حدث مؤخرًا أن هناك تراجعًا في السيولة النقدية، بسبب تراجع معدلات دخل الأسرة اليمنية، جراء توقف صرف المرتبات، وعدم وجود حلول سياسية، وجراء استمرار الانقسام النقدي والمالي بين صنعاء وعدن، وكذلك تراجع ربما بشكل كبير، ما يتعلق بالمدخرات عند المواطنين.

واستطرد: “الأزمة طالت بشكل كبير، فهناك تراجع كبير جدًّا في القدرة الشرائية للمواطنين، هذه القدرة الشرائية هي أحد أهم العوامل التي أدت إلى تراجع الحركة العمرانية أو تراجع الإقبال على قطاع العقارات اليمنية.. من جانب آخر حتى على مستوى المغتربين اليمنيين، لعبوا دورًا كبيرًا جدًّا في هذا الجانب”.

تنقسم العقارات في اليمن إلى سكني وتجاري، وغالبًا ما يكون العقار التجاري أغلى سعرًا، أما عقارات الوقف التي وهبها أصحابها للأجر والثواب، فليس عليها طلب كبير، عكس العقار الحُر الذي يمكن الاستفادة منه في البيع والشراء، ولا يترتب عليه إيجار دائم.

   
 
إعلان

تعليقات