Accessibility links

وفاة 156 شخصًا بصواعق رعدية خلال المنصرم من 2023.. هل يواجه اليمن كارثة طبيعية؟


إعلان

 صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:

تصاعدت حوادث الصواعق الرعدية المصاحبة لمواسم الأمطار في اليمن بشكل لافت ومفزع خلال السنوات الأخيرة، مخلفة المئات من الضحايا والإصابات البشرية، ومتسببة بخسائر كثيرة في ممتلكات الأسر التي تعيش معظمها في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، جراء تداعيات الحرب والحصار الذي تشهده البلد منذ تسعة أعوام.

حتى اللحظة، لم يستوعب طارق الولي الصدمة النفسية الناجمة عن فقدانه زوجته وابنته نتيجة صاعقة رعدية ضربت منزلهم في قرية الجماميم بمديرية الجبل محافظة المحويت، في الثامن من شهر أغسطس/ آب الجاري، بحسب شقيقه علي الولي، الذي نقل لـ”اليمني الأميركي”، اعتذار طارق عن الحديث حول الحادثة.

منزل الولي

ويوضح: «كانت أسرة طارق قد فرغت للتو من تناول وجبة الغداء، بينما السماء في الخارج تمطر بغزارة مصحوبة بصواعق رعدية شديدة.. فجأة ودون سابق إنذار، ضربت صاعقة المنزل، وأودت بحياة زوجته جمعة يحيى الولي (30 عامًا)، وابنته آمنة (5 سنوات)، على الفور، فيما أصابت ابنته بدور ذات العامين إصابة بليغة دخلت على إثرها العناية المركزة لأيام».

«علاوة على فقد الأسرة لاثنين من أفرادها، فإن منزلهم المتواضع والمكون من غرفتين (بناء شعبي)، أصبح تمامًا غير صالح للعيش بسبب الحريق الذي تسببت به شرارة الصاعقة، وذلك يلقي بمعاناة إضافية على كاهل طارق الذي يعمل على بسطة لبيع الفواكه في شوارع العاصمة صنعاء، ويعد مصدر دخله الوحيد والمتوقف حاليًّا» يضيف علي الولي.

 

371 حالة وفاة و165 إصابة بالصواعق الرعدية في اليمن في أقل من أربع سنوات.

 

مؤشرات مرتفعة

منذ بداية موسم الأمطار في اليمن لهذا العام إلى العاشر من شهر أغسطس الجاري، أودت الصواعق الرعدية بحياة 111 شخصًا، وإصابة 34 آخرين في 16 محافظة يمنية، بحسب إحصائيات جمعية الهلال الأحمر اليمني، فيما تشير الإحصائية الأخيرة، التي حصلنا عليها عبر مسؤولين في قطاع الأرصاد بهيئة الطيران المدني والأرصاد، إلى أن عدد الوفيات وصل إلى 156 شخصًا.

الصواعق الرعدية التي أخذت من المواطن طارق الولي ابنته وزوجته، كانت هي الأخرى سببًا في حرمان أسرة المزارع محمد عبده العليمي (28 عامًا)، والمكونة من أربعة أفراد، من والدهم ومعيلهم الوحيد الذي قضى في صاعقة رعدية أثناء عمله في الحقل في قرية عيلم بمديرية الحدا محافظة ذمار.

احصائية للهلال الاحمر اليمني

 

كان جبران عبده صالح، أحد الناجين من حادثة صاعقة رعدية أصابته، وأودت بحياة اثنين من رفاقه أثناء تواجدهم داخل غرفة صغيرة في وادي المعين بمديرية ماوية، محافظة تعز.

يقول جبران: «كانت الأمطار خفيفة في المنطقة التي كنا فيها لحظة وقوع الصاعقة التي أدخلتني في حالة غيبوبة وفقدان للحركة لحوالي نصف ساعة تقريبًا، وظلت آثارها في جسمي لعدة أيام»، ويشك جبران أن للأسلاك الكهربائية المتشابكة مع شواحن أجهزة الهاتف في تلك الغرفة دورًا في اجتذاب الصاعقة.

 

الصواعق أخذت من طارق الولي زوجته وابنته وأحرقت منزله في المحويت.

