Accessibility links

هشام الحكمي.. المدير الذي قاوم ظروف الحرب بالعمل في غسل السيارات


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:

«أصبح عملي في سرويس السيارات مصدر الدخل الأساسي لأسرتي المكونة من خمسة أفراد بعد انقطاع الرواتب، والذي مكنني من دفع إيجار البيت، وإكمال تعليم أولادي، وكفل لي حياة كريمة لا أحتاج معها أن أمد يدي لطلب العون من أحد»، يوضح لـ”اليمني الأميركي”، مدير قسم التحصيل في مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر، هشام الحكمي، (40 عامًا)، كيف تمكن من مقاومة ظروف الحرب وانقطاع المرتبات بالعمل في سرويس صغير لتنظيف السيارات على رصيف أحد الشوارع الفرعية في العاصمة اليمنية صنعاء.

ويؤكد الموظف الحكومي (الحكمي): «عندما انقطعت المرتبات في عام 2016، انقلبت أموري رأسًا على عقب؛ إذ وجدت نفسي دون أيّ مصدر للدخل، وبدأت تظهر أمامي الكثير من التحديات والصعوبات المادية، حيث لم أتمكن من سداد إيجار البيت لعدة أشهر وتراكمت ديوني، حينها ندمت لكوني لا أجيد إتقان أيّ مصدر آخر غير الراتب الحكومي، فقررت البحث عن عمل».

بدأ عمل الحكمي في مؤسسة الثورة منذ وقت مبكر في عمره، وقبل نيله شهادة الثانوية العامة، إذ انتسب للمؤسسة عام 2001 كموظف متعاقد في قسم الكمبيوتر، وكان يقوم بصف المواد وتجميعها، بعدها بعام تم تثبيته كموظف رسمي في المؤسسة، في الوقت الذي كان قد تمكن فيه من أخذ دورات تدريبية في التصميم والإخراج الصحفي ليعمل مخرجًا في صحف الثورة والرياضة والوحدة حتى عام 2006، وهناك عُيِّن سكرتيرًا فنيًّا لمجلة معين الصادرة عن المؤسسة، وتم انتخابه كرئيس لنقابة عمال وموظفي المؤسسة في عام 2010، قبل أن يتم إسناد مهام إدارة فرع المؤسسة في محافظة عمران إليه؛ للاستفادة من خبرته في تطوير الفرع وتنظيم أعماله في مطلع عام 2014، وفي ذلك كان قد قطع شوطًا مهمًّا قبل أن تندلع الحرب وتتراكم المديونيات على الفرع، ويضطر لتقديم الاستقالة.

ويذكر المدير السابق لفرع مؤسسة الثورة في عمران، الحكمي: «كانت إيرادات واشتراكات المؤسسة في المحافظة، تُدفع من مصنع إسمنت عمران، وعندما تم قصف المصنع بغارات للتحالف بعد أشهر قليلة من انطلاق العدوان (حرب التحالف في اليمن)، حدث ما يشبه بالشلل لمعظم الأنشطة في المحافظة؛ فاستاءت أوضاع المؤسسة جراء تضاؤل إيرادات الفرع، وبالتالي لم تستطع المؤسسة تقديم عهد مالية لنا لمواصلة العمل، فاضطررت لتقديم استقالتي، وعدتُ مع أسرتي إلى أمانة العاصمة، وبدأت رحلتي في البحث عن عمل، فاستدنت مبلغ  100 ألف ريال من أحد أقاربي، وافتتحت مع أخي ماجد سرويسًا صغيرًا (آلة غسل السيارات) على أحد الأرصفة في منطقة الجراف جنوبي العاصمة».

 

يداوم المدير هشام الحكمي في مكتبه بالمؤسسة في الصباح، قبل أن يعود في المساء ويخلع بزته الرسمية ويرتدي ثياب العمل في السرويس.

وعن سبب اختياره العمل في مهنة السرويس بالذات، وبدايات مسيرته في مشروعه الخاص وتطوره، يقول الحكمي: «كان اختيار العمل في سرويس صغير؛ لأن تكاليفه بسيطة، وعمله غير مقيد، بالإضافة إلى أن أحد أقاربي يجيد تلك المهنة، وهو من علمني لعدة أيام كيفية تنظيف السيارات ومسح الزجاجات، وكل ما يتعلق بذلك.

