Accessibility links

إعلان

وجدي الأهدل
يُلاحظُ أن هناك تضاربًا في موقف المثقفين اليمنيين من الغزو الروسي لأوكرانيا، وهناك مواقف ملتبسة، وأخرى متذبذبة فاقدة للاتجاه.

يُخطئ المثقف اليمني مرة أخرى حين يؤيد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهذا يذكرنا بالموقف الضال لفئة من المثقفين اليمنيين – قبل ثلاثة عقود – المناصر لصدام حسين في غزوه لدولة الكويت.

لقد تسبب غزو صدام حسين للكويت عام 1990 في مصيبة تاريخية ضخمة على الأمة العربية، ولم تُشفَ من آثارها الكارثية حتى اليوم.

لقد توقف العرب عن التطور منذ عبور أول فوج من الجيش العراقي حدود دولة الكويت.. وكأن هناك قوة غامضة قامت بإيقاف الزمن في المنطقة العربية لتبقى خارج حركة التطور السارية في كافة أرجاء العالم.

منذ عام 1990 وإلى يومنا هذا حققت الشعوب الآسيوية قفزات تكنولوجية واقتصادية أذهلت العالم، وهذه النهضات العملاقة تُرى بالعين المجردة في الصين والهند وكوريا الجنوبية وفيتنام وماليزيا وجميع دول شرق آسيا بلا استثناء.

فإذا التفتنا صوب جيراننا الأفارقة، نجد أن الدول الأفريقية التي كانت في الحضيض الأسفل ولا تقارن حتى بالدول العربية، فإنها اليوم تشق طريقها نحو الازدهار والتطور بخطىً حثيثة، وغدا التفوق التقليدي للعرب على الأفارقة ذكرى من الماضي.

كذلك هو الحال إذا وجهنا أنظارنا إلى قارة أمريكا الجنوبية، التي حققت إنجازات عظيمة في التنمية البشرية والاقتصادية وتحديث أنظمتها السياسية.

معظم أجزاء وقارات العالم تتطور في خط صاعد، باستثناء المنطقة العربية التي تراوح جامدة في مكانها، فعجزت عن تحديث أنظمتها السياسية، وتوطين التكنولوجيا على أرضها، ودعم بيئة صالحة للبحث العلمي واستقطاب الكفاءات.

بالنسبة لي أرى بوضوح أن سبب تأخر المنطقة العربية عن التطور – مقارنة بمناطق أخرى في العالم – مرده قرار الغزو الأحمق لدولة الكويت وتداعياته.

إنني أتنبأ بمصير مشابه لروسيا، بسبب قرار الرئيس الروسي بوتين المتهور بغزو دولة مجاورة، ومع الأسف سوف يلحق الروس بالعرب، ويتباطأ التطور التكنولوجي ويتردى الأداء الاقتصادي لروسيا، وأما التداعيات التالية فهي اضطرابات سياسية عنيفة شبيهة بأحداث (الربيع العربي) سترجع الروس عدة عقود إلى الوراء.

لاشك أن بوتين ديكتاتور رديء، وهو يسير على نهج أسلافه من الطغاة الذين أوقدوا نار الحروب في العالم، وتسببوا في هلاك ملايين البشر من أجل لا شيء في النهاية.

أشعل أدولف هتلر شرارة الحرب العالمية الثانية التي أدت إلى مصرع 60 مليون إنسان، وإلحاق هزيمة ماحقة بألمانيا واحتلالها.

وكذلك شن صدام حسين حربًا على إيران، راح ضحيتها مليون إنسان من الشعبين الجارين، ثم تنازل عن مكاسبه الضئيلة من تلك الحرب الدموية في لحظة وعلى عجالة، وأما قراره بغزو الكويت فقد كلف العراق فقدانه لقراره السيادي منذ عقدين، وربما سيظل الوضع كذلك إلى أمد بعيد.

لكن المثقفين اليمنيين في الأغلب يميلون إلى صف القوي ضد الضعيف! وهذا مناقض تمامًا لدورهم كمثقفين يُفترض فيهم الوقوف مع الضعيف، سواءً على مستوى الأفراد أو الدول.

يفترض أن يكون موقف المثقفين اليمنيين واضحًا وضوح الشمس في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وأن يكون ضميرنا يقظًا ولا نسمح لديكتاتور مصاب بجنون العظمة أن يتلاعب بعقولنا ومشاعرنا، ويجعلنا ننحاز إلى صفه.

أيّ مثقف يحاول أن يبرر الغزو الروسي لأوكرانيا تحت ذرائع واهية مشيحًا ببصره عن آلام الملايين من الأطفال والنساء، ما هو إلا مجرم متخفٍ خلف قناع ثقافي زائف، وهو بالتأكيد إنسان بلا ضمير.

الضمير الحي يوجب أن نفكر في معاناة المدنيين الذين شُردوا من منازلهم، وفقدوا مصادر رزقهم، ولاقوا أنفسهم فجأة ضائعين في بلدان أخرى، ومحتاجين لمن يساعدهم ويمدهم بأسباب البقاء على قيد الحياة، وقد خسروا الشعور بالأمان وتحطمت آمالهم المستقبلية، وفقدوا بدرجة أو بأخرى شيئًا من عزة نفوسهم وكرامتهم.

من روسيا وصلتني هذه الرسالة:

“صديقي العزيز وجدي: تحياتي الحزينة لك من روسيا. أريدك أن تعرف وتخبر أصدقاءنا الآخرين من الأدباء اليمنيين بما يلي:

أنا شخصيًا ومنذ سنوات كنت أعتبر الرئيس الروسي بوتين سارقًا وقاتلاً. والآن أُضيفت إليه صفة هتلر الجديد. هذه الحرب ضد أوكراينا أحدثت صدمة لي ولكثير من زملائي في الجامعة، لقد دمرتنا معنويًا. نحن وقعنا رسالة علانية ضد الحرب، ونشارك في المظاهرات ضد الحرب ولكن بدون جدوى.

ونتيجة للبروباغندا المكثفة أصبحت أغلبية الروس نازية جديدة، ولم يبقَ لنا إلا انتظار تأثير التدهور الاقتصادي على هذه العقول الحقيرة.

صديقك المخلص ميخائيل”.

د. ميخائيل الأستاذ بجامعة سانت بطرسبورغ، هو واحد من أهم المستعربين في روسيا، وله العديد من الدراسات الأكاديمية عن الأدب العربي واليمني خاصة.

إن رسالته إلى الأدباء اليمنيين تعطينا فكرة واضحة عن موقف المثقفين الروس من الحرب، وهو موقف بطولي وشجاع، لكونهم تحت الضغط والتهديد، ومعرضين للاعتقال أو الفصل من وظائفهم أو ما هو أسوأ..

وإنه لمن العار علينا – ونحن الآمنون البعيدون عن سطوة وبطش الأجهزة الأمنية لبوتين – ألا ندين الاعتداء الآثم الذي يحدث تحت أنظارنا لشعب أوكرانيا المسالم.

*روائي وكاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات