Accessibility links

ما وراء تسوُّل النساء بالأطفال في شوارع صنعاء؟


إعلان

أطفالٌ ينامون على رصيف التسوّل… ظاهرة ضاعفتْ منها الحرب

صنعاء – “اليمني الأميركي” – محمد العلفي

تتوجه زهرة صباح كلّ يوم، وهي تحملُ طفلها الصغير، للجلوس على أحد أرصفة جولة حَدّة بصنعاء، وما أنْ تستقر في مكانها وطفلها نائم في حجرها، حتى تبدأ باستجداء المارّة، وكلها أملٌ أنْ ينتهي اليوم ولديها ما يكفي حاجة أسرتها.

عند وصولي إليها وطفلها نائم في حجرها التفتت وعيونها المنكسرة تحملُ الأمل بما سنجود به عليها، ولدى سؤالي إيّاها أجابت: «أنا أعولُ خمسة أطفال، وكنتُ أعيشُ مع أسرتي في منطقة حرض (غرب البلاد)، معزَّزين مكرمين، لكن بسبب الحرب وغارات صواريخ الطيران نزحنا إلى صنعاء»، «الحاجة دفعتني للخروج إلى الشارع وتسوُّل الناس».

لا تصطحبُ زهرة معها في مهمة التسول في الشارع سوى طفلها الصغير، الذي تجلس به على رصيف يشاركها فيه نسوة أُخريات، كل منهن لديهن أطفال، ويتسولن المارة؛ وكأنّ وجود طفل يُعزِّزُ من مأساة حالاتهن… وهو ما يفرض أكثر من سؤال إزاء هذه الظاهرة الآخذة بالتوسع، لا سيما خلال سنوات الحرب المستعرة في البلاد.

لا تصطحبُ زهرة معها في مهمة التسوّل في الشارع سوى طفلها الصغير، الذي تجلسُ به على رصيفٍ يُشارِكُ فيه نسوة أُخريات كلّ مِنهنّ لديهنّ أطفال ويتسوّلنَ المارة

 

على ذات الرصيف، بالقرب من زهرة، كانت هناك شابّة، يوحي مظهرها بصغر سنِّها، وعدم تجاوزها لِسنّ العشرين عامًا؛ وهي الأخرى كان في حجرها طفلة صغيرة توحي بذلك ملابسها… وبنظرة إشفاق حاولتُ أنْ أفتحَ معها حوارًا في محاولة للتعرف إلى الظروف التي دفعتها للجلوس على قارعة الطريق، وما إن كانت أمًّا للطفلة التي في حجرها… وهنا تخوّفتْ وردّتْ باقتضابٍ وتحفُّظٍ، قائلةً: الحاجة دفعتني للجلوس هنا ومطالبة الناس واستعطافهم، مُضِيفةً: «لو لم أكن محتاجة ما ذليت نفسي وهِنت بنتي في الشوارع والجولات».

ومن ثَم أحجمت عن إعطاء أيّ إجابات أُخرى حول الظروف التي دفعتها للخروج إلى الشارع بهذا العمر، والعمل في التسول… وغيرها من التفاصيل.

توسُّع الظاهرة

صار التسول من قِبل نساءٍ مع أطفال ظاهرة تتسعُ في شوارع صنعاء خلال السنوات الأخيرة؛ ففي تقاطع شارعَي الزبيري وحَدّة يُلفتُ انتباهك خطٌّ طويل من النساء يجلسن على الرصيف، وجميعهن يحتضنّ أطفالًا، ويتسولنَ الناس من خلال استغلال طفولة لا يعلم المارة عنها شيئًا؛ الأمر الذي يُدمي الفؤاد، ويفتح الباب واسعًا للعديد من التساؤلات حول أسباب خروجهن بأطفالهن إلى الشارع، كما يفتح الباب على مصراعيه للتأويل والتكهنات ونسج القصص.

انتهاك الطفولة

واعتبر أحد الأخصائيين الاجتماعيين هذه الظاهرة نتيجة طبيعية لآثار الحرب والحصار منذ ما أسماه بداية عدوان التحالف على اليمن في شهر آذار (مارس) عام 2015 وإلى اليوم، وما ترتب عن الحرب من توقُّف لكثير من الأعمال التجارية، وتزايُد حركة النزوح، وتوقُّف صرف مرتبات الموظفين؛ ما ضاعف من معاناة الطبقة الفقيرة.

«كثير من النساء فقدنَ معيلهنّ، أو فقدن مصدر دخلهنّ الوحيد، ولم يعُد أمامهن إلا اللجوء للشارع والتسول».. «إن استغلالهن للأطفال هو وسيلة لاستعطاف المارة؛ ما يدفعهم لمنحهنّ بعض المساعدة المالية؛ وهذا انتهاك لحقوق الطفولة».

وأضاف: «أنهن بذلك يعرّضْن صحة الأطفال للخطر، كما يضعنَ براءة هذه الطفولة أمام محكٍّ خطير قد يؤثر في رؤيتهم وعلاقتهم المستقبلية والإيجابية بالحياة؛ وبالتالي ينشؤون على سلوكيات سلبية مُضِرّة بالمجتمع، علاوة على ما قد تتعرض له هؤلاء النسوة؛ فالشارع لا يرحمُ أحدًا».

عمل منظم

أحد مُلاك المحلات التجارية في العاصمة يعتبرُ تسوّل هؤلاء النسوة باستخدام الأطفال لا يخرج عن كونه عملًا منظمًا تديره جماعات، حدّ قوله، مدلِّلاً على ذلك بوجود أطفال شوارع يتم استغلالهم، سواء بموافقة أُسرهم أم نتيجة تواجدهم في الشوارع تحت إشراف مَن يتولى توزيعهم في الشوارع، وهؤلاء في نهاية اليوم يقومون بتسليم ما تحصّلوا عليه إلى الشخص المسؤول عليهم مقابل نسبة معيّنة.

أما لطف عبدالله، سائق باص، فقد تساءل: ما الذي يجعلُ الأطفال ينامون بجوار أو في حجر المرأة المتسولة، والتي قد لا تكون والدتهم… فرغم ضجيج السيارات والمارة وحرارة الشمس إلا أنك تراهم نائمين لساعات طويلة، وهذا يخالفُ طبيعة الطفل؛ حيث إنه كثير الحركة. معتقِدًا باحتمالية «إعطائهم عقاقير تنويم أو ما شابه، بما يمكنهم من البقاء نائمين».

لكن ورغم تفاوت وجهات النظر في قراءة هذه الظاهرة لصحيفة (اليمني الأميركي)، إلا أنها في الأخير تعكسُ الوضع الإنساني المأساوي الذي وصل إليه الحال في اليمن جراء الحرب والحصار المفروض لأكثر من خمس سنوات، كما تُمثِّل تهديدًا خطيرًا للمستقبل؛ فهؤلاء النسوة والأطفال معرّضون في الشوارع لأبشع التحديات والمخاطر.

تتعرضُ المتسولات والأطفال لجميع أشكال المعاناة في الشارع؛ ففي نهاية يوم عصيب تقاسي فيه زهرة الكثير، تقول إنها بالكاد تحصلُ على مبلغ ما بين ثلاثة آلاف وخمسمئة، وثلاثة آلاف ريال (ستة دولارات)، «أحيانًا لا أحصل في اليوم إلا على ألف وخمسمئة ريال (أقل من ثلاثة دولارات)».

   
 
إعلان

تعليقات