Accessibility links

العيش بهذه الطريقة لا يبني بلدًا حتى ولو من صلصال 


إعلان

فكري قاسم*
يبدو حال اليمنيين صعبًا للغاية.

 شعب بأكمله كل واحد ينام ويصحو وهو منشغل كيف يطيّر بالذي جنبه.. هي ثقافة نحن عليها منذ الصغر.

الآباء، ظنًّا منهم أنها طريقة جيدة للتربية، شحنوا أبناءهم خصومة مع الآخر، ومكّنوهم: انتبه ابن عمك يزيد عليك.. انتبه ابن خالك يطلع أحسن منك.. لا تخليش أحد يجلس مكانك.. حتى كبرنا ونحن مجتمع كله مشتبك في بعضه، وما فيش عاقل “يفرع”.

في الوظيفة العامة كل واحد يفكر كيف يطيِّر بالذي جنبه ويصبح هو الكل بالكل.. وفي الشارع كل واحد ينظر للآخر بريبة، وكأنه ماشي في الشارع حق أبوه.

صراعاتنا السياسية كلها لها علاقة مباشرة بتربيتنا الأولى على أية حال.

وكل حزب يصل إلى السلطة يقضي ثلثين من وقته وهو يفكر ويخطط كيف يزيح الكل من طريقه.

 أحزاب المعارضة هي الأخرى تعيش عمرها في الميدان منشغلة بالوصول إلى السلطة، لا لتعمر ما أفسده “الحاكم” اللي دوشوا رؤوسنا بالحديث عن مساوئه، بل عشان تزيح هذا الحاكم مع حزبه لتجلس هي في مكانه وتمارس على الناس نفس الفساد ونفس الهدار الفاضي. 

تتعرض البلد، يوميًّا، بمؤسساتها وهيئاتها وطبائع الناس فيها إلى دمار نفسي وذهني واقتصادي وأخلاقي معًا.. واحنا على عادتنا الكريهة، نعيش الحياة معززين بنفس القناعة السمجة “انتبه يزيد عليك ابن عمك”.

حتى ونحن نتحاور، لا نفعل ذلك لنصل إلى رؤى واحدة حول مشاكلنا المتراكمة، حد التضخم، بل نتحاور بروح “هاضاك” الإنسان “الزقوة” اللي ما يشتيش واحد يزيد عليه أو يطلع أحسن منه، حتى لو هو حمار وبليد ومنيِّل بستين ألف نيلة.

حتى مشاكلنا الدينية والمذهبية، كل الأطراف توحد الله ورسوله، ولكن كل واحد منهم يشتي يكون هو الوكيل الوحيد لله وللجنّة وللنار، وإلا حرام “ما تنزل طبة”!

ونحن لا نتنافس فيما بيننا البين لتقديم خدمة اجتماعية أفضل، أو لتقديم أي تنازلات من شأنها أن تنشر المحبة والسلام في نفوس الناس.. بل نتنافس، كما هو واضح، حول من “يبطح” الثاني أكثر، ومن “يفجع” الثاني أكثر.. من يكسر مهابة الآخر أكثر.. من يسرق أكثر، ومن يعصد أكثر، ومن يُفرخ للحياة مجانين أكثر، ومجاذيب أكثر، وبلاطجة أكثر، وإرهابيين أكثر، وفوضويين أكثر، وكذابين أكثر، وتافهين أكثر، وقلَّك نشتي نبني بلاد!!

العيش بهذه الطريقة لا يبني بلداً حتى ولو من صلصال.

*كاتب يمني ساخر..

   
 
إعلان

تعليقات