Accessibility links

متلازمة الصفحة الفارغة.. انطفاء الكاتب واستعصاء الكلمة!


إعلان

بلقيس محمد علوان*

لتسعين يومًا لم أتمكن من كتابة سطر واحد، محاولات وانسحاب وتوارٍ، ليس عن الكتابة فقط وإنما عن النشر والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا.

لم تكن هذه المرة الأولى التي أتوقف فيها عن الكتابة، المختلف هذه المرة سيطرة حالة من السخط على الكتابة ذاتها، المعتاد والمتعارف عليه بين الكتّاب أن حالات التوقف تحدث بسبب التعرض لضغوط كثيرة، أو الالتزام المهني بالكثير من الكتابة التي يحدث بعدها حالة من التوقف وعدم التمكن من المواصلة رغبة في قسط من الراحة والاسترخاء للعودة من جديد للكتابة.

كانت تكفيني أربعة أيام في إب في حضرة أمي وبيت عائلتي لأجدني بعدها متحمسة للكتابة، وتبدأ الأفكار والعناوين تتزاحم وتتدفق في ذهني، وفي مرات أخرى تكون القراءة ملاذًا آمنًا ومحطة للتزود والبدء من جديد، وفي الفترات التي كانت الكتابة إلزامًا مهنيًّا لم تكن تلك التوقفات تطول، وقد تنعدم، وبالنسبة لشخص يعتبر الكتابة رئة ثالثة ليس من السهل أن يتوقف عن الكتابة، وإن وقع تحت طائلة متلازمة الورقة الفارغة أو الورقة البيضاء أو ما يطلق عليه “جمود الكاتب” فهو في مأزق حقيقي، وإن كانت الكتابة حرفته ومصدر دخله فهذه ورطة كبيرة.

لم يُصغ مصطلح “جمود الكاتب” إلا في عام 1947 من قبل الطبيب النفسي النمساوي إدموند بيرجلر، ويمكن لجميع أنواع الكتاب، بما في ذلك المهنيين المتفرغين، والأكاديميين، والعاملين في المشاريع الإبداعية، وأولئك الذين يحاولون إنهاء المهام الكتابية، أن يتعرضوا لهذه الحالة التي لها أسباب عديدة، بعضها لا علاقة له بالكتابة ويتفق غالبية الباحثين في هذا الشأن على أن معظم أسباب جمود الكاتب أو قفلة الكاتب  “Writer’s Block”لها مكون عاطفي/ فسيولوجي، وتحفيزي، ومعرفي، وكاتبًا كنت أو شاعرًا فقد تصاب بهذه المتلازمة التي عبر عنها الشاعر محمود درويش بقوله: هل يصيبك هذا العقم المفاجئ؟ هل يجتاحك الإحساس بالهزيمة النهائية إذا توقفت أسبوعًا واحدًا عن الكتابة إلى درجة تنسى معها أنك قد أنتجت كثيرًا هذا العام؟، وعندما سئل ارنست هيمنجواي “صاحب جائزة نوبل في الأدب”: ما أكثر المخاوف التي واجهها في حياته؟ وعلى الرغم من أنه تصارع مع ثور في إسبانيا وصاد الكثير من الحيوانات المفترسة في إفريقيا ونجا من رصاصة في الحرب أثناء عمله كمراسل إلا أن إجابته كانت: الورقة الفارغة!! 

غالبًا ما تحدث متلازمة الصفحة الفارغة عندما تكون الحياة مرهقة بالفعل في مجالات أخرى، يمكن أن يعني ذلك العمل أو العائلة أو الأصدقاء أو الصحة أو بيئة العمل، فإذا كان الكاتب في حالة من القلق، ولديه العديد من المهام للقيام بها، فما أن يحاول البدء بالكتابة حتى يجد نفسه قد توقف قبل أن يبدأ وتظل الصفحة فارغة يحدق فيها، يتركها ويعود إليها مرة ومرات لكنها تظل فارغة.

في محاولة للاقتراب أكثر من مصادر عديدة هناك أسباب كثيرة تقف وراء هذه المتلازمة، ويفهم ويتفهم أغلب الكتاب الأسباب ويدركونها ولكل منهم استراتيجيته للخروج من هذه الحالة، وقد أجرى عالما النفس بجامعة “يل الأميركية جيروم سنجر ومايكل باريوس” دراسة على مجموعة من الكتاب المحترفين الذين يعانون من قفلة أو جمود الكاتب، من تخصصات مختلفة في الكتابة الإبداعية. خَلُصَت إلى أن من أهم الأسباب: القلق والتوتر، بسبب النقد الذاتي المفرط، والبحث عن المثالية، واللامبالاة وفقد الدافعية، والخوف، إذ يخشى الكثير من الكتاب من وضع أفكارهم وأنفسهم في مقارنة مع الآخرين فيجدون أنفسهم في مرمى نيران النقد والحكم الخارجي عليهم.

وبعيدًا عما توصلت إليه الدراسة هناك بعد آخر يمكن أن يقف وراء الوقوع في هذه المتلازمة يتلخص في أسئلة من قبيل: هل يصل ما أكتبه؟ هل هناك من يقرأني؟ هل مازال مزاج القارئ في العصر البصري وعصر الفيديو مرتبطًا بالقراءة؟ وفي عصر الصحافة الرقمية ما موقع المقال الصحفي، وما حصته من اهتمامات القراء؟ الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن التحول الكبير من الطباعة إلى الرقمية يقود إلى تحول متزامن من القراءة إلى “تصفح الإنترنت” بين فئة الشباب بشكل خاص ومجمل المستخدمين بشكل عام. ويرتبط انخفاض معدل القراءة بالزيادة في المشاركة في مجموعة متنوعة من الوسائط الإلكترونية، بما في ذلك الإنترنت، ألعاب الفيديو، والأجهزة الرقمية المحمولة، وصار تعليق من قبيل: الفكرة جيدة لكن الموضوع طويل تعليقًا مألوفًا في تفاعلات وتعليقات من يقرأ.

يتناقص عدد قراء المحتوى الصحفي عمومًا والمقال الصحفي على وجه الخصوص للحد الذي يقلق الكاتب، وبالقدر الذي يجعله يفكر هل يستمر في الكتابة لقراء يتناقصون يومًا بعد يوم؟ أم يبحث عن تقنيات تواكب مزاج وعادات القراءة لدى القارئ في العصر الرقمي؟ أو يستسلم لمتلازمة الصفحة الفارغة؟

* كاتبة واكاديمية يمنية.

   
 
إعلان

تعليقات