Accessibility links

إعلان

فكري قاسم*

السلام عليك يا 26 سبتمبر…

يا بساط الريح الذي طار باليمنيين من عصور الظلام إلى ضوء العصور ورحاب الزمن، ومحافل الحضور، وكنا من قبلك يا صاحب الفخامة أمة منسية، وبلادًا بلا راعٍ، وتاريخًا مجهولًا، ومواطنين بلا هوية، وكان الوقت لا يعرفنا، والزمن لا يلتقينا في الطريق، والأمل لا يصاحبنا، والعالم لا يسمع حكاوينا.

ولما جئت أنت، جئت بالحكاية وبالزمن وبالوقت المناسب، وأصبح كل شيء بوجودك على غير ما كان من قبل بالنسبة لآبائنا وأجدادنا الذين عايشوا زمان الكهنوت.

السلام على قلبك الكبير يا سبتمبر العظيم.. 

السلام على يدك المباركة التي امتدت لشعب كان تائهًا في الطريق، يتحسس الخطوات بعكاز يسير بلا سند ولا جاه، وجئت أنت وأصبح لليمن معك حكاية عظيمة ومباهج وإنارة وشوارع وبطاقة شخصية وعمران وطريق ومواعيد وآمال تزهر في كل قلب.

السلام عليك يا تاريخ ميلاد الجمهورية الذي جاء بعد دهر من الغياب في مجاهل الزمن..

وكنا من قبلك يا صاحب الفخامة أمة لا تعرف من الحياة غير العكفة والجهل والظلام والسير على التراب بأقدام حافية، وكانت أيام آبائنا وأجدادنا من قبلك صحة بلا أفراح، وأمراضًا بلا عناية، ومدنًا بلا طريق، وقرى بلا مياه للشرب، وأمة بلا مستقبل وبلا تعليم.

وكان اسم بلادنا مبهمًا بين الدول، ووجوه اليمنيين غشاشًا في عيون الأمم.

وبعد سنوات ثلاث فقط من حضورك البهيّ صار إنسان اليمن غير، وخرج إلى الحياة شعب جديد غير الذي كان بالأمس، وفي عهدك أنت لبس العامة ربطات العنق، وتدفق التعليم إلى كل مدينة وقرية، وعرف اليمنيون الاسفلت ومتعة الجلوس في الحدائق والمتنزهات، وخرجت المرأة من إطار 4×6 إلى صورة أوسع في فضاء رحب، كما أصبح وجودها في الحياة مهمًّا، ولم تعد مجرد عورة أو عار يفترض به أن يبقى مخبأ في العتمة، وأصبح الشعب الذي كان يركب الحمار يسأل عن مواعيد إقلاع الطيران، ولم يعد هناك لا سيد ولا عبد، ولا عنتر ولا شيبوب. 

وفي عهدك أنت يا عهد الضوء تطور الأدب، وانتعشت الفنون، وكانت دور السينما مفتوحة للرجال وللنساء، وكانت ثقافة العيب قد اختفت، وكنت أنت لوحدك ترفرف بألوانك الزاهية في طوابير الصباح، وتقف بالمواهب على خشبات المسارح، وتقول للناس كلمات حلوة عن الحب وعن المعرفة وعن التعايش. 

 ومحد دلع اليمنيين واعتنى بهم مثلما فعلت أنت يا صاحب الفخامة المغدور به.

وصحيح أنني لم أتشرف بمعرفتك وجهًا لوجه، ولكنني أحفظ تفاصيلك كاملة، وأعرفك عز المعرفة من أبي وأمي وأساتذتي في المدرسة، وكبرت وأنا أسمع أحاديثهم الجميلة عنك، وكبرت وأنا أسلم عليك في كل صباح أذهب فيه إلى المدرسة.  

وكنت أشوفك كل يوم في تجاعيد وجه جدي العجوز اللي كان يحبك أكثر من أي شيء، وكان كسر رأسه إذا أي مخلوق يشتمك أو يقلل من شأنك قدّامه، وعندها فقط كان يغضب ويقول لهم بصوته المبحوح: “أفدوبكم كلكم على أرجل ستة وعشرين سبتمبر”.

مات جدي وتعثرت أنت يا صاحب الفخامة، وتلخبطت حياتنا بسبب ما جرى لك وما تكسر من عظامك، وما ذبل من معانيك، وأصبحت ذكراك تجيء وتروح تمامًا مثل ذكرى وفاة عجوز كافح كثيرًا في سبيل أن نعيش، ولكن عيال الحرام وعيال السوق باعوك في الطريق بيعة سارق. 

* كاتب يمني ساخر

   
 
إعلان

تعليقات