Accessibility links

هنّ بطلات المشهد اليمني: ندى وخمسون أخريات


إعلان

بلقيس محمد علوان*

نعرف إن كنا قد قطعنا شوطًا ولو بسيطًا في تمكين المرأة، نعرف أن قد كنا انتزعنا ضمن مخرجات الحوار الوطني الشامل نقلات نوعية على الورق، نعرف أن قد كان لدينا بيئة تشريعية وقانونية مساندة إلى حدٍّ ما للنساء، لكن نعرف أيضًا أنه ضرب بكل ذلك عرض الحائط، وأن انتكاسة كبيرة حدثت، وتصدر المشهد خطاب متطرف ظالم يتبناه أكثر من طرف، لا يقدم للمرأة شيئًا، ولكنه يقيّد حياتها في كل شيء ويجعل من نفسه حارسًا للفضيلة، والجميع محل ريبة ومشكوك في سلوكه وأخلاقه وحتى نواياه.

كنت وما زلت أقول: إن الريف هو العمق الحقيقي لليمن حيث يعيش أكثر من 75% من السكان أغلبهم من النساء، ومتى تحسنت أوضاعهن الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية سنقول: إن المرأة في اليمن حققت إنجازات حقيقية فليس وصول امرأتين أو ثلاث للحكومة، وأكثر من هذا العدد إلى البرلمان وأضعافه إلي المحليات، وبعض المناصب القيادية هنا وهناك، هو المكسب الحقيقي، فقد أثبتت التداعيات أن كل ذلك مجرد مظاهر وقشور، ولست هنا للتقليل من هذه المكتسبات، بل لأشير إلى أن حضرية النطاق الجغرافي لهذه المكتسبات، وارتباطها بأجندة سياسية تخرج من خلالها القيادة والأحزاب السياسية من حرج عدم دعم وتمكين النساء، جعلتها مكاسب محدودة، ولسنا بعيدين عن اتفاقهم وتكاتفهم لإسقاط مرشحة مقابل فوز مرشح هي أجدر وأكفأ منه، ومع تلك المسكنات والديكور المكون من أرقام نقدمها للآخر كدلالة على ما وصلت إليه النساء، لم تتحسن أوضاع النساء في الريف بالقدر الذي نستطيع الاستشهاد به بقدر ما ظلت أوضاع النساء في الريف في الصحة والتعليم والاقتصاد والشأن الاجتماعي والعام إدانة صريحة للحكومات المتوالية، وهناك مناطق جغرافية نائية وحتى قريبة من مراكز المدن الرئيسية لم يصلها خير الجمهورية، ولا تعرف أن هناك دولة وحكومة إلا في مواسم الانتخابات، فالظلم والفقر والجهل والمرض يحيط بها، وحتى لا يقول شخص إن في حديثي تجنٍّ، فإن ما وصل إليه الريف، وما تحقق فيه لا يفي بأبسط متطلبات الحياة في أواخر القرن العشرين، فضلاً عن القرن الواحد والعشرين مقارنة بأرياف الدول التي تشبهنا.

والأسوأ من ذلك أن الريف لم يعد ريفا بالمعنى المعروف، بل أصبح مجتمعًا استهلاكيًّا بعد أن كان منتجًا، والرجال والنساء فيه يدًا بيد ينتجون، ويقدمون للمجتمع خير الريف وعطاءه، وبمرور السنوات تراجع إنتاج الرجل والمرأة في الريف إلى حدٍ لا ينكره أحد.

