Accessibility links

إعلان

عبدالباري طاهر*

يحتفي اليمنيون بالذكرى الـ 57 لثورة حرب التحرير الوطني، فبعد مضي أكثر من نصف قرن على ثاني حركة تحرُّر وطني في العالم العربي، تبرُز بِضع أسئلة: ما هي القضايا المعاشة في جنوب اليمن، وما هي الحالة الراهنة في اليمن؟، والسؤال الأكثر إلحاحًا الذي تطرحه مسيرة هذه الثورة المجيدة: ما هي الحالة الراهنة في الجنوب (موطن ثورة الرابع عشر من أكتوبر 63)؟

وجود صراع دامٍ ومرير بين الشرعية والانتقالي في المستوى الأول، وحرب في مستوى آخر بين الشرعية والانتقالي من جهة، وبين “أنصار الله” (الحوثيين) من جهة أخرى، هو المظهر المعلَن للصراع، ولكن داخل الصراع المعلَن صراعات غير معلَنة بين جهات ومناطق واتجاهات سياسية وعقدية مختلفة تمتد إلى الماضي الكالح من تجربة الثورة، وعجز قيادة الثورة جلّها في الجنوب، كما في الشمال، وكذلك في المنطقة العربية عن إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، والانغماس في الصراعات الداخلية على حساب التنمية والبناء والتحديث، وتغييب الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الاعتقاد، وحرية الرأي والتعبير (الحريات الصحفية)، ومن باب أولى الاستنقاع في الشرعية الثورية حتى بعد تآكل الثورة، وغياب الشرعية.

لا يُمكِن إلقاء التبعة كلها على الرجعية ومكائد الاستعمار، فدورهما في الحرب المعلَنة والخفية ضد الثورة قوي وجلِيّ، ولكن الخلل الداخلي، والقصور الذاتي، والممارسات الفاجعة، وشهوة التفرد، وقمع المُعارِض، سبب أساس في انتكاسات الثورات العربية، واليمن بشطريها في الطليعة، وثورة الـ 14 من أكتوبر ليست الاستثناء.

مقولة المفكّر الإسلامي مالك بن نبي عن “قابلية الاستعمار”  هنا صائبة ومهمة، وهي تشبه إلى حدٍّ بعيد قابلية الجسم للداء؛ فالأنظمة العربية التي تأسست عقب الحربين الكونيتين كانت من طينة التركيبة المجتمعية القبائلية والعشائرية والطوائفية في الغالب الأعم، بل حملت وزكّت أسوأ ما فيها.

ثورة الـ 14 من أكتوبر 63 حققت الاستقلال الوطني بالكفاح المسلح في الـ 30 من نوفمبر 67، وكانت الردّ الوطني والقومي على الإذلال الاستعماري طوال ما يقرب من قرن وثلث قرن، وفي نفس الوقت – أيضًا – كانت ردًّا قوميًّا على هزيمة 67، وتصبُّ في مجرى الثورة اليمنية: (سبتمبر، وأكتوبر) ضد الرجعية، والاستعمار.

تزامن كسر الحصار عن صنعاء، وتحرر الجنوب حيث لا يفصل بينهما غير بضعة أسابيع هو تعبير عميق عن تلازم مسار الثورتين: (سبتمبر 62، وأكتوبر 63).

استيلاء القوى الرجعية على الحكم في صنعاء في انقلاب الـ 5 من نوفمبر 67 وضَع الشمال والجنوب في المواجهة؛ فالصراع الدامي بين الشمال والجنوب، وداخل كلّ شطر على حِدَة كان كعب أخيل في تجربة الثورة اليمنية لثورة الرابع عشر من أكتوبر.

لا تُنكَر الجوانب الإيجابية لثورة الـ 14 من أكتوبر التي وحدت 22 سلطنة ومشيخة، كما لا يُنكَر دور حكومة الثورة في نهج محو الأمية التي نافست بها العراق والكويت وفلسطين رغم شح الإمكانيات، إضافة إلى بناء اقتصاد قطاع عام، ومؤسسات إنتاجية، وإنشاء بعض المصانع والمزارع المحدودة التي دمرها الغزو الهمجي لجيش صالح وأمنه، والتيارات الإسلاموية والإرهابية التي اجتاحت الجنوب في حرب 94، ودمرت ما تبقى من إنجازات الرابع عشر من أكتوبر، والأخطر تدمير الروابط الأخوية، والنسيج المجتمعي بين أبناء الشعب الواحد، وتلك الحرب مساءلة عن الحالة التي نعيشها اليوم؛ فالحرب لا تلد إلا حروبًا، حكمة أدركها الشاعر الجاهلي، والمليشيات المتحاربة هنا وهناك تريدُ وتعمل على الارتداد باليمن شمالًا وجنوبًا إلى ما قبل الوطنية وعصر الدولة، وتلقى الدعم والمساندة بتدخل مباشر من الصراع الإقليمي والدولي.