 

وشهدت الثلاث سنوات الأخيرة والشهور المنصرمة من العام الجاري تصاعدًا في أعداد ضحايا الصواعق الرعدية في اليمن، حيث سجلت الإحصائيات الرسمية 371 حالة وفاة، و165 إصابة، موزعة كالتالي: 11 حالة وفاة، و9 إصابات في عام 2020، ارتفعت إلى 30 حالة وفاة، و49 إصابة في عام 2021، ووصلت في عام 2022 إلى 174 حالة وفاة و73 إصابة، وبلغت ذروتها في الشهور المنصرمة من العام الجاري.

التصاعد الحاصل في حوادث الصواعق الرعدية في اليمن، دفع الكثير من الخبراء والمهتمين بمجال المناخ والبيئة لمعرفة أسبابه، إذ يتفق معظم الذين قابلتهم “اليمني الأميركي”، أن للتغيرات المناخية الحاصلة في العالم دورًا رئيسيًّا في ذلك.

ويؤكد الباحث في التغيرات المناخية والأكاديمي بكلية البترول والموارد الطبيعية بجامعة صنعاء، حاجب الحاجبي، لـ”اليمني الأمريكي”، أن: «الاحتباس الحراري الحاصل في درجة حرارة الكوكب بما فيه اليمن، هو السبب الرئيسي في تشكل الظواهر الطبيعية كالفيضانات والحرائق والصواعق وغيرها، بشكل أكبر مما كانت عليه في السابق».

ويوضح: «كلما زاد الحمل الحراري على الهواء في سطح الأرض، تزداد عملية التسخين للهواء من المحيطات والمسطحات المائية، فتزداد كثافة السحب التي يؤثر فيها التسخين، فتصبح قاعدتها حاملة للشحنات السالبة، وعندما تمر تلك السحب وتجد في طريقها شحنات موجبة، يتم التفريغ الذي تنشأ عنه الصواعق والبروق».

 

تختلف نسبة حوادث الصواعق الرعدية في اليمن بحسب التضاريس الجغرافية.

 

ويشير إلى أن مؤشر درجة الحرارة في اليمن ومنطقة شبه الجزيرة العربية، قد تجاوز خلال الخمس سنوات الماضية، نسبة 1.5 درجة التي وضعتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة (IPCC)، كأقصى معدل لقياس حرارة الأرض، لا ينبغي تجاوزه.

ويلفت إلى كون «اليمن تقع على كتلتين مائيتين، كتلة البحر الأحمر وكتلة البحر العربي، والاحترار الحاصل في هذه الكتلتين سيتسبب للبلد بإشكاليات مناخية مستقبلية، قد تكون إيجابية كزيادة الأمطار، وسلبية كزيادة الصواعق التي تضرب بنسبة كبيرة مناطق المرتفعات الجبلية».

 

يتفق معظم خبراء البيئة والمناخ أن للتغيرات المناخية دورًا في تصاعد الصواعق الرعدية.

 

تختلف نسبة حوادث الصواعق الرعدية في اليمن، بحسب التضاريس الجغرافية لمناطق البلد، حيث تتصدر المناطق الجبلية المرتبة الأعلى في تسجيل تلك الحوادث، كما تختلف نسبة ما تخلفه تلك الصواعق من ضحايا وأضرار في الأرياف عنه بالمدن.

ويوكد الوكيل المساعد لقطاع الأرصاد في الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد، محمد سعيد حميد، لـ”اليمني الأميركي”، أن «نسبة زيادة حدوث الصواعق الرعدية بالبلد خلال السبع السنوات الأخيرة وصلت إلى 55% عن السنوات التي قبلها، وهذه الزيادة تركزت في مناطق المرتفعات الجبلية كمحافظة المحويت التي حلت في المرتبة الأولى، يليها محافظتا إب وذمار».

ويعزو الوكيل المساعد حميد سبب شدة التأثير السلبي للصواعق في الأرياف عنه بالمدن، إلى «خلو المناطق الريفية من موانع الصواعق الرعدية، على عكس المدن المحمية بمنظومات موانع صواعق، وغالبية المنشآت فيها محمية بموانع صواعق إضافية».

وحول سؤالنا عمّا إذا كان لتقنيات الاتصالات والإنترنت الحديثة دور في اجتذاب الصواعق الرعدية كما هو شائع لدى بعض مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، يجيب حميد: «كل الاحتمالات واردة، إلا أن الجزم بها يحتاج إلى دراسة، لكن عمومًا فإن لسوء استخدام الأرض وغياب موانع الصواعق إلى جانب غياب التوعية في التعامل مع الصواعق الرعدية دورًا في زيادة الخسائر».

