Accessibility links

وجدانيات في كتاب “اليمن من الداخل”.. الأغبري الذي اقتحم المكان وانتصر للجمال من القبح..!


إعلان

عبدالله الصعفاني*

سأبدأ من حيث أراد الزميل الكاتب الصحفي أحمد الأغبري في كتابه أن يصل، وهو يتخذ مسارًا مهنيًّا جديدًا، هو التأليف بتقنية ابن الصحافة والإعلام.. ونراه يوقع كتابه “اليمن من الداخل” فيكون المكان هو الشاهد على أن الجمال هو الأصل، والتشويه هو الطارئ.

أما لماذا هذه البداية..؟ فلأنه ليس لشهادة أحمد الأغبري على اليمن من داخله إلا شاهدًا آخر على الأغبري نفسه، وهو الصحفي والناقد المتخصص في الشأن الثقافي، المعتمد في إنتاجه الصحفي على حقيقة أنه ليس أفضل من دهشة السؤال عندما يصل بنا إلى ومضة الخيال، ولا غرابة.

ألم يكن فضاء الأسئلة هو الطريق إلى أجنحة الكلام الذي يعبر فيه الكاتب من أجنحة الكلام وفضاء الأسئلة إلى إصدار آخر.

وعند هذه الاستفهامية اتوقف لأعيش معكم حرص فارس الأسئلة على أن يقطع نصف الطريق إلى المعرفة، أو كما قال حكيم.

* بطل كتاب “اليمن من الداخل” جَعَل المكان في كتابه شاهدًا على عبقرية الإنسان.

كان ذكيا في الطرح، ربما لأن عبقرية المكان في هذا الزمن وظروفه الموضوعية البائسة هي أصدق من الإنسان للتعبير.. ولا غرابة، فالجغرافيا لا تكذب، ولا حتى تتجمل.. ولذلك يتم استهدافها في اليمن بلا حدود.

* وفي مقام هذا الإصدار ليس لي من موقع القارئ للكتاب إلا أن أؤمِّن على رؤية الأغبري لليمن من داخله دون أن تتجاذبني الأحكام العالمية التي ترى بصرامة وقسوة  أن التاريخ يكتبه المنتصر، ثم وتحذّر بصرامة القول “ويل للتاريخ من كتبة التاريخ..”.

* ولعل هذه الحقيقة الصادمة جعلت الكاتب الصحفي أحمد الأغبري يترك إنسان هذه الأيام ويقتحم جغرافية الأماكن بدقة وموضوعية وجمال لا بد من كل مناطق اليمن، ولو طال السفر.

* الجديد هنا، أو عنصر التفوق في شهادة الكاتب، وهو يقرأ اليمن من داخله، أنه صحفي محترف في مطبوعات محترمة، وأنه متمكن من تقنية عرض الفنون الصحفية، واعتبار المكان أول الدروب إلى ذاكرة الإنسان فرأيناه في كتاب اليوم يستمتع بالإبحار في ذاكرة مدن وقرى ومعالم، قبض عليها وترك الباب مواربًا لاستكمال النبش في إنسان اليمن صانع معجزة مدرجات طالما مررنا أمامها مرورًا كريمً على عجلة من أمره دونما قدرة على إخفاء القلق.

لقد أبحر أحمد الأغبري إلى اليمن من داخله بمهارة جعلت الماء واليابسة شاهدين على اكتشاف عناوين وتفاصيل بلد.. وأميل لاستخدام مفردة “البلد” على مفردة “الوطن” بسبب شعور خاص أننا استنزفنا مفردة الوطن على حساب رصيدنا في بنك الصدق، فتكدست حظوظنا في بئر الكذب مع الأسف.

وأصدقكم القول بأن قراءتي غير المتأنية لكتاب اليمن من الداخل جعلتني أعيد اكتشاف كاتب وصحفي نوعي لم يعمل على الترقي في مناصب وظيفية إدارية بقدر انشغاله بالهم الإبداعي ومواصلة امتلاك أدواته، حتى إنه عندما قرر الانشغال بالإدارة انشغل وظيفيًّا بالإدارة الثقافية والعلمية بوكالة الأنباء اليمنية سبأ، وكأنه من خلال مسمى إدارته يريد أن يقول لنا: يديّ على اكتافكم… تعالوا لنتعاون ونكون الامتداد لجماليات مدن وقرى وجزر وبحر وأبواب ونوافذ الإطلالة على اليمن.

* في كتاب اليوم الذي دوّن فيه المؤلف رحلات عقد من الزمن كان المكان هو المركز، إذ جعله شاهدًا على سلامة إعادة اكتشاف أبواب وأسوار، صروح وحوانيت وسماسر، وأسواق ومراتع، تنوع وتسامح شواطئ مالحة ورمال ومياه متوقدة.

مساجد بأدوار دعوية، وحتى كنائس وناطحات سحاب، قلاع وصهاريج، وأماكن حربية حصينة جديرة بتسابق الحكام للسيطرة عليها، ولا إغفال لملتقيات قوافل البخور واللبان.

وما إلى ذلك من هندسة المعمار وأصوات التاريخ وفنون الأرخبيل ومحميات التراث اليمني العالمي والإنساني.

ويا لروعة أن يشترك الأغبري في استكمال مهمات وجدي الأهدل ومحمد القعود باستنطاق شارع المطاعم، طاولات وأكوابًا وهمسًا وأوجاعًا، ومواساة للمتعبين.

فضلاً عن الواحدية التي جعلت بقعة في قلب صنعاء تحمل مسمى شارع العدانية الذي ترتاده كل اليمن، وجعلت من صالة لكرة السلة حاضنًا لنهائي رياضي بين ناديي وحدة صنعا وأهلي  صنعاء في قلب عدن.. وهناك رد الجمهور العدني وشجع الناديين في مشهد انتصارًا تلقائيًّا أكد حاجة النخب السياسية اليمنية البائسة للانتصار لحقيقة أنه في البدء والختام كانت اليمن.

ثم ماذا يا عريس وبطل حفل التوقيع على كتاب اليمن من الداخل..؟

شكرًا لك أحمد الأغبري وأنت تقول لنا في رؤيتك لليمن من الداخل أن بلدًا لا قراءة لجماله هو أرض قاحلة فاقدة للروح، وأننا نحتاج إلى المزيد من الممرات الذهنية نطل بها على الماضي، ليس للاختناق فيه، وإنما للحركة الواعية مع عالم غادرت قطاراته وتركت أيدينا تستدعي الخيبة والفراغ.

لكنها لن تمنع التعاطي مع حقيقة أن اليمن بلد جميل، وأن الجمال فيه هو الأصل، والقبح هو الطارئ، لكنه يحتاج لكل قادر على أن يسكب عليه من روحه، ويا لجمال أن تقرأ لكاتب جميل اتسعت عنده الرؤية، ولم تضق العبارة.

* كاتب يمني

   
 
إعلان

تعليقات