Accessibility links

إعلان

صنعاء ـ “اليمني الأميركي” ـ محمد العلفي

 على الرغم من إعاقته البصرية وظروف الحرب، يخرج الشاب اليمني عبدالله الصلوي، ذو العشرين ربيعًا، مع صباح كل يوم إلى ناصية أحد شوارع صنعاء، حيث يجلس على كرسيه مُعلقًا على عنقه صندوقًا مفتوحًا، يبيع فيه سلعًا صغيرة ورخيصة الثمن، وهو عمل يمارسه منذ نحو عام، محققًا نجاحًا دفعه للتنسيق هذا العام في إحدى الجامعات لدراسة التجارة التي يحلم من خلالها بتحقيق ذاته وتأمين مستقبله في بلد طحنته الحرب التي نالت من كل شيء هناك، إلا إرادة الحياة.  


المجهول

لم يستسلم (عبدالله) لواقعه المظلم، بالإضافة إلى ما فرضته الحرب من معوقات جديدة… فعند تخرّجه من الثانوية العامة عام 2019/ 2020 في مركز النور للمكفوفين بصنعاء، تداخلت لديه مشاعر الفرح والحزن لحظة نجاحه، فهذا النجاح يعني تخرّجه في المركز الذي أمضى فيه 12 عامًا من عمره (سنوات التعليم المدرسي)، لكنه في نفس الوقت خروج إلى المجهول، وهو ما لم يتقبله، فكان إصراره على تجاوز حواجز إعاقته وظروف واقعه.


العزبة

يقول عبدالله لـ “اليمني الأميركي”: عقب تخرجي في مركز النور لم يكن هناك مكان أذهب إليه؛ لأنّ أسرتي تعيش في محافظة تعز/ جنوب غرب، ما دفعني للذهاب للعيش في سكن مع عدد من الشباب من أهل قريتي، وهو المكان الوحيد الذي كنت ألجأ إليه لقضاء إجازاتي الدراسية، فمنذ العام 2017 وحتى مارس/ آذار 2020، تمكنت من استئجار غرفة بـ 20 ألف ريال شهريًّا (الدولار يساوي 600 ريال في مناطق سلطة “أنصار الله”، و1000 ريال تقريبًا في مناطق الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا) بالقرب من شارع جمال عبدالناصر.


اغتراب

على الرغم من أن ابتسامة عبدالله لم تفارق محياه خلال لقائنا به، إلا أنه لم يُخْفِ نبرة الحزن عند سؤالنا عن أسرته، إذ أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتابع.. «نظرًا لعدم مقدرتي على الالتحاق بالمدرسة كوني كفيفًا تركتُ أسرتي وأنا في السادسة من عمري تقريبًا، تحديدًا في يونيو/ حزيران 2008 مسافرًا مع والدي الذي كان يعمل في كافتيريا بشارع الزبيري بصنعاء».

بعد أن ظل عبدالله مع والده قرابة الشهرين، جمعته الصدفة بأحد زبائن الكافتيريا، الذي عمل على أخذه وتسجيله في مركز النور للمكفوفين، ليبدأ هناك تعليمه المدرسي حتى تخرج فيه العام الماضي.


العزيمة والتفاؤل

كحال الكثيرين من الشباب اليمنيين، الذين يسعون للاعتماد على أنفسهم، عبر اللجوء إلى الشارع والبحث عن فرص عمل يوفرون من خلالها لقمة عيشهم ومصاريف دراستهم، بالإضافة إلى مساعدتهم لأسرهم الفقيرة في مواجهة أعباء الحياة… قرر عبدالله الخروج للعمل متجاوزًا إعاقته البصرية، متسلحًا بعزيمة وتفاؤل لا حدود لهما، ما دفع مَن حوله لتشجيعه ومساعدته.     

نظرًا لمحدودية خيارات الأعمال المتاحة أمام عبدالله، قرر العمل في بيع المستلزمات الصغيرة رخيصة الثمن، التي يطلبها الجميع، كما أنها تحتاج لرأس مال صغير، «لو صنفنا عملاء هذه المستلزمات من حيث الجنس، فسنجد أن الذكور والإناث يحتاجون إليها، ومن حيث السّن فإنّ الأطفال والبالغين وكبار السن يحتاجون إليها، وهذا أمر يتيح تحقيق مبيعات أكثر، فأقل يوم أبيع فيه يكون بألف أو ألف وخمسمئة ريال، وهناك أيام يرتفع المبيع أضعاف المعتاد بكثير»، يقول.

كانت الفرحة تغمر عبدالله مع كل يوم يمر عليه وهو يعمل دون أيّ مشاكل، في ظل ما يشعر به من تحقيق ذاتي يتذوق معه طعم النجاح، إذ بات كل يوم يخرج للبيع في ناصية أحد الشوارع التجارية بمدينة صنعاء على فترتين، «أخرج للعمل ابتداءً من الثامنة صباحًا وحتى الواحدة ظهرًا، عندها أذهب للصلاة، وتناول طعام الغداء، ثم أعود إلى السكن، ثم أعود للعمل من الرابعة عصرًا وحتى الثامنة مساءً»، يضيف. 

كيف تجاوز عبدالله مشكلة البصر في أداء عمله؟ المكان الذي يجلس عليه لبيع معروضاته هو بجانب أصدقاء له من الباعة، وهؤلاء الباعة يساعدونه في تحديد أسعار السلع التي يبيعها في حال واجه مشكلة ما، وهو  يحفظ سعر كل قطعة لديه… والزبون يختار سلعته، وعبدالله يقول له سعرها، ويستلم منه المبلغ، لكن الجميل في الأمر أن الجميع – كما يقول – يتعاون معه، بما فيهم الزبائن، إلا أن ذلك لا يحميه من الوقوع ضحية للصوص، «ففي أحد الأيام، وتحديدًا (الخميس)، تعرضتُ لسرقة من قِبل أحد اللصوص.. لكن في الغالب يمضي عملي يوميًّا دون أيّ مشاكل»، يقول.


الطموح والمستقبل

عزيمة عبدالله لتطوير ذاته، وتحقيق الأفضل دفعته للتنسيق في إحدى الجامعات الأهلية ليكمل دراسته الأكاديمية في كلية التجارة، «سأكمل دراستي الجامعية، فقد نسقت في جامعة العلوم الحديثة للالتحاق بكلية التجارة، فرسوم السنة الدراسية فيها 240 ألف ريال، وإنْ شاء الله سأسجل هذا العام في سياق حرصي على تحقيق حلمي بامتلاك مشروعي الخاص، وأكون تاجرًا، وأشتري بيتًا، وأتزوج».

لم تهزمه إعاقته وظروفه الصعبة، بل مضى في طريقه متفائلاً بمستقبل يحقق فيه كل أحلامه غير مستسلمٍ لِما فرضته ظروف الحرب الدائرة هناك، والتي عصفت بكل شيء إلا إرادة الحياة لدى الناس.

   
 
إعلان

تعليقات