Accessibility links

معاناة الفلسطينيين داخل القطاع تفوق التصور.. غزة.. إبادة شعب وصمت دولي


إعلان

صنعاء- “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:

لم تدم فرحة المواطن الفلسطيني فادي البابا وزوجته وفاء السويركي اللذين رزقا بتوأم (4 أطفال) بعد 16 عامًا من الزواج دون إنجاب، سوى أقل من شهرين فقط، قبل أن يحولها جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر الأربعاء الماضي، الموافق 18 أكتوبر/ تشرين الأول، إلى مأساة مؤلمة، من خلال غارة على منزلهما الكائن في حي الشيخ رضوان وسط مدينة غزة، ما أسفر عن مقتل 16 شخصًا من العائلة، بينهم وفاء وأطفالها الأربعة.

 فيما الأب فادي الذي لا يعرف حتى اللحظة عن مصير زوجته وأطفاله، ما زال في العناية المركزة نتيجة إصابته، وتتربص بحياته العديد من المخاطر، منها احتمالية تعرض المستشفى الذي يتعالج فيه للقصف الإسرائيلي في ظل التهديدات، أو خروجه عن الخدمة بسبب نفاد الوقود، فيما لو سار الأمر كما يرام وتجاوزت حالته مرحلة الخطر، فإن أمامه تحديًا إنسانيًّا صعبًا يتمثل بمواجهة مأساته والتعايش معها، ما تبقى من العمر.

 

أكثر من 7 آلاف قتيل من المدنيين في غزة حتى اليوم الـ20 من العدوان.

 

وحشية

قصة عائلة الزوجين فادي ووفاء، التي رواها لـ”اليمني الأميركي” الصحفي الفلسطيني سائد السويركي (تربطه صلة قرابة مع السيدة وفاء)، هي واحدة “ضمن عشرات القصص المؤلمة التي عايشتها كواحد من سكان القطاع فقد 27 شخصًا من أقاربه، وكصحفي نعى أكثر من 23 من زملاء مهنته، وجميعها تثبت وحشية جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتعمده استهداف كل ما يمت للمدنيين بصلة، وكل ما ينقل صورة تلك الوحشية إلى العالم”، يقول سائد.

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في الـ7 من أكتوبر، وحتى منتصف اليوم العشرين، بلغ عدد ضحاياها من المدنيين أكثر من 7028 شهيدًا، منهم 2913 طفلاً، و1709 نساء، و397 مسنًّا، إضافة إلى إصابة 18.484 شخصًا، يضاف إليهم أكثر من 1650 مفقودين تحت الأنقاض، لم تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إليهم، بحسب وزارة الصحة في غزة.

ويذكر سائد أن “من بين حوادث الاستهداف التي كانت الأكثر رعبًا بالنسبة لي، وأكثرها وحشية وسادية من قِبل جيش الاحتلال، هي مجزرة مستشفى الأهلي العربي (المعمداني) التي راح ضحيتها أكثر من 500 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، وكان من ضمنهم ابنة شقيقتي “عبير” بسملة (14 عامًا)، وابنها عبدالله (8 أعوام).

يقول سائد: “اختارت عبير وأسرتها المستشفى كمكان للنزوح بعد اضطرارهم للخروج من منزلهم نتيجة تلقيهم تحذيرات من جيش الاحتلال بالمغادرة، لاعتقادهم بأن المستشفى سيكون في مأمن من الاستهداف، لكن إسرائيل خيبت ظنهم”.

مستشفى المعمداني كغيره من مستشفيات القطاع، كان قد تعرض للتهديد من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لإرغام النزلاء لإخلائه، كما تفيد بذلك مناشدات وتصريحات إدارة المستشفى والجانب الصحي الحكومي والمنظمات الدولية العاملة في مجال الصحة والإغاثة في غزة، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية التي أدانت، في بيان صادر عنها بتاريخ 14 من أكتوبر، أي قبل ثلاثة أيام من وقوع المجزرة، “أوامر إسرائيل المتكررة بإخلاء 22 من مستشفيات القطاع بينهم المعمداني”.

