Accessibility links

أبو بكر السقاف مفكر الأمة المدافع عن الحريات والحقوق


إعلان
إعلان

عبدالباري طاهر*

أبو بكر السقاف من مفكرين قلائل كان لا يحب وضع الدال أمام اسمه. في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وتحديدًا في العام 1956، تنادى الطلاب اليمنيون في القاهرة لتأسيس رابطة للطلاب اليمنيين. عقد طلاب القاهرة مؤتمرهم العام الأول، وهي أول رابطة طلابية خارج اليمن. انتُخب أبو بكر السقاف سكرتيرًا عامًّا للمؤتمر العام للطلاب في القاهرة.

احتفى السقاف بالعلم، ويصفه زملاؤه بأنه الطالب الشغوف بالاطلاع والمعرفة، ومن رواد دور العلم والمنتديات، ودور النشر والمكتبات. كان شديد الحذر والتمييز بين السياسة اليومية، وبين التفكير العميق، وكان – يرحمه الله – شديد الوفاء لأصدقائه وزملائه، فعندما حصل الخلاف بين مصر والعراق حول قضايا الثورة القومية، وتماهى موقف بعض الشيوعيين المصريين مع رفاقهم العراقيين، وجرى اعتقال الشيوعيين المصريين أعضاء “حدتو”، كما يوثقها الدكتور أحمد القصير في كتابيه: “التحديث في اليمن”، و”إصلاحيون وماركسيون رواد تنوير اليمن”، قام الأمن المصري بملاحقة بعض الطلاب اليمنيين المنتمين إلى “حدتو”، ومنهم عمر الجاوي، ومحمد عبدالله باسلامة.

لم يكن أبو بكر السقاف مطلوبًا للترحيل، ولكنه وزملاء آخرين تضامنوا مع زملائهم المرحلين: الجاوي، وباسلامة، ومحمد جعفر زين.

هناك محطات مهمة في حياة المفكر المدافع عن الحريات والحقوق أبو بكر السقاف كدوره في التأسيس للمؤتمر الأول الدائم للطلاب اليمنيين كسكرتير عام 1956. يشير الدكتور أحمد القصير في كتابه “إصلاحيون وماركسيون رواد تنوير اليمن”، فيقول: “أسهمت الحركة الطلابية اليمنية في مصر بدور يتسم بالريادة في ما يتعلق بالوحدة اليمنية، فقد طرحت تلك الحركة مفهوم الوطن الواحد، وكانت أول حركة سياسية يمنية تضم جميع أبناء اليمن الطبيعي، داعية إلى التحرر والوحدة، وربطت – حسب بيانها الأول – بين الكفاح ضد الاستبداد والاستعمار، وكان موقفها منذ البداية ضد حركة الأحرار الداعين ضرب إمام بإمام، أو الرابطة الداعية إلى إقامة دولة اتحادية لبعض محميات الجنوب.

الملمح الثاني: قراءته الناقدة لمسار الثورة اليمنية سبتمبر 1962، وأكتوبر1963، ونقده الشجاع للاستبداد، والانحرافات في الثورتين. كتابه المهم “اليمن بين السلطنة والقبيلة”، دراسة علمية لواقع اليمن شمالاً وجنوبًا، وتصديه وزميله عبده علي عثمان لكتاب الدكتور مصطفى الشعبيني “الدولة والمجتمع”، ونقدهم لتقييماته المدخولة بالطائفية، والأعراق، وما قبل عصر الدولة.

قبيل فجر الوحدة دار حوار ضافٍ وموسع بينه وبين الدكتور عبدالله الأشطل، وبعض الرفاق في الحزب الاشتراكي، وكانت قراءة السقاف عبر سبعة أو ثمانية أعداد تتناول أهمية توفير الأرضية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والقانونية، وتوحيد المناهج التربوية، والسياسة الخارجية، وخلق مصالح مشتركة لقيام دولة الوحدة، وهو أيضًا ما عبّر عنه في لقاء مع الأستاذ حيدر أبو بكر العطاس – عضو المكتب السياسي بعد بيان الثلاثين من نوفمبر1989، وهو اللقاء الذي ضم الدكتور السقاف، والبردوني، وكاتب السطور في منزل العطاس – رئيس الوزراء حينها.

انفرد السقاف بصفحة أسبوعية في صحيفة التجمع يدافع فيها عن حقوق الإنسان والحريات العامة، وحرية الرأي والتعبير، ووقف ضد الحرب الإجرامية ضد الجنوب، وتعرض مع الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب زين السقاف للاختطاف والضرب، كما سطا الأمن الوطني على منزله في صنعاء أثناء سفره، ونهب العديد من مؤلفاته وتراثه الأدبي والفكري وترجماته، وقد تعرض الدكتور لمضايقات ومتاعب تبدأ ولا تنتهي، فقد أوقف عن التدريس في جامعة صنعاء كلية الآداب، وقُطع راتبه، وبعد تقاضٍ لسنوات صدر الحكم بعودته إلى الكلية كأستاذ فلسفة من أوائل المدرسين فيها، وأعيد راتبه الذي لا يتجاوز اليوم مئة وخمسين دولارًا، والذي لم تعد عائلته تستلمه؛ لأن المرتبات مقطوعة.

الدكتور أبو بكر السقاف من أهم النوابغ والمفكرين في مستوى عربي وعالمي، جمع ما بين القول والعمل، فما يراه هو ما يعبّر عنه، ويتجلى في مسلكه والتزامه. الدكتور السقاف من الأعداء الأوائل للرجعية، والاستعمار، ومن الأعداء المقاومين للاستبداد في اليمن، وفي البلاد العربية والعالم.

أدان إلى جانب رفاقه عمر الجاوي والشهيد حسن الحريبي وأحمد كلز هجرة اليهود السوفيت إلى فلسطين سبعينيات القرن الماضي، وأصدروا أكثر من بيان، وهم في الاتحاد السوفيتي.

مواقف أبو بكر ضد الأنظمة الشمولية في المنطقة العربية والعالم يتجلى في العديد من أبحاثه ودراساته، وفي كتبه: “كتابات ودراسات أدبية وفكرية”، و”الجمهورية بين السلطنة والقبيلة”.

دافع أستاذ الفلسفة والباحث الأكاديمي عن حقوق الإنسان، وكتابه “دفاعًا عن الحرية والإنسان”، الجزء الأول الذي عمل عليه الزميل منصور هائل يدلل على مدى تتبع الفيلسوف المدافع عن الحريات في اليمن والعالم.

الدكتور المغبون من الاستبداد وتلاميذ الاستبداد يتم تجاهل موته، وكأنه ليس مواطنًا. أعماله وأبحاثه الكاثرة، وبالأخص الجزء الثاني من كتابه “دفاعًا عن الحرية والإنسان”، والذي عمل عليه الزميل المهندس عبدالملك ضيف الله، يحتاج إلى تعاون رفاقه وأصدقائه على إصداره.

للدكتور أبحاث عديدة في العديد من المجلات والدوريات اليمنية والعربية، وتحتاج إلى البحث والتجميع، ولا كرامة لنبي في قومه.  

*نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق.

   
 
إعلان

تعليقات