Accessibility links

أوقفوا الشيطنة المدمِّرة..! مشاعر مختنقة.. و(رسالة إلى القتلة..!)


إعلان

عبدالله الصعفاني*

رجاءً.. لا يحلف سياسي أُو ناشط أو قائد عسكري بأمه ولا بأبيه أو عمّه.. فلقد كان الممثل فريد شوقي في أفلامه يقسم بشرف أمه، ثم لا يخرج من جريمة حتى يدخل في الثانية. 

هكذا نفعل بأنفسنا، وهكذا نفعل ببلدنا وبشركائنا في الدم والوطن واللغة والعقيدة..!

وأما بعد الإشهار المضلِّل للجريمة المروعة التي ذهب ضحيتها الشاب المغدور عبدالملك السنباني، واعتبار وسائل إعلامية مقتله إنجازًا عسكريًّا.. حاولت أن أذرف مشاعر الكاتب فأصابني التلعثم.. تَعثَّرت خطى حروف القلم والكيبورد، وضاعت مني حروف الهجاء.

ولا أعرف هل تجمدت المشاعر وتبلّد الإحساس، أو وقعتُ تحت سكِّينة دهشة اغتالت الذهنية والكلام والخيال، وأصابت الحواس في مقتل..؟

هواجس وأوجاع محتبسة، إحساس بالقهر، شعور بالرفض لأنْ تكون كإعلامي يمني واقعًا في حفرة، وأن المطلوب منك أنْ تُساير وتُمارس المزيد من الحَفْر..

قلت لنفسي: هل أحفر أنا أيضًا، أم أتريَّث أمام كثرة الحفارين للقبور، الضاربين للبلد وأهلها في الخواصر، إما بتحمُّل جرم الأحداث أو مباركتها، أو الدفاع عنها، أو حتى تبريرها ومباركة دموع تماسيحها..!

وإلى أن يأذن الله لليمنيين بالفرج وحسن المَخرج، ستبقى أيادي صناعة القتل ونزيف الدم والتجويع وقطع المعاشات والأرزاق، أكثر من الأوجاع على قلوب من يعيشون تداعيات كابوس متجدد من الهدم.

وما زالت الحيرة تأخذ بالناصية والتلابيب.. ما تزال الأسئلة التي تُطاول جبل النبي شعيب.. لماذا لم نصلح كيمنيين؟، لماذا لم نتعلم؟، ولماذا هدمنا بلدنا بحماقة ديناصور، ثم هربنا، فكان ما كان ويكون، وسيكون..؟

وعند هذه النقطة سأحاول ألّا أنغمس في تفاصيل سياسية لأن السياسة صارت عندنا نخاسة، بل ونجاسة.. وما تحتاجه اليمن التي (كانت) ثم كثر الباحثون عن (بادت) هو ترشيد الشيطنة للآخَر بالمطلق، وأن يراجع كلّ منَّا نفسه، ويعترف بأنه – أيضًا – ليس ملاكًا، وأن في ملف استنساخ الله العادل لِما بين صدور كثيرنا آفات الغفلات من المهلكات.

ويا ألله أعِد الينا الذاكرة الجمعية المتوازنة التي أضعنا بضياعها تفاصيل أنفسنا، وتفاصيل ما قمنا ونقوم به من التخريب لليمن والتجريف للأخلاق، والتجفيف لِما كان من النخوة والإنسانية.

ولكل هذا لا أرى قتلة الشاب عبدالملك السنباني سوى حصاد فهْمنا البائس المتعفن للوطن والدين والسياسة وسرقة الأرزاق.

ويا ألطاف الله من زمنٍ يختبر اللهُ بأحداثه إيماننا وأعصابنا فنفشل، وتذهب أحلامنا وأرواحنا، إما للخنادق أو للفنادق.. وتتكدس الأرصدة والمباني على حساب المعاني، ونفقد كل ما له علاقة بسلطة الأخلاق الضائعة وسلطة القانون المهدرة.

مآسٍ صنعتها أجساد متعفنة، وكيانات سياسية إفرازاتها الدم والقيح، تجعل كل مواطن بلا حول أو طول يسأل.. أين أنت أيها اليمني منك.. أين أنت مما كنت تدّعيه من إيمانٍ ورغبة في ألّا تُكَبّ في النار؟، وهل ما يزال رؤوس الفتنة والارتهان والتدين والتحزب يتطلعون إلى الجنة وبنات الحور وكل ما يخطر ولا يخطر على قلب بشر.

ويا أيها الذين قتلتم الشاب عبدالملك السنباني.. أين أنتم الآن؟

أين كانت عقولكم وأنتم تعذبون إنسانًا.. تزهقون روحه.. تسرقون حصاد سنين طويلة من التعب..؟
هل فتشتم هاتفه لتروا كيف أنه بريء وحالم، ويتوقد شوقًا للقاء أمه التي صارت ثكلى ابنها الوحيد.

إنَّ سفر السنباني في آخر رحلته الطويلة من مطار عدن في سيارة أجرة بمفرده،  يؤكد أنه لم يكن لديه من الموقف ما يخافه، لتكونوا أنتم الخوف وأنتم القتل.. تُكتِّفوه، تَضربوه، تسرقوه، وتزهقون روحه.

هل تعرفون أن الله توعّد القاتل بخمس عقوبات يوم القيامة؟

(وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظيمًا).

والاعتذار من كل هذه الاستفهاميات، فما باليد حيلة من سؤال كل شرائح المجتمع اليمني.. ما الذي يحدث لنا في ما كان يسمى بلد الإيمان والفقه والحكمة؟

هل أصيب بعضنا بالجنون في جانبه المتوحش.. ما السبيل لإيقاف نزيف الدم بعد الذي كان ويكون من نزيف الأخلاق؟

لماذا يتزايد فائض الموت على فائض الحياة عند مجنَّدين وأتباع.. ولماذا تكون السلطات محرّضة على إهدار الكرامة أو إزهاق الأرواح صراحة أو ضمنًا وانتقاء.. أيّ حكمة في إشاعة ثقافة الكراهية، أو عدم الاهتمام بمطاردة المجرمين على النحو الذي تضيق به ملفات وصدور باحثين عن إنصافٍ أو عدالة، لكنهم لا يجدون سوى الانتظار ليومٍ يتحقق فيه القول: (وعند الله تجتمع الخصوم).
وبكل موضوعية وتجرّد.. إذا لم تقتص السلطات المعنية من قتلة الشاب عبدالملك السنباني دونما تسويف أو تذاكٍ أو تستّر خلف اللجان والتلجين، فإنها تتخلى عن أبجديات الدين والإنسانية، وتُخالف أمر الله القائل:
(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ…)

ويا كل قادر على قول كلمة حق.. تجنَّبوا إثارة الأحقاد الجماعية، ولا تأخذوا الأبرياء بالمجرمين.. ابقوا على وشائج الأخوّة والقربى.. حاصروا الجاني والمحرض والمتواطئ دونما تفريط باستحقاقات الشراكة في الدين والوطن والإنسانية.

ودائمًا، وحتى تحضر سلطة الأخلاق وسلطة القانون.. لتكن كلّ جريمة سوداء قضية رأي عام لا تنتهي بالتقادم، حتى لا نُساهم في الفُرجة على بلد يتجه بسرعة نحو الكثير من المهالك.

ودائمًا.. حسبنا الله ونعم الوكيل.

*كاتب يمني

   
 
إعلان

تعليقات