عبدالله الصعفاني*
مرَّ أكثر من ثلث قرن على إعلان الوحدة اليمنية، ولا نزال في متواليات الأسئلة العبثية حول من سبق الآخر إليها، وهل الوحدة باقية أم إلى زوال، وأيّ الطريقين أفضل، خيار مواجهات فك ارتباط أم مواجهة تجديد وجه الوحدة، وجبر ما أصابها من تشققات لا يعرف المراقب إلى أين سينتهي بها الحال، شأن ارتباك كلّ من يأوي إلى فسحة لتناول الحال في مقال..!
* ومن الطبيعي بعد الذي حدث ويحدث أن تجري مناقشة الخيار الدستوري للحال.. وهل يكون فكًا للارتباط أو رأبًا للتصدع الحاصل في جدارات البيت وسقفه، بل وأعمدته المتهالكة.. ولكن من يناقش ولو بوجهٍ مُغبرٍّ عابس..؟
* وتتعقد فكرة الكتابة عن الوحدة كمقدس والوحدة كفرض مدفوع بانفعالات وحماقات استقواء تستند إلى دستور أو خرق للدستور، وما شابه من مفردات المنطق واللا منطق.. لأنّ أحد أبرز وجوه المشكلة وأزمات متنها وهامشها أن هناك ما يشبه الاتفاق غير المكتوب وغير المعلن بأن يبقى الحال على ما هو عليه حتى يسترد كل طرف يمني عقله، ويأذن أقطاب الإقليم بإخراج مسرحية العبث والهزل وتحديد المفروض والمرفوض.. ويا لها من حيرة..!
* والنتيجة أن الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه لا يعرف هل يهيئ نفسه لدخول أحد أشكال الوحدة أم الخروج النهائي إلى كنتونات تمزيقية رسمية.. والذي حدد موقفه من تصور للحالة الأفضل بحساباته الشخصية ونظرته العامة لا يرى شيئًا يخدم القيمة المفضلة عنده، لكنه لا يرى شيئًا عليه القيمة، مهما بلغ إحساسه العميق بما يعتقده.
* الألم الشخصي والعام لا يُرى، لكنه يُحَسُّ بعمق، وله ألمه الموجع في الحياة ليبقى الكل على رصيف الانتظار الطويل.. انتظار اللا شيء مع كل الحرقة والأسف، فهل كل خيارات الناس أصبحت شكلًا من أشكال مطاردة سراب يحسبه الظامئ ماءً.
* في قلب كل يمني حكاية ورواية.. حكاية واقع مُرّ.. ورواية غياب التصور، ما يجعل من وضع الحالة على صحراء النقاش خليط من الرفض والهدم، والخذلان من فساد الأدوات السياسية التي يحملها أقطاب التخندق الجهوي العاجز في تقديم أيّ نموذج.
* انتكاسات في القيادات الجهوية الأربع، وخامسها هيجان شارع تعز وشارع عدن وسنين تضارب حزبي متعدد.. ولكن لا التعليم أثمر وعيًا، وليس من سدٍّ للثغرات، شأن حقيقة أنه لا حل للسلبيات، ولا تجاوز للمعوقات، ولا خلاص لارتهان كل اليمنيين تحت واقع قضى حتى على سخرية دريد لحام “غوار الطوشي” من أن اليمن يمنَين، ولبنان أربعة، فإذا اليمن بعد أن توحد واقع في خيارات اليمن أربعة وخمسة، ويوارب باب الكنتون السادس.
* وتسأل نفسك: وأين هو الشعب من بيت النزوع إلى حياة أبو القاسم الشابي الذي مات شابًا وربما مراهقًا متفاديًا حياة الموت المتكرر لكثير من شعوب تتجدد القيود على أقدامها، وليس من كسر سوى كسر الإرادة، وقتل الحياة، وليس من مخرج يحد من انتهازية المخرج الإقليمي والمخرج العالمي، وليس من بناء يأتي من شعب مغيّب لأنه فقد القوة والقدوة حتى في توحيد إرادة بقاء الحال على ما أصبح عليه.
* لا الشمال بقي شمالاً، ولا الجنوب مؤهل لأنْ يكون جنوبًا، ولا من زعامات عربية تركت أهل الدار لشأنهم بدون نفخ بالمال والنار.. ولعل البردوني الرائي حسَمها مبكرًا من حيث انتهينا وهو يقول:
“الوحدة اليمنية بحاجة إلى قادة وحدويين يبنونها ويحافظون عليها”، وليس مِن حافظ.
* الرئيس في اليمن لا يحكم ولا يستطيع، بل إنه لا يريد حتى النوم في قصر داخلي؛ لأنه لا يستند إلى حالة اصطفاف أمني أو شعبي أو حتى سياسي، والحكومات في حالات هجرة إلى حيث الدِّعة والقبض وتوظيف أولاد وبنات الذوات المهاجرة.
* ليس من نشيد غير أنشودة جنوبية تنشد فك الارتباط عن الشمال، قابلتها مؤخرًا أنشودة فك الارتباط مع الجنوب، وليس من أدوات مناسبة للفكفكة، ولسان حال الجميع “فُك وانا فُك” فيما المنشد والمغني لا يطربان بأصواتهما المبحوحة والمخنوقة بالارتهان والتكسب!
* ثم ماذا أيها البلد المغدور به من ناسه وإقليمه ومن حسَبَهم أصدقاءه..؟ لا ماء تحميه سماء، ولا إنسان قادر على فكِّ نحْسِ الحرمان.. الداعي هنا لانفصال مهرج وخائن في نظر الوحدوي هنا، والوحدوي هناك مجرم في نظر الانفصالي هناك.. والتخريج البائس: كنا في الشمال في نعمة الانفصال، أو كنا في عدن دولة.. دولة بائسة، ولكن دولة..!
* والمؤسف أن علم الوحدة، وبصور استباقية، يتعرض للانتهاك، صراحةً وضمنًا، في عمق العواصم، وحتى في أماكن قصِيّة داخل جزيرة تربض داخل محيط وأمواج بلا مروءة، مع تزايد حالات الكسر العميق في طاولات أمنيات، وقاع معاناة، وتسول رأسي وأفقي.. وفي كل الاتجاهات..!
* بالمناسبة.. هل قلنا لبعضنا “كل عام وأنتم بخير”.. وما السبب في الحالتين..؟؟
* كاتب يمني
تعليقات