Accessibility links

إعلان
إعلان

بلقيس محمد علوان*

كثيرون لا يعرفون عن الهرمونات وتأثيراتها إلا معلومات مشوشة، أو ناقصة، ويعتبرونها تقف وراء التقلبات المزاجية للمرأة، كما تتحكم في سلوكياتها وردود أفعالها، وأصبحت كلمة الهرمونات، أو عبارات مثل: هذا عمل الهرمونات، أو الهرمونات اشتغلت تفسيرًا لعصبية أو حدة أو تقلب مزاج المرأة، دون النظر للمسببات الأكثر تأثيرًا، ودون معرفة أن للهرمونات تأثيرًا على سلوكيات وانفعالات الرجال والنساء، ولكنها لدى النساء أكثر وضوحًا لارتباطها بخصوصية المرأة البيولوجية وتكوينها كأنثى على عاتقها عبء الحمل والولادة والرضاعة، وتتفاوت التأثيرات، منها ما تمر بها المرأة بسلام، ومنها ما تتسبب لها في تعقيدات وإرباك لحياتها، وخصوصًا مع عدم تفهم ووعي من حولها.

تعتبر الهرمونات أحد العوامل الحيوية التي تؤثر على حياة البشر بشكل عام، وهي مواد كيميائية تنتجها الغدد الصماء في الجسم، وتقوم بدورٍ بارزٍ في تنظيم العمليات الحيوية في الجسم مثل النمو والتطور، والهضم والنوم والحساسية ونظام المناعة، كما ترتبط الهرمونات بشكل وثيق بالعواطف والمزاج، حيث يمكن أن تؤثر على مستويات السعادة والحزن والقلق والرغبة الجنسية بالنسبة للذكور والإناث عمومًا، والدورة الشهرية والحمل والولادة والاستجابة العاطفية بالنسبة للإناث، ويحاول هذا المقال استعراض أهمية الهرمونات وتأثيرها على حياة البشر عمومًا، والنساء على وجه الخصوص، وكيف يمكن للمجتمع فهم هذا التأثير بشكل متوازن ومناسب، وبالتالي التصرف حياله بحيث يوفر بيئة داعمة للصحة العقلية والعاطفية للبشر ذكورًا وإناثًا.

نحن بحاجة لمعرفة أن تأثير الهرمونات يتجاوز الجوانب البيولوجية، إذ تؤثر أيضًا على السلوكيات والانفعالات، وقد ترتبط بعض الهرمونات بالعنف والعدوانية، في حين ترتبط الأخرى بالمزاج والاستجابة للمواقف الاجتماعية: نوبات البكاء، الاكتئاب والحساسية الزائدة، القلق واضطرابات النوم، كلها أعراض قد تقف الهرمونات وراءها، ومع ذلك يجب علينا أن نتجنب التهوين أو التهويل من تأثيرات الهرمونات على السلوكيات الإنسانية، فالإنسان مخلوق معقد يتأثر بعوامل متعددة، ويعيش تحت مؤثرات كثيرة منها ما هو اقتصادي أو سياسي أو صحي أو اجتماعي، بما في ذلك التربية والثقافة والبيئة المحيطة به، وضغوط العمل والحياة، لذلك ينبغي علينا أن ننظر إلى الهرمونات كجزء من نظام أوسع، وأن نقدر التفاعل المعقد بين العوامل المختلفة، ولا نغفل عوامل ومؤثرات لها الدور الأكبر في السلوكيات والانفعالات، ونتخفى وراء تعبير أن المسبب لها الهرمونات، وبدلًا من هذا التسطيح والتنصل عن مسؤولياتنا من المفترض أن نبحث عما وراء هذا السلوك أو ذاك الانفعال.