«اخترتُ لمشروعي منطقة مناسبة يوجد فيها عبّارة (قناة) لتصريف المياه، ولا تشكّل مصدر ضرر لأيّ محل تجاري أو غيره، وفي وقت قصير أتقنتُ العمل بحرفية، واليوم يعمل لديّ، بالإضافة إلى أخي، عاملان أعطيهما نسبة 30% من إيرادات السرويس، فيما البقية تعود لتكاليف الماء والبترول ونفقات لي ولأخي».

ويلفت إلى أن العمل في السرويس غير ثابت أو دائم في مقدار الدخل، حيث «في أيام الأعياد والمناسبات تصل إلى أعلى نسبة، من 10 إلى 15 ألف ريال [الدولار يساوي 555 ريالًا يمنيًّا في صنعاء]، فيما لا تصل أحيانًا عند حدوث أزمات المشتقات النفطية أو مواسم الأمطار إلى ألف ريال».

في الشارع الفرعي الذي افتتح فيه هشام السرويس، يوجد اليوم ثلاثة آخرون، جميعهم افتتحوا مشاريعهم هناك، ويعمل فيها شباب مكافحون يعولون أُسرًا، فيما لا تقل قصة كفاح وبطولة العاملين في سرويس هشام عنه، حيث تعرّض أحدهما للترحيل من عمله في السعودية، فيما دفعت الاشتباكات، التي شهدتها مدينة حرض بمحافظة حجة، أحدهم للنزوح مع أسرته إلى صنعاء، وأصبح مشروع هذا السرويس الصغير مصدر الدخل الأساسي لأربع أسر.

 

تم انتخابه رئيسًا لنقابة عمال وموظفي المؤسسة في عام 2010 وعمل قبل ذلك مخرجًا لصحف الثورة والرياضة والوحدة ومن ثم مجلة معين.

 

ويشير هشام إلى العديد من الصعوبات التي واجهته في إطلاق واستمرار مشروعه، والمتمثلة بـ «تعرضي بداية الأشهر الأولى، لحملة ضبط مواد مشروعي وإيداعي السجن من قِبل البلدية لعدم امتلاكي ترخيص عمل، فأخبرتهم أنني أعمل لأعيل أسرتي بعد انقطاع الراتب، فتم الإفراج عني وإعادة أدواتي.. بعدها بفترة تفاجأتُ بحملة أخرى قامت بتكسير خزانات المياه، فتواصلت مع بعض المسؤولين في الأمن والمؤسسة التي أعمل فيها، وتضامن معي الكثير من الزملاء في منصات التواصل الاجتماعي، فنزلت إدارة البلدية إلى مكان السرويس، وتبينت من عدم تشكيلي أيّ ضرر على المحلات، والتزامي بنظافة المكان، ومن ثم سمحوا لي بمواصلة العمل على الرصيف إلى أن يعود مرتبي المتوقف منذ ستة أعوام». 

في شهر مايو/ آيار الماضي، تواصلت إدارة مؤسسة الثورة للصحافة والنشر بالحكمي، وعرضتْ عليه العودة إلى العمل مجددًا في المؤسسة كمدير للتحصيل والإيرادات، وعلى الفور وافق ابن المؤسسة على العرض، وعاد لخدمة بيته الأول والعريق بكل حماس ومسؤولية، بعد أن أمّن له عمله في السرويس مصدر دخل ثابت يُغنيه عن الاعتماد على حافز الوظيفة البسيط (60 ألف ريال)، وهو حافز غير منتظم الصرف أو مضمون الاستمرار.

 

أصبح مشروع هذا السرويس الصغير مصدر الدخل الأساسي للأربع أسر.

 

منذ تعيينه مديرًا للتحصيل في المؤسسة، يداوم المدير هشام الحكمي في مكتبه بالمؤسسة صباحًا، قبل أن يعود في المساء ويخلع بزته الرسمية ويرتدي ثياب العمل في السرويس حتى وقت متأخر من الليل، فيما غدت تجربته مثالاً للدهشة والإشادة لدى زملائه، وكل مَن يعرفه أو يزوره لتنظيف سيارته.

عبْر “اليمني الأميركي”، يوجه (هشام) بفخر المدير العامل في محل السرويس رسالته لكل موظفي وشباب اليمن، قائلاً: «بإمكانكم قهر كل الظروف الصعبة والعوائق التي تقف أمامكم عندما لا تستسلمون لليأس والتفكير السلبي والتذمر الذي لا يريكم سوى الإحباط والفشل، اصنعوا الفرص ولا تكونوا اتكاليين، ولا تعيبوا أيّ عمل حر وشريف سيسهم في تحسين وضعكم الاقتصادي وتوفير الحياة الكريمة لكم ولأسركم».

   
 
إعلان

تعليقات