فقد الصحافي الفلسطيني سائد السويركي 23 شخصًا من أقاربه خلال الحرب.

 

مجزرة المعمداني واستهداف المنظومة الصحية

وتؤكد رئيسة المكتب الإعلامي الإقليمي للشرق الأوسط في منظمة أطباء بلا حدود، إيناس أبو خلف، في تصريح لـ”اليمني الأميركي”، أن إسرائيل “لم تحترم قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2286) والقاضي بمنح حصانة للمستشفيات والفرق الطبية والمسعفين والمرضى والجرحى عند حدوث النزاعات المسلحة”.

وتوضح أبو خلف أن “القطاع الصحي في غزة متهالك، عدد كبير من المستشفيات لم يكن القصف بعيدًا عنها، وتعرضت للتهديد المباشر للإخلاء أكثر من مرة، وعلى سبيل المثال أرغمت فرقنا في مستشفى العودة على المغادرة، وتوقفت عياداتنا التي كانت تخدم آلاف المرضى بسبب وصول القصف إلى مقربة منها”.

وتضيف: “استمرار القصف ونفاد الوقود وعدم إدخال المساعدات الطبية والإنسانية اللازمة لعمل ما تبقى من مستشفيات القطاع العاملة، سيؤدي إلى مزيد من الخسائر في الأرواح خلال الساعات والأيام القادمة نتيجة لتكدس الآلاف من الجرحى الذين يأتون بحالات صحية حرجة، ويفترشون الأرض دون أن يحصلوا حتى على مسكنات الألم، وتضطر فرقنا المنهكة نفسيًّا وجسديًّا بسبب ضغط العمل، لاتخاذ قرارات صعبة كإجراء عمليات جراحية معقدة دون تخدير أو بتخدير جزئي”.

وأدت الانتهاكات الإسرائيلية ضد المنظومة الصحية بعد 20 يومًا من العدوان، إلى مقتل 101 من الكوادر الصحية، وتدمير 25 سيارة إسعاف وإخراجها عن الخدمة، واستهدفت 57 مؤسسة صحية وأخرجت 12 مستشفى و32 مركز رعاية أولية عن الخدمة جراء الاستهداف أو عدم إدخال الوقود، بحسب صحة غزة.

وتنوه المسؤولة الإعلامية في المنظمة الصحية، إيناس أبو خلف، بأنه “باستمرار الاستهداف الإسرائيلي ومنع إدخال المساعدات الطبية والوقود، فإننا سنكون أمام تفاقم للكارثة الإنسانية التي تهدد حياة الآلاف من الجرحى فقط، ومثلهم من المرضى الذين يحتاجون لأجهزة تنفس صناعية كالأطفال الرضع داخل الحضانات، وكذلك مرضى السرطان والفشل الكلوي، وغيرهم”.

 وتدعو أبو خلف العالم إلى ضرورة التحرك لوقف الهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين والقطاع الصحي، وإدخال المساعدات والفرق الطبية المتخصصة، وتخصيص مساحات آمنة لتقديم الرعاية الطبية لمن هم الآن في أمسّ الحاجة لها من سكان القطاع”.

24 صحافيًّا تم استهدافهم من قِبل إسرائيل خلال أيام الحرب حتى اليوم الـ20.

 

مجزرة كنيسة الروم الأرثوذكس

لم تقتصر الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين والأعراف الإنسانية الدولية بتدميرها المستشفيات والمرافق الصحية والوحدات السكنية والبنية التحتية (أكثر من 200 ألف وحدة سكنية طالها الضرر، بنسبة 25% من المناطق المأهولة في القطاع بحسب سلطات غزة حتى اليوم العشرين من العدوان)، وممارسة أسلوب العقاب الجماعي بمنع إدخال المساعدات على سكان القطاع فقط، بل طالت المخابز، والمقاهي، ومراكز الإيواء، ودور العبادة للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، بما فيها تلك التي تُمثل رمزية تاريخية وحضارية للإنسانية جمعاء، ككنيسة الروم الأرثوذكس، ثالث أقدم كنائس العالم، التي صلب على أسوارها 17 شهيدا من النازحين المدنيين (مسيحيين ومسلمين)، بغارة للطيران الإسرائيلي.

