Accessibility links

إعلان

وجدي الأهدل

حتى لحظة كتابة هذه الكلمات ما تزال منظمة الصحة العالمية تؤكد في بياناتها خلو اليمن من فيروس كورونا.

ولكن رغم هذه الطمأنة من أعلى هيأة صحية في العالم، فإن السلطات – على تعددها- اتخذتْ الإجراءات الوقائية الروتينية المتبعة في سائر دول العالم.

لقد جرى تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد إلى أجل غير مسمى، وإغلاق مطاري عدن وسيئون أمام الرحلات الجوية التجارية، ومطار صنعاء أمام الرحلات الإغاثية للمنظمات الأممية، وتم وضع القادمين من المنافذ البرية في الحجر الصحي.

في عدن وتعز وصنعاء صدرت قرارات شبه متصاعدة لمحاصرة وباء كورونا، لكنها لم تصل إلى درجة فرض الحجر الصحي الكامل بإلزام الناس البقاء في منازلهم.

في صنعاء جرى إغلاق الحدائق العامة، وصالات الأعراس، ومحلات الكوافير، والحمامات الجماعية، ونُقلتْ أسواق القات إلى أطراف العاصمة، وتقرر تقليص عدد الموظفين المداومين إلى الحد الأدنى.

كذلك فُرضتْ على جميع المطاعم والمحلات التجارية والدوائر الحكومية توفير معقم لليدين، وتخصيص موظف يقف عن المدخل يقوم بتعقيم الزوار عند الدخول والخروج، وإلزام العاملين في المطاعم والمقاهي والبوفيات بارتداء الكمامات والقفازات وتغطية الرأس، وفي تعز وعدن والمكلا وسائر المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية صدرتْ التوجيهات بمنع صلاة الجمعة والجماعة.

أما شعبياً فلا أحد يكترث، وتمضي الحياة كالمعتاد دون تغيير يُذكر: الشوارع تئطُ بالمشاة والسيارات، والمطاعم تئنُ من الاكتظاظ، والأسواق تكاد تنفجر من الزحام!

ونادراً ما يُرى مواطن يضع الكمامة على وجهه، وحتى قرار إغلاق الجوامع لم يلتزم به اليمنيون، وراحوا يصلون خارجها.

هناك استخفاف عام بخطورة فيروس كورونا، فالأعراس الصاخبة تُقام في الحارات وأسطح المنازل، والتجمعات كالعهد بها في مقايل القات والمقاهي وأسواق القات.

لكن رغم هذا الاستخفاف الظاهري، فقد برزت تقاليد اجتماعية جديدة، وأنماط سلوك غير معتادة بالنسبة لليمنيين، ومنها مثلاً الكف عن المصافحة واستبدالها بالسلام لفظاً “السلام تحية”، وأما العناق والتقبيل على الوجه فلم يعد مقبولاً من الناحية الصحية!

وكذلك تزايد الاهتمام بالنظافة الشخصية، مثل غسل اليدين عند العودة إلى الدار مباشرة، وتعقيم الأغراض المجلوبة من الخارج، ومشاركة ربات البيوت في حملة نظافة شاملة غير مسبوقة، يشهد عليها شح مواد التنظيف في الأسواق وارتفاع أثمانها.

إذا كان العالم كله قد تضرر من فيروس كورونا، فهل يمكن لليمن أن تُحقق فائدة غير متوقعة أتت كهبة من السماء من انتشار هذا الوباء؟

إن الحرب التي دخلت عامها السادس، قد يتمكن فيروس كورونا من اختراق رئتيها، وخنقها حتى تلفظ أنفاسها، وتموت كجيفة غير مأسوف عليها..

لقد وجهتْ الأمم المتحدة دعوة إلى أطراف الصراع في اليمن للتوافق على هدنة، بغرض التفرغ لمواجهة فيروس كورونا الذي يضرب الكرة الأرضية، وللمرة الأولى يوافق الحوثيون والشرعية والتحالف على الهدنة، ولكن المفاجأة أن الهدنة لم تحدث، وكأن هناك أطرافاً خفية لا تُرى بالعين المجردة – شبيهة بفيروس كورونا- لا تبالي بمحنة الشعب اليمني.

