Accessibility links

إعلان

سفيان الثور

يتجدد الجدل عقب نهاية كل مونديال لكرة القدم حول أفضلية نجم المونديال الأخير مع نجوم مونديالات سابقة، وعقب مونديال قطر 2022 تجدد الجدل – كالعادة – حول الأفضلية بين مارادونا وميسّى، لا سيما وأن الأخير جدد فوز الأرجنتين بالكأس، الذي سبق وفازت به مع النجم الأسطورة مارادونا.

منذ انتهى مونديال قطر بما تحقق له من نتائج مبهرة، عاد السؤال القديم الجديد: مَن النجم الأفضل عبر تاريخ كرة القدم؟ وذلك بالمقارنة، هذه المرة، بين أسطورتين (دييجوا مارادونا وليونيل ميسّي)، خاصة بعد تحقيق الأخير كأسه العالمية الأولى بعد ثلاث محاولات فاشلة (2014، 2018، 2010)، ثم تحقيقه كل البطولات المتاحة مع ناديه السابق برشلونة الإسباني ومنتخب التانغو حامل لقب (كوبا أمريكا) الأخيرة، وبين دييجوا أرماندو مارادونا بطل العالم 1986م في المكسيك… تلك البطولة التي أطلق عليها، فيما بعد، كأس مارادونا، في حدثٍ نادرًا ما تقترن فيه نسخة عالمية باسم لاعب بذاته، انطلاقًا من نتاجه الفني والقيادي وأهدافه الخمسة الخالدة في الذاكرة العالمية، خاصة هدفه الثاني في مرمى بيتر شيلتون حارس منتخب إنكلترا حينها، في دور ربع النهائي، مرورًا بهدفيه في مرمى منتخب بلجيكا في نصف النهائي، وصولاً إلى تمريرة هدف الفوز على المنتخب الألماني في النهائي، الذي انتهى أرجنتينيًّا بنتيجة 2/ 3.

لم ينحسر الأمر في ذلك، بل امتد إلى مسيرته الاستثنائية مع النادي ومدينة الجنوب الإيطالي (نابولي)، والتي حولها إلى قبلة كرة القدم العالمية للفترة من 84/ 1991م، بالإضافة إلى الصعود بالنادي من مصاف الأندية المهددة بالهبوط إلى الدرجة الثانية، إلى بطل إيطاليا لمرتين، وبطل الكأس في مواجهة أندية الشمال الغني (يوفنتوس)، روما، وفريقي عاصمة الموضة (ميلان، الانتر). 

في ظل هذا النقاش (الجدل) بين مناصري اللاعبين، يتجلى السؤال الأهم: هل هناك أفضلية مطلقة في المجالات الإبداعية؟ ومنها كرة القدم، أم أن الأفضلية هنا نسبية.. وأن معايير هذه الأفضلية تخضع لثقافة المشاهد (أهداف، مهارة، نواحٍ بدنية) إلى آخره.. وما هي مقاييس هذه الأفضلية؟.. هل هي الأرقام الفردية التي وإن دلت على تفوق معين تظل ملكية خاصة للاعب؟ أم الإرث الفني الذي تركه هذا اللاعب أو ذاك في الذاكرة خلال مسيرته المهنية مع مراعاة الفوارق الفنية والزمنية التكتيكية كأسلوب لعب المنافسين وجودتهم (أفرادًا ومجموعات) في الأزمنة المختلفة، أم الفارق الهائل في النقل التلفزيوني الذي أضاف جمالية بصرية وإحاطة بأدق التفاصيل من خلال عشرات الكاميرات الموزعة بعناية على مختلف أرجاء الملعب، علاوة على عناصر اللعبة: لاعبين، حُكامًا، وجمهورًا.. وأخيرًا قانون حماية النجم باعتباره مصدر المتعة والتسويق معًا.. أم على مستوى تأثيره الإيجابي أو السلبي في المجتمع؟ 

توصف كرة القدم بأنها حالة إبداعية كغيرها من المجالات الإبداعية المختلفة (فنون، آداب)، وغيرهما…  يصعُب معها الجزم المطلق بأفضلية دقيقة لشخص على سواه عبر التاريخ… لأنها أمور لا تخضع للأرقام والتقديرات الحسابية، إنْ جاز التعبير.

مما لا شك فيه أن نقاش الأفضلية سيظل مفتوحًا على مصراعيه إلى ما لا نهاية؛ نتيجة تراكم الإرث الكروي الإبداع، الذي تركه اللاعبان (مارادونا وميسي) في ذاكرة عشاق كرة القدم العالمية، وأكثرهم حظًّا أولئك المخضرمون الذين عاصروا الأسطورتين (وأنا منهم)، وكانوا الأوفر حظًّا من غيرهم بتلك المعاصرة والاستمتاع بمشاهدة تجربتي هذين النجمين، لكن الأكيد بأنهما أسطورتان لن تتكررا على المدى القريب، والأكيد أيضًا أنهما سجلا تاريخًا لن يُنسى، وستبقى كرة القدم بأساطيرها: مارادونا، ميسي، بيليه، كرويف، بيكنباور، زيدان، رونالدو الظاهرة، روماريو، وغيرهم  مدينة وملهمة لكل الممارسين والمتابعين لعقود قادمة، وسيظل هذا الإرث العظيم جزءًا مهمًّا من تاريخ كرة القدم، الذي بدأت أولى مبارياتها على مستوى المنتخبات في العام 1872م بالمباراة التي جمعت منتخبي إنكلترا واسكتلندا، والمنتهية بالتعادل السلبي.

مما سبق نخلص إلى أنه ليس من السهولة تحديد اتجاه بوصلة الأفضلية الإبداعية في كرة القدم باتجاه ما، وبالتالي تبقى المقارنة مفتوحة، لا سيما ونحن نتحدث عن نجمين كبيرين بحجم مارادونا وميسي لكل منهما مشجعوه ومحبوه، ومن هؤلاء تنبجس المقارنة والأحكام التي لها تقديراتها التي تختلف من شخص إلى آخر.

   
 
إعلان

تعليقات