جيمس زغبي*
في عام 2006، كان «تيم كين» قد فاز مؤخراً بمنصب حاكم ولاية فيرجينيا. كنت في اجتماع بمقر الحزب «الديمقراطي» مع مجموعة من مسؤولي الحزب. قال أحدهم: «أعتقد أن أحد الدروس التي يجب أن نتعلمها من فوز كين، هو أننا بحاجة للحديث أكثر عن ديننا. لقد فعل كين ذلك وفاز. يجب علينا أن نفعل ذلك أيضا».على مدى الشهر التالي، راقبت هذا المسؤول نفسه على شاشات التلفزيون وفي الفعاليات العامة يتحدث عن الدين بشكل غير ملائم وغير مريح. وأخيرا، في اجتماعنا التالي، قررت أن أتحدث معه. قلت له: «ترددت الشهر الماضي ولم أعترض على ملاحظتك بشأن فوز تيم كين. لكني بحاجة إلى أن أخبرك بأنني لا أعتقد أنه فاز لأنه تحدث عن الدين. لقد فاز لأنه كان صادقا مع نفسه.
خلال الأيام التالية، استغل المحللون والمستشارون السياسيون الفرصة ليقدموا تفسيرات تخدم مصالحهم لهذا الفوز. أحدهم، الذي يدفع الحزب لدعم المرشحين الشباب لمواجهة «الحرس القديم»، قال: «فاز ممداني لأنه شاب. نحتاج إلى مرشحين شباب لهزيمة القدامى». وقال مستشار آخر، يعيش على تصميم رسائل الحملات بناءً على الاستطلاعات، إن فوز ممداني «مثال رائع على ما يمكن تحقيقه عندما تبني حملتك بشكل حقيقي وجذاب حول القضايا التي تُظهر الاستطلاعات أن الناخبين يهتمون بها أكثر من غيرها». وأشار آخرون إلى سجل خصمه الرئيسي الذي يشمل التحرش والفساد والمحسوبية. كما أشار البعض إلى أن ممداني لم يعتمد على ملايين الدولارات في الإعلانات التلفزيونية، بل تواصل مباشرة مع عشرات الآلاف من الناخبين وجها لوجه. وأخيراً، قال البعض إنه فاز بسبب أجندته التقدمية الاشتراكية الواضحة-الداعية إلى مجانية النقل العام، وتجميد الإيجارات، ورعاية الأطفال المجانية، وإنشاء متاجر بقالة مملوكة للمدينة في المناطق المحرومة. ورغم أن كل ما سبق قد يكون صحيحاً بدرجات متفاوتة، فإن جمع كل هذه العوامل معا لا تكفي لتفسير فوز ممداني اللافت للنظر. السبب الحقيقي لفوز زهران ممداني، هو أنه كان صادقاً مع نفسه، وقادرا على التحدث بوضوح وصدق مع وسائل الإعلام والناخبين.
في هذا السياق، كان من المنعش أن نراه يجيب عن الأسئلة المتعلقة بمواقفه من إسرائيل وحقوق الفلسطينيين. معظم المرشحين الآخرين الذين أعرفهم، عندما يُسألون عن مثل هذه المواضيع، يترددون ويتململون في مقاعدهم محاولين تذكر كيف نصحهم مستشاروهم بالتعامل مع الأسئلة الصعبة. وعندما يجيبون، يطلقون كلاما مبهما غير مترابط يبدو خاليا من المصداقية ولا يُرضي أحدا. لكن ممداني لم يكن كذلك. عندما يُسأل عن مواقفه من إسرائيل أو حقوق الفلسطينيين، يجيب مباشرة دون تردد، ويواجه الأمر بالوضوح والصدق، لا بالالتباس. انظر إلى هذين الاقتباسين من خطابه في ليلة الفوز بالانتخابات: «أعدكم أنكم لن تتفقوا معي دائما، لكنني لن أختبئ منكم أبدا. إذا كنتم تتألمون، سأحاول المداواة. وإذا شعرتم بأنكم غير مفهومين، سأسعى جاهدا لفهمكم. همومكم ستكون دوما همومي».
«هناك ملايين من سكان نيويورك لديهم مشاعر قوية بشأن ما يحدث في الخارج. نعم، أنا واحد منهم، وبينما لن أتخلى عن معتقداتي أو التزاماتي القائمة على المطالبة بالمساواة والإنسانية، فإنني أعدكم بأنني سأبذل قصارى جهدي لفهم وجهات نظر من أختلف معهم، وسأصارع بصدق مع هذه الخلافات». إنها هذه الأصالة-ذلك «الصدق الواضح»-هي التي وجد فيها الناخبون ما هو أكثر إقناعاً، بما فيهم عدد كبير من الناخبين اليهود الذين دعموه وصوتوا له. خلال الانتخابات التمهيدية، تم إنفاق 30 مليون دولار في حملات دعائية سلبية ضد ممداني.
ومن المتوقع أن يتم إنفاق أضعاف ذلك في الانتخابات العامة، إذ سيشن «الديمقراطيون» و«الجمهوريون» من المؤسسة السياسية حملة لتشويه سمعته وتقديم هذا الشاب المسلم من جنوب آسيا كخطر محدق.
وقد بدأت هذه الحملة بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يحاول «الجمهوريون»، وبعض الجهات المؤيدة لإسرائيل صياغة خطاب سلبي يستخدمونها لإضعاف ترشيحه. شبّه أحدهم فوزه بهجمات 11 سبتمبر، قائلاً: «بعد 11 سبتمبر قلنا لن ننسى أبداً. أعتقد أننا للأسف قد نسينا».. نظرا لأن مستشاري الحزب «الديمقراطي» سيخشون هذا الهجوم، فإنهم يمارسون ضغوطاً على زهران ممداني لمحاولة إقناعه بكبح أجندته التقدمية والتراجع عن دعمه للفلسطينيين. سيريدون «تحييده» من خلال دعوته لـ«الانضمام إلى الصف» والانخراط في أسلوب السياسيين الذين يحركهم المستشارون والذين يملؤون خطاباتهم بالكلام المبهم.
لكن ما لا يفهمونه هو أن استسلامه لهذا الضغط سيجعله يفقد السمة الوحيدة التي ألهمت الناخبين الشباب والتقدميين، وجعلته يفوز بهذه الانتخابات-وهي صدقه مع نفسه. إن ممداني ليس بحاجة إلى «خبراتهم»، وأظن أنه، رغم شبابه، يدرك تماما أن التزامه بذاته وصدقه مع الناخبين سيظل طريقه نحو النصر.
* رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن
تعليقات