ويوضح مدير علاقات كنيسة الروم الأرثوذكس، التي استهدفها القصف الإسرائيلي، كامل عياد، في حديثه لـ”اليمني الأميركي”، أن “مسيحيي غزة الذين يبلغ عددهم نحو ألف شخص، لجأوا إلى كنيستين، واحدة منها كنيسة الروم الأرثوذكس، بعد تضرر منازلهم وتقطُّع السُّبل بهم جراء اشتداد القصف على القطاع، ظنًّا أن دُور العبادة خارج دائرة الاستهداف، ناهيك عن كون الكنيسة أبلغت بطريكية الروم الأرثوذكس واللاتين بالقدس عن مكان تواجد النازحين، وبدورها وضعت سلطات إسرائيل بصورة الوضع”.

أكثر من 500 شخص قتلتهم إسرائيل في مجزرة المعمداني. 

 

دعوة لإيقاف الإبادة والعقاب الجماعي

مسؤول الإعلام الحكومي في غزة، سلامة معروف، يضع قراء “اليمني الأميركي” أمام المأساة القائمة في القطاع، بالقول: “القصف الصهيوني يدمر كل مقومات الحياة في القطاع، لقد تم القصف بأكثر من 12 ألف طن من المتفجرات، ونجم عن ذلك مجازر وحشية ومستمرة في كل لحظة بحق الأطفال والنساء، باستخدام أسلحة محرمة دوليًّا، بينها الفسفور الأبيض، بالإضافة إلى فرض جريمة عقاب جماعي على المدنيين، أكثر من مليون و400 ألف مواطن باتوا نازحين خارج منازلهم بهدف تهجيرهم إلى خارج فلسطين”.

وفي سياق العقاب الجماعي الإسرائيلي المفروض على سكان غزة، يوضح المسؤول الحكومي، أنه “لم تدخل حتى اللحظة سوى (74  شاحنة، بعضها تحمل مواد غير إسعافية، ولا تفي بإنقاذ الوضع الصحي والإنساني الحرج، ناهيك عن عدم وجود ضمانات حقيقية لإدخال المساعدات العالقة، ولو استمر الأمر أكثر على هذه الوتيرة فإن إدخال حزمة مساعدات بذلك الشكل لن يعدو كونه سوى عملية تبييض لوجه الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة لإيهام المجتمع الدولي بأن هنالك خط إمداد مفتوح للفلسطينيين، بينما الواقع مخالف لذلك”.

ويؤكد أن “الوضع يتطلب فتحًا فوريًّا ودائمًا لمعبر رفح، وتدشين ممر آمن لتدخل من خلاله كل المستلزمات الإنسانية والإغاثية، بدءًا من الوقود، ومرورًا بالأدوية والمستلزمات الطبية التي حددتها وزارة الصحة والاحتياجات التي تحتاجها مختلف القطاعات، وصولاً إلى المواد التموينية التي بات فيها شحًّا ونفادًا، وبالضرورة أن يشمل هذا الممر إخراج الجرحى والمصابين لتلقي العناية الطبية، التي لا تستطيع المنظومة الصحية بوضعها الحالي توفيرها”.

ويستنكر سلامة ازدواجية المعايير التي ينتهجها المجتمع الدولي، بما فيه مجلس الأمن، بالتعامل مع الوحشية الإسرائيلية وجرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها في حق الشعب الفلسطيني في غزة، ويشدد بوجوب أن “يتداعى العالم لوقف العدوان الإسرائيلي السافر سريعًا، ومنع تداعيات جريمة العصر”.

بينما يستمر المجتمع الدولي في التغاضي عن واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية على مر العصور، يمعن الاحتلال الإسرائيلي في إبادة البشر في غزة، باعتبارهم مجرد حيوانات بشرية، كما وصفهم وزير حربه “يوآف غالانت”، الذي يواصل تحقيق تعهده “بفرض حصار كامل على قطاع غزة، لا كهرباء، لا طعام، ولا ماء ولا غاز، كل شيء مغلق”.

   
 
إعلان

تعليقات