Accessibility links

إعلان
إعلان

بلقيس محمد علوان*

أُسدل الستار على أسابيع من الإثارة والمتعة والتشويق، الآمال والإخفاقات، والتطلعات إلى المونديال القادم، فأين كانت النساء من هذا المشهد؟

عالم الرياضة من العوالم والمجالات التي تسيَّد وساد فيها الرجال على مر العقود التي أصبحت فيه الرياضات أنشطة محكومة بقوانين اللعب والمشاركة، وظل التواجد النسائي فيها خجولاً ومحكومًا بالكثير من الضوابط والشروط التي ترقى إلى كونها ثوابت وشروطًا تجعل المشاركة محدودة للغاية، وإنْ كانت تختلف من مجتمع لآخر، وتتراوح بين الرفض والاستهزاء والقبول بدرجات أقصاها القبول مع الدعم وتقديم التسهيلات اللازمة، لم تكن المشاركة فقط هي المحدودة، بل أيضًا فالمشاهدة رفاهية لم تكن تتاح للنساء مع احتكار البث عبر قنوات باشتراك وتيسر المشاهدة في أماكن محددة غالبًا متاحة للرجال أكثر بكثير من النساء، إذا ما أخذنا في الاعتبار أوقات إقامة المباريات في مونديالات سابقة.

إقامة المونديال في بلد عربي لأول مرة، وإتاحة عدد لا بأس به من المباريات للمشاهدة المجانية، وسهولة مشاهدة البقية عبر العديد من التطبيقات، إضافة إلى مناسبة توقيت إقامة المباريات وسع إمكانية المشاهدة والمتابعة للجميع، وبشكل أكثر خصوصية للنساء، وتحولت الكثير منهن إلى محللات ومتوقعات، ومن خلال حساباتهن على الفيس بوك ووسائل التواصل الأخرى كثيرات قمن بالتغطية الإخبارية أولًا بأول، ومن جانبهم قابل الكثيرون هذا الظهور من خلال النشر بالتغطية والتعليق والتوقعات بالاستهجان والإنكار والتندر والسخرية، إلى حد أن أحدهم أقسم بأن أولئك المعلِّقات لا يعرفن شيئًا عن اللعبة وقواعدها، ولا لأي نادِ يلعب هذا اللاعب أو ذاك.

كان هوس الرجال بمتابعة مباريات كأس العالم حتى وقت قريب سببًا من أسباب الخلافات الزوجية، وكثيرًا ما سمعنا النصائح للنساء بأن يجعلن أيام المونديال “تعدي على خير” من أجل سلامة واستقرار الأسرة: لا تحتجي، لا تعترضي، لا تطلبي، لا تفتحي موضوعًا للنقاش خلال أيام المونديال، وقائمة طويلة من النصائح، كي يتابع الزوج المباريات بهدوء، لكن الآن أصبحت متابعة أخبار كأس العالم تستحوذ على اهتمام عدد كبير من النساء في العالم، ومنهن النساء العربيات، ووفقًا لموقع القبس تشير الإحصائيات العالمية إلى أن نسبة المشجعين توزعت بين 60 في المائة لجمهور الرجال و40 في المائة للنساء، بل إن المتابعة ومجريات المواجهات في كل المراحل أنعشت حياة الأسر بفعل المشاهدة الجماعية والتشارك في التوقعات والتحليلات والفرح أو الحزن لفوز أو خسارة المنتخب الذي يشجعونه، والأمر أكثر إثارة مع انقسام أفراد الأسرة في تشجيع المنتخبين اللذين يخوضان المواجهة.

الحضور الفعلي للنساء العربيات كمشجعات كان لافتًا، فقد حضرت نساء عربيات من قطر والسعودية والمغرب وتونس بأعداد أكبر مما كان متوقعًا للمشاركة في تشجيع منتخبات بلدانهن.

التعليقات على حضور المشجعات من كل أنحاء العالم أمر آخر جدير بالتناول، فمع تهافت الكاميرات لاقتناص اللقطات المتميزة والفريدة للمشجعات انبرى المعلقون للتعليق والهمز واللمز، وبين الفكاهة والتحرش أفصحت التعليقات عن المكنون الذي يفصح بدوره عن النظرة النمطية للمرأة التي تضعها في خانة أو “فاترينة” يجب أن تكون جميلة وبمواصفات ومقاييس معينة، وبالنسبة للرجل اليمني الذي يعلّق في حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، فتلك المواصفات تتوفر في المشجعة الفرنسية والكرواتية والبرازيلية وكل المشجعات، ولكنها لا تتوفر في اليمنية، ولو رصدنا فقط تداول النكتة التي لخصت هذه الفكرة لوضعنا أيدينا على هذه النمطية، ولقلنا من بعدها: عاد المراحل طوال!

لم يكن تواجد المرأة في مونديال 2022 كمشجعات فقط، لكن تواجدهن في كل التفاصيل الترتيب والتنظيم والتخطيط والعروض الافتتاحية والختامية، وقد يبدو كل ذلك مألوفًا وعاديًّا، لكنها لأول مرة في تاريخ المونديال تواجدت بصفتها حكمًا، ولأول مرة في تاريخ المونديال وقع اختيار الاتحاد الدولي لكرة القدم على ثلاث نساء حكام ساحة، ومثلهن لمساعدة الحكم.

 إن الوصول إلى مرحلة التقبل للوجود بسبب الكفاءة والخبرة والقدرة على شغل المكان بجدارة بغض النظر عن كون من يشغله رجلًا أو امرأة، واحد من أهم مقاييس التحضر والإنسانية ليس في الرياضة فقط ولكن في كل المجالات، لكن الرياضة محك حقيقي للحكم، وتقبُّل تواجد وحضور النساء مشجعات ولاعبات ومنظمات وحكامًا في واقعنا ما زال في حدوده الدنيا، وما زال الأغلب يفضّل بقاء النساء في كوكب زمردة المفروض عليهن.

* أكاديمية وكاتبة يمنية.

   
 
إعلان

تعليقات