Accessibility links

مارثون الفرح بالناشئين.. ليس (فنتازيا) اصطناعية.. ولا (تراجيديا) هندية..! ولكن.. (غصن القنا حقَّنا.. خرج لنا في اليانصيب..)


إعلان

عبدالله الصعفاني*
نعم.. لم يكن ماراثون الفرح فنتازيا اصطناعية، ولا مشهدًا في مسلسل  هندي تراجيدي، ولكن كان هناك من الجمهور، ومن أفراد بعثة منتخب الناشئين من استسلم للبكاء مرات ومرات، واحدة منها داخل الحافلة واللاعبون يشاهدون جحافل المشجعين في مدينة معبر يحاصرون الحافلة التي تُقِلهم، حتى إن من المحتشدين من قذف بنفسه أمام عجلات الباص، رغبة في إيقاف محركاته تمامًا؛ ليتمكن من مصافحة الناشئين الحائزين على كأس بطولة غرب آسيا.

* وإذا أردتم معرفة حجم فرحة صنعاء، ذمار، إب، تعز، وعدن بنجوم منتخب الناشئين عقب عودتهم من السعودية بكأس هذه البطولة، فإن عليكم تأمّل مسحة الحزن التي أصابت مناطق أخرى مرّ منها المنتخب، ولم يسمح مسار برنامجه بتوقف حافلته للتحية والمباركة والسلام والكلام.

* ولذلك حرص الكابتن قيس صالح، مدرب المنتخب، على الاعتذار باسم اللاعبين لأهالي يريم تحديدًا لعدم توقف حافلة الأبطال لمصافحة محتشدين أحاطوا المنتخب على امتداد طريق العبور، ولعل قادة الرحلة أرادوا توزيع الإحباط على مشجعي ذمار أسوة بجمهور يريم عن طريق مخادعتهم بحافلة خالية.. والمهم أنه كان ما كان من حصار حافلة اللاعبين بمحبين صادقين وعشاق غير ضالين في أكثر من منطقة، ولا غرابة؛ لأنها كرة القدم المجنونة الساحرة وعدواها الجماعية.

* يبدع اللاعبون ويفوزون فيثيرون الحماسة الجماهيرية على نحو ظهر في هجرة أهالي مناطق ريفية نحو الخط الأسفلتي الأسود بين إب وصنعاء، حتى راودتني فكرة أن يصل المنتخب إلى صنعاء من الحديدة، ولسان حالي قول المغنّي الشعبي (من تعز إلى الحديدة.. الطريق مش بعيدة..).

والحق أن مظاهر الانتظار في ميدان السبعين، مساء الثلاثاء، وكثافة المشاركة الرسمية والشعبية في الفرحة بالمنتخب، صباح الأربعاء، على ملعب مدينة الثورة بصنعاء شكلت ذروة مظاهر البهجة والسرور، وهو أمر طبيعي بالنسبة لصنعاء التي حَوَت فنون احتضان الجميع بالجميع، حتى في أصعب المواقف والصراعات.

* وفي كل مرة أحاول فيها تَفهُّم من يعتقدون أننا كيمنيين أفرطنا في الفرحة زمنًا ومظاهر حتى استدعى البعض عبارة (قليل العقل مرتاح)، أجدد الاعتقاد بأن ما حدث من مظاهر الفرح الجماهيري التلقائي يجعلك كمراقب لا تملك إلا المواكبة احترامًا لهذا المزاج الشعبي المتعطش لأيّ صورة من صور الفرح بإنجاز رياضي غير مسبوق، حققه ناشئون غادروا اليمن المقهور بالحرب طلبًا لتحسين الصورة والعرض المشرّف، فإذا بهم يخطفون البطولة وبجدارة.

* وللباحثين عن تفسير لكلّ هذا الفرح الذي لم يؤثر فيه عامل تقادم لحظة الإنجاز ثمة كثير من التفسيرات الذاتية والموضوعية، أبرزها معنى أن يتفوق فتيان بلد مكلوم على أقرانهم في دول غرب القارة الآسيوية في زمن الحرب، ما يعني أن الشعب اليمني على امتداد اليمن الطبيعي صار يبحث عن كل ما يقوي مناعته، ويعزز صموده أمام قسوة الحرب وانقطاع المرتبات وشظف العيش.

* ومن صور الجمال الإضافية للفرح في مراحله الأخيرة أن بطولة الناشئين وهي تتحول من حالة رياضية تنافسية إلى  فعل تاريخي لم تشهد هذه المرة إطلاق الرصاص، ولا راجعة القاتل الحارق، ولا خسائر في الأرواح والمعدات، كما انتصرت الحفاوة لقيم العدالة والسماحة التي رأيناها في الحرص على أن يظهر الكابتن علي النونو في الحافلة التي استقلت المنتخب إلى ساحة ملعب مدينة الثورة، وقادها نائب أمين العاصمة ورئيس نادي وحدة صنعاء الرياضي المحترم أمين جمعان كتعبير منه عن الامتنان لمن حققوا الإنجاز، وكان النونو شارك في اختيار  بعض لاعبي منتخب الناشئين، لكن تصريحات علي النونو أدت إلى الإطاحة به من موقع مساعد المدرب قيس محمد صالح، وتعيين الكابتن فيصل أسعد بديلاً عنه، بل إن هناك من يرجو إنهاء مستقبله التدريبي.

* واللفتة الجميلة الأُخرى هي ضم الحكمَين أمين ردمان وفهد البجيري إلى قائمة المكرمين بعد أن تجاهل اتحاد كرة القدم كونهما جزءًا من تمثيل اليمن ضمن حكام بطولة غرب آسيا، ليسافر المنتخب إلى قطر ومصر، ويعود الحكمان المذكوران إلى اليمن برًّا، ويعْلقان على الحدود اليمنية السعودية بخلفية انتهاء الرخصة، وكأنهما ليسا جزءًا من التمثيل اليمني من موقع قضاة البطولة.

* وحول السؤال الذي تبادر إلى الأذهان، ويتبادر الآن.. ماذا بعد رحلة الفرح الطويل، فإن أمورًا احتفائية تنتظر لاعبي منتخب الناشئين عندما يعودون إلى مناطقهم.. فلاعب منتخب الناشئين الآن كما أنه صار بطلاً قوميًّا لبلاده، سيكون – أيضًا – بطلاً في محافظته، بطلاً في ناديه، وبين أولاد حارته، وقد يقول في حالة انتشاء:

أنا أغنى واحد في الحارة..
ومن غير المستبعد أن يسمع اللاعبون، وهم يمرون في الأحياء، أصواتًا ناعمة تحسُب ما حصل عليه كل لاعب ثم تغنّي.. (غصن القنا هو حقنا.. خرج لنا في اليانصيب..)

* شكرًا  لكم أيها الفتيان الأبطال، وأنتم تشعلون في النفوس الكثير من مشاعر الحماس والفخر، وتحية للجهاز الفني التدريبي، الكابتن المدرب قيس محمد صالح، والكابتن المساعد فيصل أسعد، ومدرب الحراس محمد درهم، الذين قادوا الناشئين لصناعة مارثون الفرحة في الزمن الصعب..!

*ناقد رياضي يمني

   
 
إعلان

تعليقات