والمعرفة أكثر وأكثر حول الهرمونات تعتبر أمرًا حاسمًا لتحقيق فهمٍ متوازنٍ لخصوصية البشر، ويجب أن يكون المجتمع مستعدًّا لتوفير المعرفة العلمية والتوجيه السليم للأفراد، بحيث يتعرفوا على دور الهرمونات وتأثيرها، ولكن بدون الوقوع في تصنيفات وتعميمات ضيقة، وينبغي أن يتم تشجيع النقاش المفتوح والمستنير حول الهرمونات، وأن يتم توفير الدعم النفسي والعاطفي للأفراد الذين يواجهون تحديات صحية أو نفسية تتعلق بالهرمونات، وهذا يمكننا من بناء مجتمع يساهم في صحة وسعادة أفراده.

وعلى سبيل المثال الحساسية الزائدة في التعامل مع المواقف والخلافات التي قد تحدث ليست بنفس القدر في كل حالات المرأة، كما ليست بنفس القدر لدى كل النساء، وأتذكر هنا حالة طلاق حدثت على مائدة طعام الغداء لأسرة أعرفها: حوار عادي بين الزوج والزوجة الحامل، تطور إلى عناد، وإصرار من كل طرف، حلف الزوج بالطلاق، وأصرت الزوجة على موقفها، ووقع الطلاق، ومن على مائدة الطعام غادرت إلى بيت أهلها، ولست هنا للتحدث في الجانب الفقهي وهل يقع طلاق الحامل أم لا وهل تغادر منزلها أم لا، ولكن لأورد مثالًا على أن مثل هذا الموقف لو قوبل بالتفهم والوعي من الزوج بأن الزوجة في حالة استثنائية كان من الممكن تجنب الوصول إلى الطلاق، ومثل هذا يحدث في مواقف وحالات أخرى سواء في حالة الحمل أو فترات الدورة الشهرية، أو خلال مرحلة انقطاعها، حيث ترتفع حساسية المرأة فضلاً عمّا تعانيه من أعراض مختلفة بحسب كل حالة، وبلا شك هناك تفاعل بين تغيرات الهرمونات وديناميكية العلاقات الأسرية والتوترات المحتملة في المنزل، ولا شك بأن الدعم العاطفي والتفهم من قِبل أفراد الأسرة يمكن أن يكونا عاملين مهمين في التعامل مع التغيرات المزاجية، واحتواء حدتها، أما بالنسبة لبيئة العمل فالعوامل الأكثر تأثيرًا من تأثير الهرمونات هي: ضغوط العمل، التوترات اليومية، وتحديات الحياة المهنية، حتى لا يكون ذلك ذريعة للبعض في التفسير والتأويل، والخوض في أهلية المرأة أو عدم أهليتها.

وعمومًا من المعروف أن الهرمونات تمتلك تأثيرًا كبيرًا على صحة العقل والعواطف بالنسبة للبشر ذكورًا وإناثًا، فمثلاً هناك ارتباط وثيق بين الهرمونات وبعض الاضطرابات مثل الاكتئاب والقلق، يمكن أن تتسبب التغيرات في مستويات الهرمونات في تدهور المزاج وزيادة القلق، مما يؤثر على جودة الحياة النفسية للأفراد، ومع ذلك يجب أن نفهم أن الهرمونات ليست السبب الوحيد لحدوث هذه الاضطرابات، وأن هناك عوامل أخرى مشتركة يجب مراعاتها، وبالإضافة إلى الصحة العقلية، تؤثر الهرمونات أيضًا على السلوك الاجتماعي والتفاعلات الاجتماعية، ومن المهم أن نعمل على زيادة الوعي والتثقيف حول الهرمونات وتأثيرها في حياة البشر.

ينبغي أن يكون هناك جهود مستمرة لتوفير المعلومات العلمية الموثوقة حول الهرمونات، وذلك من خلال وسائل الإعلام والتعليم والمجتمعات المحلية، ويمكن أن تساهم التوعية الجيدة في تحقيق فهم متوازن وشامل للتأثيرات الهرمونية، والحديث هنا حول ما هو في الإطار الطبيعي المعتاد والمعاش، وما هو مرَضيّ فبالتأكيد لا بد من اللجوء لطلب المساعدة الطبية والتشخيص الصحيح باتجاه الاحتواء والعلاج.

* أكاديمية وكاتبة يمنية. 

   
 
إعلان

تعليقات