حول العالم تحتفي الدول باليوم العالمي للمرأة، وتستعرض المكاسب التي حققتها النساء والضمانات والمكاسب التي ضمنتها دساتير وقوانين كل بلد، وفي الثامن من مارس يستعرض الجميع ماذا حققت النساء وماذا حققوا للنساء دون النظر في أي تقسيمات أخرى مثل القومية والإثنية واللغة والثقافة والبيئة الاقتصادية أو السياسية، ويترافق ذلك بأنشطة وفعاليات هنا وهناك في مقرات العمل وقاعات الاحتفال في الفنادق بحسب التمويل الممنوح لإقامة تلك الفعاليات، ولو عدنا لسنوات ما قبل 2014 سنجد المؤسسات الإعلامية – على سبيل المثال –  اتخذت تقليدًا بتمكين النساء من قيادة المؤسسات الإعلامية في هذا اليوم، ومع ذلك فما الذي يمكن أن تقوم به القيادات النسائية في يوم واحد؟ وأي قرار من السهل إلغاؤه بمجرد عودة القيادات المعتادة، إنه تقليد شكلي استعراضي واحتفالي مؤقت، لا يترافق معه تغيير يذكر، ولا ترسو معه قواعد يبنى عليها.

مع بدء الحرب في 2014 كان للنساء، ريفًا وحضرًا، النصيب الأكبر من المعاناة والتضحية والتحمل والألم، وفقدت مع انعدام وتوقف الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وغاز منزلي لفترات طويلة الاستعانة بالآلات المنزلية في الأعمال المنزلية، وهو ما ضاعف أعباءها، ومع انقطاع المرتبات، وانعدام فرص العمل، وجدت نفسها وجهًا لوجه مع الفقر والحاجة والعجز، ومع كل الحلول الجزئية ظلت تعاني وتضحي وتضاعف جهودها وتحاول بكل قوتها أن تستمر الحياة، ومع كل التحديات، والمصاعب صمدت.

قدمت صحيفة “stylist” البريطانية “ندى” الشابة اليمنية كنموذج عالمي ملهم يُحتذى به في يوم المرأة العالمي.

ندى التي فقدت شقيقها في الحرب واضطرت مع أسرتها للنزوح من الحديدة طلبًا للأمن واستقر بهم المقام في تعز التي كانت ساحة حرب أيضًا، لم تسعفها شهادتها ولغتها في الحصول على عمل فبدأت في صنع وبيع الحلويات من أجل تدبير حياة أسرتها وتوفير الدواء لأمها، ومثل ندى عشرات الآلاف من النساء اللاتي يحفرن في الصخر من أجل تحسين ظروف أسرهن المعيشية في ظروف غير مواتية على كل المستويات، لكن ندى ذهبت أبعد من ذلك، فقد عايشت معاناة أهل القرية التي استقرت فيها، بعد أن دمرت الحرب الطريق الآمن والقصير الذي كان يسلكه السكان، وأصبح البديل عنه طريقًا وعرًا طويلًا شهد وفاة أشخاص خلال رحلة إسعافهم، وسقوط طالبة صغيرة في محاولة وصولها إلى مدرستها، والكثير من الحوادث.

باختصار كان عبور هذا الطريق معركة الأحياء مع الموت كل يوم في ذهابهم وعودتهم.. طرحت ندى مبادرة إعادة تأهيل الطريق المدمر وتجاوبت معها خمسون امرأة أخريات بإزالة الأنقاض من الطريق في محاولة استمرت فترة طويلة لجعلها أكثر أمانًا للعابرين، وبدعم من إحدى المنظمات الدولية تم تمهيد الطريق.

مثل ندى ملايين النساء في الريف والحضر يقاومن دعاة الموت بالتشبث بالأمل وبالحياة، ويقاومن الفقر والحاجة بالمحاولة والتدبير، وأغلب المشاريع الصغيرة المدرة للدخل أسستها نساء يحاربن من أجل الاستمرار رغم كل المعيقات، فلندى ولرفيقاتها وكل النساء في الريف والحضر وفي العالم في يوم المرأة العالمي وشهر المرأة كل التقدير وكل المحبة، بهن تحلو وتستمر الحياة، فهن بطلات المشهد.

*أكاديمية وكاتبة يمنية.

   
 
إعلان

تعليقات