وبدون لف أو دوران، فإن الدول التي تبيع السلاح لأطراف النزاع في اليمن، هي الطرف الثالث الذي لا يرى مصلحة من وراء وقف نزيف الدم على الأرض اليمنية.. وهي الدول التي أعمى بصيرتها الجشع عن إبداء الرأفة تجاه المأساة الإنسانية العظيمة في اليمن، ولعل فيروس كورونا الذي يُذيقها شيئاً يسيراً من أهوال الحرب في اليمن يجعلها تفتح عيونها على اتساعها، وتقول كلمتها أخيراً وتُلزم جميع الأطراف بوقف إطلاق النار.

يتحدث فيروس كورونا إلى العالم قائلاً:

“كفوا أيديكم عن تصنيع الطائرات الحربية والمدافع والدبابات والبنادق والمسدسات والألغام والصواريخ والقنابل، كفوا عن إنتاج الحروب! توقفوا عن كسب لقمة عيشكم من إراقة الدماء، وإلا فإني آتٍ مع إخوة لي أولي بأس لا تعرفونهم إلى عقر داركم لأخلص العالم من شركم”.

تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة أكبر دول العالم التي تبيع السلاح، فهل يمكن لشركة لوكهيد مارتن للصناعات العسكرية أن تمنع فيروس كورونا من اقتحام المدن الأمريكية وحصد أرواح الأمريكيين؟؟

هل يمكن للألغام الفردية التي تنتجها المصانع الحربية في أمريكا وروسيا وبريطانيا والصين أن تحول دون تقدم قوات كورونا المرعبة ومنعها من غزو بلدانهم؟؟

لماذا هذا العالم الذي يزعم أنه متحضر يسمح لمصانع الألغام الفردية بالاستمرار في الإنتاج ولا يحظرها؟؟ وهي منتجات متخصصة في حصد سيقان البشر فقط.. فهل يستمتع أرباب هذه الصناعة الشنيعة بمشهد الملايين من البشر الذين فقدوا أطرافهم بسب جشعهم؟؟ هل ينتمي ملاك مصانع الألغام الفردية إلى فئة البشر أصلاً؟؟ إن كانوا بشراً فهم مرضى بالسادية، ويتوجب على الأنظمة السياسية ذات الدساتير الديمقراطية أن تقبض عليهم وتودعهم في مصحات الأمراض العقلية والعصبية.

هل بمستطاع طائرات التورنادو الحربية المتطورة التصدي لفيروس كورونا ومنعه من غزو رئات القادة السياسيين البريطانيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء بوريس جونسون؟؟ هل تستطيع دبابات أي إم إكس- 56 لوكلير فخر الصناعة الفرنسية وقف زحف الجيوش الكورونية؟؟ كل هذه الأسلحة الفتاكة عديمة الجدوى، والإنسان الذي صنعها واستخدمها يستحق رداً موجعاً من الطبيعة الأم لتأديبه.

ليست هذه لهجة شماتة من الشعوب، ولكن من حثالة الرأسماليين الذين يربحون ثرواتهم عن طريق الولوغ في دم الإنسان.

تُحرمُ دول العالم تعاطي المخدرات، حرصاً على صحة الإنسان، أليس من باب أولى تحريم صناعة السلاح حرصاً على حياته؟؟ هذا تناقض فاضح أن يُحارب العالم المتحضر تجارة المخدرات، ويتغاضى عن تجارة السلاح.. وهذا التناقض الأخلاقي يستدعي طرح سؤال شديد الخبث:

هل تجارة المخدرات حرام لأن دول العالم الثالث الفقيرة هي التي تزرع الخشخاش والكوكا والقات والقنب؟ وتجارة السلاح حلال لأن دول العالم المتقدم الغنية هي التي تصنعه؟ أيهما أكثر خطراً على الإنسان: الأسلحة أم المخدرات؟ حتى الفلاح الأمي يعرف الجواب، وأعتقد أن فيروس كورونا سيضحك حتى تبدو نواجذه لأنه هو الآخر يعرف الجواب!

   
 
إعلان

تعليقات