Accessibility links

إعلان

وجدي الأهدل*

قالت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل:

“يومًا ما سنخبر أحفادنا كيف هرب العرب عبر مراكب الموت إلينا على الرغم أن مكة وبلاد المسلمين أقرب إليهم!”.

إنها لمفارقة تدعو للتأمل أن المسلمين يفرون من بلدانهم ويلوذون بالبلدان التي تحكمها القوانين العلمانية العادلة! فأين عدل الإسلام؟!

في البلد الإسلامي الواحد نجد تنافرًا بين طوائفه المسلمة، فتضيق كل طائفة بالأخرى ذرعًا وتسعى إلى إقصائها أو إبادتها إذا أمكن! ليس في هذا الوصف أية مبالغة، ففي بلد كاليمن الذي ينقسم إلى طائفتين كبيرتين هما الشافعية والزيدية، نجد أن هذا التنوع البسيط غير مقبول، غير مرحب به، بل هو ذريعة للقتال، وسبب لإلغاء الآخر وتكفيره واستباحة دمه والحكم عليه مسبقًا بأنه ضال ومصيره النار، متناسين أن كلمة الفصل لله سبحانه وتعالى.

لقد وصل العقل المسلم إلى درجة الموت، فهو عقل ميت، يسيطر عليه الأموات كلية، فهو يرفض التعدد المذهبي السني- الشيعي، ويرى استحالة تعايش مذهبين إسلاميين في بلد واحد!

استطاع العقل الغربي المتفتح القبول بتعدد الأديان على أرضه، وتسامح مع الملحدين ومع أبنائه الذين تركوا دينهم واعتنقوا أديانًا أخرى.. وتحت راية الحكومات العلمانية المحايدة تتعايش مختلف الديانات والطوائف في سلام يحسدون عليه!

وأما في اليمن الدولة الإسلامية بنسبة 100% التي تخلو تمامًا من أية ديانة أخرى، نجد سفكًا للدماء وكراهية وحقدًا، وعداءً مستحكمًا، وكل طرف يزعم أنه يمثل الإسلام!

المسلمون عمومًا، يرون (العلمانية) الغربية سمًّا زعافًا، ويرفضونها رفضًا تامًّا في بلدانهم، فإذا وقعوا في شر أعمالهم زحفوا إليها حبوًا على ركبهم إلى أوروبا!

فنصيحتي لهذا الإنسان المسلم – وعلى وجه الخصوص قومي اليمانية – أن يقبلوا بنوع مخفف من العلمانية، ويتوافقوا على (علمانية إسلامية) تعطي الحرية للإنسان المسلم في أن يعتنق المذهب الإسلامي الذي يروق له.. وأعرف أن كلمة “يروق له” ثقيلة جدًا على مسامع رجال الدين، فهذه الفئة من البشر لا تعرف سوى الإكراه والإجبار والتهديد بالقتل لمن يحيد عن الأفكار التي راقت لها هي.

(العلمانية الإسلامية) هي الحل للصراع المذهبي في اليمن والعراق وسوريا وسواها من البلدان العربية – الإسلامية التي تتواجد فيها طوائف إسلامية متنوعة، فهذه أبسط صورة من صور العلمانية، وهي تضمن تعايش المسلمين فيما بينهم في البلد الواحد، في سلام وإخاء ونقاء روحي.

هناك لعن وشتم وتراشق بالألفاظ، وانحطاط في لغة الكلام بين المتخاصمين مذهبيًّا، وهذا النوع الرديء من الخطاب يورثُ دناءة في النفوس، وذبولًا في الأرض:

“إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ، لِأَنَّهُ لَا أَمَانَةَ وَلَا إِحْسَانَ وَلَا مَعْرِفَةَ ٱللهِ فِي ٱلْأَرْضِ. ٢ لَعْنٌ وَكَذِبٌ وَقَتْلٌ وَسِرْقَةٌ وَفِسْقٌ. يَعْتَنِفُونَ، وَدِمَاءٌ تَلْحَقُ دِمَاءً. ٣ لِذَلِكَ تَنُوحُ ٱلْأَرْضُ وَيَذْبُلُ كُلُّ مَنْ يَسْكُنُ فِيهَا مَعَ حَيَوَانِ ٱلْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ، وَأَسْمَاكِ ٱلْبَحْرِ أَيْضًا تَنْتَزِعُ”. سفر هوشع، الإصحاح الرابع.

