Accessibility links

إعلان

وجدي الأهدل*

أثار الباحث العراقي فاضل الربيعي قدرًا هائلًا من الجدل بطروحاته القائلة إن اليمن هي مسرح الأحداث المذكورة في الكتاب المقدس، وإنها أرض الأنبياء.

في البداية تثير فرضية الربيعي السخرية، ولكن كلما مضينا قُدمًا في تتبعها ستأخذنا الدهشة، وسنقع في حيرة من أمرنا.

بالنسبة لليمني خصوصًا، العارف بجغرافيا بلاده، فإن أسماء مثل دار سلم وقَدَسْ وبُرَع وسواها مألوفة لديه، فهو الأقرب إليها من غيره، لذلك فإنه غالبًا ما سيُصاب بالصدمة.

التطابق المذهل بين المعالم الجغرافية المذكورة في التوراة، وأسماء المناطق والمدن والجبال والسهول اليمنية لم يعد يمكن دحضه.

أضف إلى ذلك أن النقوش اليمنية القديمة تذكر أحداثًا وحروبًا يرد ذكرها في التوراة بالنص، وهذه الأدلة المادية الأثرية هي براهين قوية جدًا تؤيد فرضية الربيعي، ولم يوجد نظير لها في حضارات بلاد الرافدين والشام ومصر، وكل حضارات الشرق الأخرى.

هل فاضل الربيعي هو أول من أكد أن اليمن هي إسرائيل التاريخية؟ وأن اليهود قبيلة يمنية الأصل؟ قد يفاجئنا الجواب، إذ لم يكن فاضل الربيعي هو الوحيد الذي أتى بهذه الفرضية، بل سبقه مؤرخ عظيم هو اللبناني كمال الصليبي، مؤلف كتاب “التوراة جاءت من جزيرة العرب”، الذي قدّر أن إسرائيل التاريخية نشأت في منطقة عسير جنوب السعودية، وهي منطقة تتصل اتصالًا وثيقًا بجغرافيا جنوب شبه الجزيرة العربية، الممتدة من عمان شرقًا إلى تهامة غربًا.

وقبلهما ظهرت مجموعة من علماء الآثار والمؤرخين الألمان، الذين أزاحوا الكتب المقدسة جانبًا، ولم يعترفوا بها كمصادر تاريخية، وراحوا ينقبون عن مملكة إسرائيل القديمة، وعن المواقع التي دارت بها المعارك والأحداث العظيمة التي تشكل ركنًا أساسيًا في عقائد الديانات التوحدية الثلاث، فلم يجدوا لها أثرًا في فلسطين أو مصر أو أيّ جزء آخر من أجزاء العالم!

هل كل قصص الأنبياء خرافة؟ وهل كل تلك الأحداث الكبرى مجرد أصداء أسطورية تناقلها الرواة شفويًا من جيل إلى جيل ولا أساس لها من الصحة؟ نحن هنا نتحدث بلسان المؤرخين الألمان، ونظرائهم من المؤرخين في بريطانيا وفرنسا، وسائر الدول المسيحية المهتمة بالتنقيب عن آثار السيد المسيح وأنبياء العهد القديم.

رجح المؤرخون الألمان أن كل ما ذكر في الكتب المقدسة مجرد خزعبلات، ما لم يتم العثور على أدلة أثرية موثوقة تقطع الشك باليقين، وتؤكد ما جاء في تلك الكتب المقدسة.

يبدو أن هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، قد أدى إلى إغلاق مسار أبحاث المؤرخين الألمان بالشمع الأحمر بتهمة معاداة السامية، وجرى تصنيفها كجزء من الفكر النازي العنصري.. والخوف من هذه التهمة سحب نفسه على باقي أقسام التاريخ في كافة جامعات الغرب.

قام الرحالة الإسكتلندي جيمس بروس (1730-1794) برحلة من مصر إلى السودان فأثيوبيا، في القرن الثامن عشر، لاستكشاف مصادر النيل، والوصول إلى منبعه، ودون تفاصيل رحلته في كتاب عنوانه “سياحة للكشف عن منابع النيل”، اللافت في هذا الكتاب هو إشاراته إلى شواهد عثر عليها، تفيد أن النبي موسى – عليه السلام – عندما فر من قبضة فرعون انتقل إلى اليمن، مفترضًا أن (مدين) تقع في اليمن، المسماة اليوم (ميدي)، وأنه تزوج يمنية.