نهج الإقصاء، والصراعات الداخلية، وبالأخص 13 يناير، وحروب الشطرين: 72، و79، وحرب 94 ضد الوحدة، واجتياح قوات صالح و”أنصار الله” (الحوثيين) للجنوب 2014، كلها مساءلة عن الوضع الكارثي الذي يعيشه الجنوب.

التدخل العدواني الإماراتي السعودي لا غاية له غير تفكيك الجنوب، ونهب ثرواته، والاستيلاء على الجزر والموانئ، وما يجري في سوقطرة والمهرة وحضرموت شواهد الأهداف الخبيثة، وإسرائيل وأمريكا وبريطانيا ليست بالبعيدة.

 

استيلاء القوى الرجعية على الحُكم في صنعاء في انقلاب الـ 5 من نوفمبر 67 وضَع الشمال والجنوب في المواجهة؛ فالصراع الدامي بين الشمال والجنوب، وداخل كلّ شطر على حِدَة كان كعب أخيل في تجربة الثورة اليمنية لثورة الرابع عشر من أكتوبر

 

إعادة الاعتبار للجنوب، كل الجنوب، ولحركة التحرر الوطني – ثورة الـ 14 من أكتوبر محققة الاستقلال، ولليمن كلها – مرهون بإيقاف الحرب، والتصالح الوطني والمجتمعي، والابتعاد عن الصراع الإقليمي المكرّس لتمرير التطبيع، وصفقة القرن، وتحويل الصراع العربي – الإسرائيلي إلى صراع عربي – إيراني ذي بُعْد طوائفي وقومي شوفيني.

خلْق تصالح مجتمعي ووطني جنوبي لألوان الطيف المجتمعي الجنوبي، وشمالي شمالي، خطوة أساسية لحوار وتصالح يمني – يمني، وعدم الانسياق لمخططات القوى الإقليمية في إيران والرياض وأبو ظبي هو الأساس.

صحيح أنّ هذه القوى لا مصلحة لها في إيقاف الحرب شأن قادة المليشيات المستفيدة من الحرب، ولكن الرهان الحقيقي على الإرادة الشعبية العامة، والمستقلين، والشباب، والمرأة، والمجتمَعَين: المدني، والأهلي.

الشعب اليمني في الشمال والجنوب ضحية الحرب الإجرامية عِلّة العِلل كلها.

عجز ثورة الرابع عشر من أكتوبر عن إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية شأن شقيقتها سبتمبر، كما هو الحال – أيضًا – في الثورات القومية العربية، والإصرار على فرض تأبيد الشرعية الثورية البائدة، وحمايتها بالاحتكام إلى العنف، والصراعات الداخلية، والحروب البينية، هو جوهر القصة كلها.

النكوص عن بناء الدولة اليمنية الاتحادية الديمقراطية الموعودة، والاتكاء على الصراعات والحروب وقمع الحريات هو السبب الرائس في ما وصلنا إليه.

الهبّة الحضرمية 1995، ونزول المحتجين السلميين في 1997 في شوارع عدن كانت بداية ثورة الربيع العربي قبل الربيع العربي، وقد امتدت لاحقًا إلى صنعاء وتعز والمدن اليمنية وأريافها.

الاحتجاجات السّلمية جرى الالتفاف عليها في الجنوب باجتياح قوات صالح و”أنصار الله” للجنوب، وأدى إلى تحويلها إلى حراك مسلح انفصالي مدعوم من التدخل السعودي الإماراتي، والمسار في صنعاء غير مختلف عن عدن؛ فانقلاب علي محسن وعيال الأحمر والتجمع اليمني للإصلاح مساءل عن العودة إلى صراع الغلَبة والقوة، والتعجيل بانقلاب صالح و”أنصار الله” (الحوثيين)، وليس من مخرَج أمام عدن وصنعاء غير طريق ثورة الربيع العربي، والعودة للاحتجاجات السلمية، وهو ما يجري في الجزائر ولبنان والعراق وفلسطين المحتلة.

نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق

   
 
إعلان

تعليقات