عندما تقر الدولة في دستورها مبدأ (العلمانية الإسلامية) بشكل صريح دون مداورة، وتنص على حق المواطن في اعتناق المذهب الإسلامي الذي يُرضي ضميره، فحينئذٍ سيخفت صوت التعصب، ويختفي خطاب الكراهية، ويأفل نجم المحرضين على الفتن المذهبية.

ليس أمام المسلمين للنجاة من حروبهم المذهبية المزمنة منذ ألف وأربعمئة سنة سوى التوافق على تطبيق (العلمانية الإسلامية) بدلًا عن تطبيق (الشريعة الإسلامية)، فنحن قد لاحظنا مقدار الخراب الذي لحق بالإسلام والمسلمين جراء الانجرار وراء شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، وما الجرائم التي ترتكب اليوم إلا استنادًا إلى هذا الشعار المطاطي غير المنضبط.

وغالبًا مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية يعني ذبح المسلم الذي يختلف عنك مذهبيًّا.. ولا أعتقد أن هذا إنجاز يستحق الفخر، بل هو مدعاة لأن تسخر وتضحك الأمم الأخرى من المسلمين، حين تراهم على هذا الحال الشنيع من العنف وقطع الرؤوس، فيتساءلون مُنكرين هل هذا هو الدين الذي يريدوننا أن ندخل فيه؟؟ هل ننضم إليهم في حفلة الدم التي يقيمونها في بلدانهم؟؟ كلا لننجوا بأرواحنا ونبتعد عن هذا الدين!

قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

“لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض”.

لكي تتوقف الحروب المذهبية في العالم الإسلامي مرة واحدة وإلى الأبد، فإن القبول بالتنوع المذهبي – داخل إطار الإسلام – هو الحل العقلاني الممكن تطبيقه فورًا ودون تأخير.

ويجب على جميع الطوائف الإسلامية الالتزام بقاعدة الكف عن محاولة نشر عقائدها وفرضها على الطوائف الأخرى، فلا يسعى السني إلى نشر عقيدته في مناطق الشيعة، ولا الشيعي يسعى إلى نشر عقيدته في مناطق السنة، ولتكتفي كل طائفة بأتباعها، ما لم فإن خرق هذه القاعدة سيؤدي إلى صدام حتمي وحروب أهلية يصعب حسمها.

لن يتوصل العالم الإسلامي إلى السلام بين أبنائه إلا إذا وقَّع قادة الدول الإسلامية على (ميثاق شرف) ينص صراحة على حرية الإنسان المسلم في اعتناق المذهب الإسلامي الذي يختاره، وضمان عدم تعرضه للقتل أو الإيذاء أو انتهاك حقوقه كمواطن بسبب مذهبه.

العالم من حولنا يتطور ويقطع أشواطًا هائلة في التقدم العلمي والتكنولوجي، ومن العار أن يظل العقل المسلم متقوقعًا حول الماضي ومشكلاته.

لاحقًا، بعد أن يتدبر المسلمون الأحياء أمور دنياهم بعقولهم، لا بعقول الأموات الذين شبعوا موتًا، ويدركون الفوائد التي عادت عليهم من تطبيق مبدأ (العلمانية الإسلامية)، سيتشجعون على تطبيق مبدأ (العلمانية الإنسانية) التي تتسامح وتقبل بجميع البشر، بغض النظر عن عقائدهم وأعراقهم ولغاتهم، وسيعرفون أن هذا التنوع ليس خطرًا كما توهم الأجداد، ولكنه عنصر تخصيب للحضارة البشرية وعمران الأرض، وبهذا يتحقق الهدف الذي أراده الله من خلق الإنسان.

* كاتب يمني

   
 
إعلان

تعليقات