ذكر أيضًا بالأدلة أن الوادي المقدس طوى يقع في محيط مدينة القضارف السودانية، على الحدود السودانية – الإثيوبية، وحدد المكان بدقة.

هذه مفارقة مدهشة: ذهب جيمس بروس لاستكشاف منابع النيل، فإذا به يستكشف بالمصادفة أكبر خطأ تاريخي وقعت فيه البشرية!!

المثير للريبة أن هذا الكتاب لم يترجم للعربية، فهل هناك أيادٍ تمنع ترجمته إلى العربية؟! نأمل أن يتم ترجمة هذا الكتاب في القريب العاجل، لأنه يقدم وجهة نظر مختلفة عن المكان الذي نشأت فيه مملكة إسرائيل، وربما طرف خيط يقودنا إلى كشف الحقائق المغيبة منذ آلاف السنين.

إذا كانت مدين هي ميدي، وميدي مدينة ساحلية تقع شمال اليمن على مقربة من الحدود اليمنية – السعودية، فإن أرض الميعاد التي أمر الله موسى وقومه أن يتجهوا إليها ستكون المرتفعات الجبلية، المعروفة باسم سلسلة جبال السروات، الممتدة من شمال السعودية إلى يافع جنوبًا، ولذلك تهيب اليهود مقاتلة سكان الجبال الأشداء، وقالوا لموسى قولتهم المشهورة.

لاحقًا زحف اليهود بقيادة طالوت من الساحل إلى المرتفعات الجبلية، وخاضوا المعارك المذكورة في كتبهم، وأسسوا دويلاتهم في المناطق الجبلية اليمنية، وهذا يقترب كثيرًا من طروحات فاضل الربيعي.

لا توجد آية في القرآن الكريم تتعارض مع فرضية فاضل الربيعي، ولا مع العشرات من المؤرخين والباحثين المستقلين الذين أكدوا أن اليهود قد أخطأوا العنوان، ففلسطين ليست أرض أجدادهم، ولكنها اليمن.

هل عثر المؤرخون الإسرائيليون على أدلة أثرية تؤكد الوجود التاريخي لمملكة داوود وسليمان؟ أو أيّ دليل مادي أثري على وجود قرى ومنشآت يهودية في فلسطين؟ الذي وصل إليّ أنهم لم يعثروا على أيّ أثر مطلقًا.. وإن صدقت هذه المعلومة، فهي وحدها كافية لهدم كل تصوراتنا عن تاريخ المنطقة القديم.

القراءة المتفحصة للقرآن الكريم، مع إزاحة الإسرائيليات جانبًا، وهي تفاسير تسللت إلى مفسري القرآن من الأحبار اليهود، ستفتح عيوننا على أدلة لم تكن في الحسبان، وربما حتى فاضل الربيعي لم يكن منتبهًا لها، وستقودنا إلى معرفة الحقيقة.

توجد إشارات في القرآن الكريم وتلميحات إلى أن النبي سليمان اتخذ من صنعاء عاصمة لمملكته.. قال تعالى: “فمكث غير بعيد”، أيّ أن الهدهد لم يذهب إلى منطقة بعيدة، وإنما قطع رحلة قصيرة من صنعاء إلى مأرب عاصمة مملكة سبأ.

قال تعالى على لسان سليمان: “رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ” سورة ص، الآية 33.

ومسرح الأحداث في هذه الآيات يشير إلى صنعاء وعوالمها الخاصة بها، التي يحتاج توضيح أحوالها مقالًا آخر.

تحدث فاضل الربيعي وأضرابه من الباحثين عن الأدلة المادية، وتبقى الأدلة العرفانية التي يعرفها الخواص، ولا يعترف بها العلم، والتي تحدد المواضع التي ذكرها القرآن الكريم، مثل الموضع الذي جلب منه عرش ملكة سبأ، والصرح الممرد الأعجوبة الذي يشبه آلة الزمن بوصفنا اليوم.

* روائي وكاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات