Accessibility links

لطفي عمر.. كفيف يمني يتحدى إعاقته ويعمل في إصلاح الأجهزة الكهربائية


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:

“لا يوجد شيء بإمكانه إعاقتك، طالما أن لديك شغفًا وحبًا لعملك وتفاؤلًا بالحياة، ولديك استشعارًا للمسؤولية واعتزازًا بالنفس ومش معتمد على الآخرين ولا منتظر هباتهم سواء أعطوك أو منعوك”، يوضح لـ”اليمني الأميركي”، المهندس الكفيف لطفي عمر (73 عامًا)، الذي حول جزءًا من منزله في مديرية الشيخ عثمان بمدينة عدن، جنوبي اليمن، إلى ورشة صغيرة لإصلاح وصيانة أجهزة الكهرباء كـ”الغسالات ومولدات المياه”، لما يمثله العمل بالنسبة له من أبعاد تتخطى كونه مصدرًا أساسيًا للدخل فقط إلى بعده القيمي كعمود لفلسفة عظيمة ينتهجها في الحياة مبنية على الأمل والعمل وتحدي الظروف المحبطة لبيئة الإعاقة.

تصوير: راشد مختار

 

المهندس لطفي يعيش برفقة شقيقه محمد وشقيقتهما نجوى، التي تخرجت في قسم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عدن، وتعمل كمعلمة في مدرسة خاصة بصندوق المعاقين، وجميعهم فقدو البصر في سن مبكرة من طفولتهم؛ نتيجة لعوامل وراثية، لكنهم ما فقدو بصيرتهم في فهم معنى الحياة، ولا تنازلوا عن حقهم في عيشها بكرامة. لقد كان العمل بالنسبة لهذه الأسرة المكافحة والفريدة هو سلاحها الوحيد لانتزاع الحق في الاستقرار من رحم المعاناة والظروف الصعبة التي مرت بها طويلا نتيجة للبيئة غير المشجعة لتأهيل وإدماج المكفوفين بالشكل الذي ينبغي، وكذلك ما تواجهه اليوم من تحديات معيشية صعبة نتيجة للوضع الاقتصادي المتدهور الذي تمر به البلد.

يعتمد لطفي على حاستي السمع واللمس في إصلاح الأجهزة الكهربائية.

 

كفاح واعتزاز 

ويلفت المهندس لطفي، وهو جدير بهذه الصفة، إلى أن السر في مواجهتهم لتحديات الحياة بكل ثقة وشغفهم بالعمل يعود إلى “والدي الذي كان يعمل بالإضافة إلى وظيفته كممرض في أحد المستشفيات الحكومية، بمهن عديدة كالسباكة وإصلاح الأجهزة الكهربائية ليتدبر أمر نفقات البيت وتكاليف العلاجات، كونه يعيل أسرة فيها أربعة أطفال فاقدي البصر”.

ويضيف: “كان يحثنا دائمًا على العمل، ويقول لنا اليوم أنا معكم، وغدًا قد لا أكون معكم.. وفي وقت مبكر وعمري لا يتجاوز الـ17عامًا تعلمنا منه أنا وشقيقي محمد مهنتي السباكة وإصلاح الغسالات الكهربائية ومولدات المياه، ومن يومها إلى اليوم وأنا أعمل في هذا المجال”.

عمل لطفي في مهنة إصلاح الغسالات الكهربائية برفقة والده وشقيقه لسنوات طويلة، وفي مرحلة معينة انتقل للعمل في ورشة يملكها أحد الأشخاص وحقق عمله نجاحات جعلته ذائع الصيت في مجال مهنته على مستوى المدينة، إلا أن “وفاة والدي قبل ثلاثة أعوام، وقبلها وفاة والدتي، وتعرض أخي محمد لمرض أقعده عن الحركة، اضطرني للتوقف عن العمل في الورشة لفترة قصيرة والحرص على المكوث في المنزل بجانبهم أكثر وقت ممكن، قبل أن أهتدي إلى معاودة العمل من منزلنا”.

يمثل هذا العمل مصدر دخل أساسي له ولشقيقيه الكفيفين.

 

حرفية وإتقان 

يعمل المهندس لطفي في إصلاح أجهزة الغسالات الكهربائية في ورشته الخاصة التي اتخذ من المنزل مكانًا لها، كما يتنقل إلى منازل عملائه ومرتاديه عند الحاجة إلى ذلك، وفي المواسم التي يكون فيها ضغط العمل متزايدًا يقوم بالمهمتين معًا، ويستمر في عمله حتى ساعات المساء، باذلاً جهدًا كبيرًا دون كلل أو ملل.

