Accessibility links

إعلان

أ.د. محمد عبدالكريم المنصوب

تزْخرُ حياتنا بالكثير من الثنائيات المرافِقة لنا من بداياتنا وحتى نهاياتنا الافتراضية، مثل المرض والعافية، والخير والشرّ، والليل والنهار،…..إلخ، وأُحبُّ أنْ أُسمّيها الثنائيات، وليس بالمتناقضات؛ لِأنّ وقوع أحدهما لا ينفي أو يمنع وقوع الآخر بأيّ حال من الأحوال، بل كلّ واحد منهما له صفاته وضروراته ولحظاته، يسيران بأنساقٍ منتظمة تتلاقحُ حينًا لِينتج عنها سلوكيات ومواقف مختلفة. 

ومما لا شكّ فيه بأنّ هذه الثنائيات هي سِرّ الحياة العميق، وبها وحدها تكون غنية ومشرِقَة ومتنوعة، لا تتسرّب إليها مظاهر الملل القاتل، ولا الرتابة، فعلى سبيل المثال لو كانت كلّ أوقاتنا نهارًا سرمديًّا، فكيف يُمكن أنْ تكون عليه حياتنا وأجسامنا وعقولنا، بل وتصرفاتنا، وأغلب الظن أنها جنونية بكلّ ما تعني الكلمة من معنى، والعكس صحيح لو كانت كلّ أوقاتنا ليلاً حالِك السواد، والشاهد أنّ كلّ ثنائية لها حِكمة وجود عظيمة، فكيف لنا أنْ نشعرَ بطعم السعادة إنْ لم يكن هناك حزن، وكيف لنا أنْ نشعرَ بنعمة العافية إن لم يكن هناك مرض….وهكذا. 

كما أنّ هناك ثنائية عظيمة تقوم عليها الحياة من أساسها، ألا وهي ثنائية الذكورة والأنوثة، فبهما تنسجِمُ كلّ المظاهر الوجودية من بشرٍ وحيوان ونبات، وتتآلف لِتُشكّل في مجملها كلّ عناصر البقاء وديمومتها، إنها قوانين ربانية تُنبّئنا في كلّ لحظة من لحظات حياتنا، وفي كلّ زاوية من زواياها، بالمدبّر العظيم وراء هذا كله. 

وهذه القوانين الدقيقة الإحكام جعلت الخروج عنها أمرًا بالغ الخطورة والخسران، فالطبيعة مثلاً عندما تَدخَّل الإنسان بإدارتها الذاتية المجبولة عليها، والمتمثلة بثنائيتها القادرة على تصريف مخلفاتها بشكل آلي لا إرادي وأصيل فيها، خرجت علينا بكوارث، وما تزال، ولن تتوقف إلا من خلال توقّف ذاك التحرش بها، وكلنا يتذكرُ كيف خرجت الكثير من الفيروسات القاتلة، وما زالت، لِتحصد الملايين من البشر عبر أزمنة مختلفة، ولا زال العالم يتذكرُ كيف انتشر فيروس الإيدز (ضعف المناعة) أولاً بين الشواذ جنسيًّا، ونتائج مخالفتهم لثنائية الجنسية الطبيعية.

اتّصفَ الإنسان عبر تاريخه، بأنه العدو الرئيس لثنائيات الإنسانية الطبيعية، فهو نَزّاع دائمًا وأبدًا للتصارع مع ثنائية الخير والشر من خلال افتعاله للحروب وإشعال الحرائق، ومحاولته الدؤوبة للاستئثار بكلّ الخير، وجعْل الشر لِمن سواه.. هذا الخرق لهذه الثنائية، وجعْل الكفة تميلُ إلى الشر دائمًا، خلق هذا العالم المشوه الذي نراه الآن، وجعل منه فوهة بركان قابلة للانفجار والدمار عند أيّ لحظة.

أعتقدُ أنّ الخالق، سبحانه، عندما خلق وقدّر هذه الثنائيات البديعة، إنما أرادَ أنْ يقولَ للبشَريّة، هذه هي قوانيني، فأروني ما هي قوانينكم، وكيف سيكون مصيرها إنْ خالفتم قوانيني: بمعنى آخر فإنّ خلْق الله لهذه الثنائيات يجبُ أنْ يمضي في حياتنا كمرجعيات تعيننا على مراجعة قدراتنا وتعديل مساراتها كلما انحرفت عن جادّة الصواب، وأنّ هذه المراجعة واستمرارها وحدها السبيل لإصلاح وتعديل مسارات الحياة جميعها، فهي ليست بالأخير سِوى عودة حميدة لِمسار ثنائيات الخالق المجيدة.

   
 
إعلان

تعليقات