Accessibility links

إعلان

 د.محمد عبدالكريم المنصور

كم كان رسول الإنسانية محمد – صلى الله عليه وسلم – صادقًا ودقيقًا وأمينًا في نقله لأخبار السماء عندما قال: “سيَأتي زمانٌ القابضُ فيه على دِينِه كقَابضٍ على جمْر”، فما يحدثُ في هذا الزمان، وفي وطننا اليمني المغلوب على أمره، ومَواطِنَ أخرى في العالم، في ضروب كثيرة من ضروب الحياة، كفيل بأنْ يجري الشّكّ واللا يقين في نفوس الكبار ممّن اعتصرتْهم تجارب الحياة، وتأصّلتْ في أنفسهم معاني الإيمان بالله وبعدالته، فكيف بِمَن لا زالت أطراف الإيمان تتشكّلُ لديهم من صغار السِّنّ أو الشباب.. أقول هذا بَعد أنْ تأكَّد لي مِن مصادر كثيرة موثوقة أنّ هناك أعدادًا كبيرة ومتزايِدة من الشباب – هنا في اليمن – قد أدركَتْ الإلحاد، أو تحوّلتْ إلى المسيحية، أو إلى اتجاهات فكرية لا علاقة لها بالأديان أو التديُّن. 

شخصيًّا أؤمِنُ – بشدّة – بحرية التديُّن؛ كونها علاقة فردية بين الإنسان وربِّه، وليْس مِن حقّ أحد أنْ يتدخّل في تلك العلاقة الأُحادية، ولا بما سيترتّبُ عليها دنيا وآخرة، خاصة إنْ كانت نتيجة لِدراسةٍ وتمحيصٍ ومقارنةٍ بين الأديان، وقناعاتٍ بُنِيَتْ عَبْر مراحلَ ومواقفَ مختلفة، ولم تأتِ نتيجة لممارسات سياسية واجتماعية واقتصادية بائسة وغير إنسانية، دفَعَتْهم دَفْعًا إلى ذلك الطريق. 

ومع ذلك يظلُّ السؤال: ما الذي دفَعَ بهؤلاء الشباب وغيرهم إلى ذلك الطريق الشائك، المحفوف بالمخاطر الاجتماعية والنفسية، قبْل أنْ تكون مخاطر أخروية يعلمها الله وحده؟!!. وهُنَا تتشكّلُ أمامنا جبهة عريضة من المسبِّبات التي يجبُ الوقوف عندها مُطوّلاً؛ باعتبارها ستُمثِّلُ بؤرةً لِصِدامات مجتمَعيّة محتَمَلة، وما يُمكِنُ أنْ تُفْرِزه من اختلال في البنْية الاجتماعية مستقبلًا، ورغم أنّي أعتقدُ أنّ هذه المسألة لم تَصِلْ بَعْد لِتكُون ظاهرة، لكن مِن الأَوْلى دراستها والتعامل معها بإيجابية، وعدم غضّ الطرف كي لا تستفحِل، ويُصبِح مِن الصعب تداركها والسيطرة على آثارها، كما هو الحال مع قضايا كثيرة سابقة. 

وبناءً على كلّ ذلك، هناك الكثير مما يجِبُ مراجعته وفعْله، يتلخّصُ أولاها بالاعتراف بوجود وتنامي هذا الاتجاه في المجتمع اليمني؛ كون هذا الاعتراف إنما هو الخطوة الأولى والصحيحة للتعامل مع هذه المسألة، ثم تأتي الخطوة الثانية من خلال تشكيل فريقٍ وطنيٍّ مشهود له بالكفاءة والاعتدال من الخِبرات الدينية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، تكُون مهمّته وضْع خطة استراتيجية وطنية شاملة تتولى دراسة وتمحيص كلّ الجوانب التي تراها قد ساقت، أو ستسوق المجتمع، وخاصة الشباب إلى ذلك الطريق، وبحيث يُعطَى ذلك الفريق كلّ الحرية والإمكانيات في رسم السياسات الواعية والراشدة، والأخذ بها، ووضعها موضِع التنفيذ، ويجِبُ أنْ يكون لِهذا الفريق طابِع الدَّيمومة حتى يظل الرقيب على ما يَعْتَوْرَ الأمة من قضايا فكرية، ويتعامل معها أولاً بأول، أيْ أنْ يتحول هذا الفريق إلى خطّ الدفاع الفكري الأول، والمتقدِّم لِوَأدِ أيّ صراعات فكرية أو عقائدية في مَهْدِها، بالحُجّة والإقناع، وفتْح وتشجيع قنوات التواصل، وليس طبْعًا من خلال أدوات قمْعية، أو وأْدٍ للحرّيات.  

وبطبيعة الحال، فإنّ مثل هذه الإجراءات ما لم تترافق مع إصلاحات سياسية واقتصادية ومعيشية، وإفشاءٍ للسلام، والتسامح، ومَنْحٍ للحريات كحقائق ملموسة على الواقع، فلن تأتي أُكُلَها، بل إنها ستكون إجراءات مكتوب لها الفشل قبل أنْ تبدأ.

لقد أصبح الواقع اليمني – بكلِّ أسَفٍ وحسرة – واقعًا ملغومًا في أكثر مِن زاوية، ونُذُر انفصام نسيجه الاجتماعي تتواردُ مِن كلّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ، وما لم يُسارِع الكلّ إلى ردم بُؤَر ذلك الانفصام، فإنّ العواقبَ جِدّ خطيرة… والله مِن وراء القصد.

*رئيس مركز درسان للاستشارات والتدريب

 

 

   
 
إعلان

تعليقات