وحول طبيعة عمله الذي يتطلب دقة وتركيزًا قويين وتفريقًا بين موصلات الكهرباء داخل الأجهزة بالنظر لكونه من فاقدي البصر، والصعوبات التي يواجهها في ذلك وكيف يتغلب عليها، يذكر لطفي: “أنا أعتمد على حاستي اللمس والسمع في عملي بشكل أساسي، ولدي جهاز يترجم فولتية أو نوعية الموصل إلى إشارات صوتية، وذلك يسهل عملي بشكل كبير، وقدرتي بالتركيز والتعلم بفضل الله كبيرة جدًا، حيث إن أي مشكلة أصادفها اليوم، أستفيد منها وأحرص على تجنب تكرارها في الغد”.

ويضيف: “من جملة الصعوبات والمشكلات التي أواجهها بالعادة تعرضي لـ (صعق كهربائي) أو وجود تغير وتطوير في نوعية بعض الأجهزة ما بين الفترة والأخرى، لكني أتغلب عليها أولاً بفهم المشكلة التي وقعت بها ومعالجتها بشكل حرفي، بحيث أتركها لوقت معين ساعتين أو ثلاث، وأعود بعد ذلك لمواصلة العمل وقد اهتديت لحلول، ومهما يكن الأمر فالمشكلات التي يواجهها المرء في عمله طبيعية ولا يجب عليه التوقف عندها أو الاستسلام لها”.

على الرغم من ترك المهندس لطفي وشقيقه للدراسة في المرحلة الابتدائية واتجاههما للعمل بسبب ظروف الأسرة، إلا أن ما يمتازان به من ذكاء يتجلى في الاتقان للعمل بحرفية جعلتهما ذائعا الصيت في مجال عملهما وإتقانهما مؤخرًا لغة برايل (لغة خاصة بالمكفوفين)، وهو ما يحتم على الجهات المعنية في الدولة تكريمهما وتأهيلهما واستيعابهما في قطاعات حكومية، كون ذلك حقًا لهما ولكونهما أهلا لذلك الحق، إلا أن ما تم كان عكس ذلك.

يقول لطفي: “في بداية الألفية عام 2004 تحديدًا، كان لدي رغبة كبيرة بالالتحاق بوظيفة حكومية وقدمت أكثر من مرة في مؤسسات المياه وغيرها، لكن لم يتم الاستجابة لي، وكان يأتيني الرد دائمًا بأنه نريد شهادات، وعندما أثبت لهم قدرتي على العمل، كانوا يترددون ويتعذرون كيف بيشتغل هذا وهو أعمى وكيف سيستطيع… ويماطلوا، فقررت أنه انصرف إلى عملي الخاص وأعز نفسي بنفسي”.

بالعمل انتزعت أسرة لطفي حقها في الحياة الكريمة من رحم المعاناة.

 

تمسكوا بالأمل

كصاحب تجربة استطاعت قهر وتذليل ما كان يحسب في خانة المستحيل، يوجه لطفي رسالته عبر “اليمني الأميركي”، للشباب والشابات من فئة المكفوفين بشكل خاص بأن أساس النجاح: “هو بتقبل نفسك تمامًا، والرضا المنطلق من الإيمان وليس الشعور بالدونية والعجز.. أنا لم أفكر يومًا بضرورة أن يعود لي بصري حتى أستطيع مواصلة حياتي بشكل طبيعي وإيجابي، بل مارستها كما هي دون ضعف أو تقليل من قدراتي، ومهما كانت تجربتي متواضعة إلا أنني أشعر بفخر وارتياح بما حققته، وأمامكم اليوم الكثير من الفرص لصنع نجاحات أكبر وأعظم وأكثر تأثيرًا في واقعكم الشخصي وعلى مستوى البلد”.

وهي كذلك إلى الشباب اليمنيين جميعًا: “لا تيأسوا، اليأس مش مليح، إذا استسلمت لليأس ستحطم نفسك وتحطم من تعول وسيكبل الإحباط قدراتك، ولا يعود عليك إلا بالحسرة.. تمسكوا بالأمل وستتجاوزن كل التحديات”، يختم لطفي حديثه لـ”اليمني الأميركي”.

   
 
إعلان

تعليقات