 

الباحث حاجب الحاجبي: مؤشر درجة الحرارة في اليمن وشبه الجزيرة العربية تجاوز 1.5 درجة التي لا ينبغي تجاوزها.

 

التغيرات المناخية

ويشير الوكيل المساعد للأرصاد إلى كونهم كجهة مسؤولة عن رصد التغيرات المناخية في البلد، يحدثون بشكل مستمر نشرات دورية وموسمية تقدم تنبؤات عن حالة الطقس وتحذيرات ونصائح عمّا يرافقه من عواصف وصواعق وسيول وغيرها، على الرغم من تعرض 50% من محطات الرصد الجوي في البلد للقصف المباشر خلال الحرب.

ويلفت إلى أن «الحرب أيضًا كان لها تأثير كبير في إضعاف دور الجهات المعنية بالتعامل مع الكوارث الطبيعية المصاحبة للأمطار، فالتغيرات المناخية التي تشهدها اليمن تحتاج إلى وضع استراتيجيات شاملة تبدأ من التخطيط والإنشاءات الملتزمة بوسائل السلامة ونشر برامج التوعية والإعلام ليتشكل وعي مجتمعي تجاهها يسهم إيجابيًّا في تقليل المخاطر والضحايا».

توقف التنمية في البلد على كافة الأصعدة خلال سنوات الحرب، كان له دور سلبي في شل قدرتها مع الكوارث بشكل عام، فغياب الخدمات الصحية بالشكل المطلوب عن كثير من المناطق والقرى اليمنية وصعوبة التواصل بسبب وعورة الطرق، له دور كبير في ارتفاع أعداد الوفيات في ضحايا الصواعق الرعدية، بحسب منسق الكوارث في جمعية الهلال الأحمر اليمني، عبدالله العزب، في حديثه لـ”اليمني الأميركي”.

 

وكيل قطاع الأرصاد محمد سعيد حميد: زادت الصواعق الرعدية بنسبة 55%.

 

ويشدد العزب على ضرورة التعاون الرسمي والمجتمعي لمعالجة أسباب وعوامل تصاعد ضحايا الصواعق الرعدية، والتي يعود جزء كبير منها إلى قلة الوعي لدى المجتمع في التعامل مع الصواعق وعدم اتباعهم وسائل الوقاية منها.

وتوصي جمعية الهلال الأحمر بتعليمات ووسائل السلامة التي يمكن للشخص اتباعها لتقليل فرصة التعرض للصواعق الرعدية أثناء الأمطار، وهي: 

♦ إغلاق النوافذ والأبواب المعدنية والابتعاد عنها، وإغلاق جميع اسطوانات الغاز.

♦ عدم الخروج من المنزل أثناء الصواعق، وإذا كنت داخل سيارة فعليك البقاء داخلها.

♦ تجنب الاحتماء تحت الأشجار لأنها موصل قوي للشحنات الكهربائية لاحتوائها على مادة الحديد.

♦ تجنب الاستحمام لأن أنابيب التمديدات توصل الطاقة الكهربائية.

♦ تجنب الوقوف في المناطق المرتفعة وعلى أسطح المباني.

♦ الابتعاد عن المسطحات المائية مثل البحيرات وحمامات السباحة ومجاري المياه، كون الماء موصلًا للشحنات الكهربائية.

♦ فصل جميع قبضات الألواح الشمسية عن البطاريات بشكل كلي، وفصل جميع موصلات التيار الكهربائي في المنزل.

♦ فصل الهاتف الأرضي، واحتياطًا إغلاق الهواتف المحولة وعدم استخدامها، بما في ذلك الإنترنت.

كذلك في حال وقوع الصاعقة في نطاقك القريب، فإن الجلوس بوضعية القرفصاء يقلل من التعرض لها، وذلك ما يطلق عليه فيزيائيًّا بجهد الخطوة. 

تفرض ظاهرة الصواعق الرعدية وغيرها من الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية الطارئة في العالم، على المجتمع اليمني تفهّم خطورة تلك الظواهر والتقيد بالنصائح والإرشادات التي قد تقلل من الخسائر، وذلك يتطلب، بشكل أو بآخر، الدفع نحو إيقاف الحرب ودعم جهود السلام القائمة، ليتمكن اليمن من مواجهة تلك التحديات على كافة المستويات، لكن الأهم يبقى بتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته في معالجة العوامل التي تقف خلف هذه الكوارث، وتهدد مستقبل البشرية.

   
 
إعلان

تعليقات