Accessibility links

كفيفة يمنيّة تحقق سلسلة من النجاحات الفارقة.. حياة الأشموري.. مسيرة تميّز في طريق غير مفروش بالورد


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:

«فقداني للبصر منذ نعومة أظفاري لم يمثّل عائقًا أمام أحلامي وطموحاتي كون روحي لم تفقد يومًا البصيرة وشغف المعرفة والاطلاع؛ ما دفعني للتوجه نحو التعليم الذي فتح لي أبوابًا كثيرة لرؤية الحياة بكل تفاصيلها وألوانها وجمالها، على الرغم من التحديات الصعبة التي تلقيها البيئة المحيطة أمامنا كمكفوفين منذ بداية التحاقنا بالمدرسة، وترافقنا طيلة مشوارنا التعليمي»، تقول لـ”اليمني الأميركي”، الشابة اليمنية حياة الأشموري (28عامًا)، موضحة كيف تحدت نفسها وتجاوزت معوقات واقعها، لتصبح أول طالبة يمنية من فئة المكفوفين تتفوق ضمن قائمة أوائل الجمهورية للثانوية العامة، وتلتحق بالجامعة وتتخرج في تخصص إدارة الأعمال الدولية، وتجتاز اختبار التوفل المحلي للغة الإنجليزية، ما يجعلها بجدارة شخصية ملهمة لغيرها.

“الأشموري” أول كفيف يمني يقتحم تخصص إدارة الأعمال الدولية ويحصل على شهادة التوفل.

 

بداية صادمة

تؤكد الشابة، حياة الأشموري، التي تعمل – حاليًّا – في قسم المتابعة والتقييم بجمعية (الأمان لرعاية الكفيفات اليمنيات) في العاصمة صنعاء، أن «مشواري التعليمي لم يكن مفروشًا بالورد، بل كانت البداية صادمة ومخيبة للآمال وقاتلة للطموح، إذ تم رفض التحاقي بالمدرسة الحكومية في الصف الأول أساسي من قِبل مديرة المدرسة؛ كوني كفيفة».

وتُعلق حياة على هذه (البداية الصادمة)، قائلة: «سمعتُ مديرة المدرسة توبخ أمي بفضاضة بسبب إصرارها على تسجيلي في المدرسة، وتقترح عليها بدلاً عن ذلك أن تضع ابنتها (العمياء) داخل غرفة مغلقة الأبواب».

وتضيف: «على الرغم من أنني كنت حينها ما زلت طفلة صغيرة إلا أنني شعرت بمرارة وانكسار؛ لإدراكي أن حياتي ستكون مختلفة عن الآخرين، إذ لم أكن قبل ذلك الموقف الذي يستحيل نسيانه، أعرف، بالضبط، معنى كوني كفيفة، وأنني أمتلك مستوى نظر أقل ومختلف عنهم».

الموقف الذي تعرضت له حياة، بداية مشوارها التعليمي، واحد من أشكال التمييز الذي يتعرض له المكفوفون والأشخاص من ذوي الإعاقة في اليمن، والمتمثل بعدم توفير البيئة المناسبة لتعليمهم وتأهيلهم ودمجهم بالمجتمع، والناتج عن عدم إقرار التشريعات والضمانات التي تحفظ حقوقهم، مع غياب الوعي المجتمعي في التعامل معهم والنظر لمشكلاتهم ومعاناتهم.

حياة.. أول طالبة يمنية كفيفة ضمن قائمة أوائل الجمهورية للثانوية العامة.

 

دعم الأسرة وبداية المسيرة التعليمية

لعبت أسرة حياة الأشموري دورًا كبيرًا بمساعدتها في تخطّي الصدمة النفسية لرفض التحاقها بالمدرسة من خلال محاولة إيجاد بدائل لتعليمها في المنزل، تقول حياة: «أخواتي صنعن لي مجسمات لأشكال الحروف بعد نحتها على (كرتون)، ووالديّ استمرا في تقديم الدعم النفسي وتشجيعي على مواصلة التعليم حتى أتت الفرصة، وتمكنّا من التواصل مع فاطمة العاقل – مؤسس جمعية الأمان لرعاية الكفيفات، والتحقتُ للدراسة بمعهد الكفيفات، ومثّل ذلك منعطفًا جديدًا ومشرقًا في حياتي».

في ظرف أسبوعين من التحاقها بالمعهد، تمكنت حياة من إجادة لغة القراءة والكتابة بطريقة برايل [طريقة يستخدمها المكفوفون للقراءة والكتابة بواسطة نقاط بارزة] قبل أن تنتقل للاندماج بمدارس حكومية من الصف السادس الأساسي، وتتمكن من الحفاظ على مستوى علمي متميز جعلها تستحق بجدارة تصدّر قائمة أوائل الجمهورية في نتائج الثانوية العامة للقسم الأدبي للعام الدراسي 2012/2013، إلا أن وزارة التربية والتعليم، حينها، كادت أن تحرم الطالبة حياة حقها في إدراجها ضمن قائمة التفوق بإسقاطها من قائمة الأوائل في بادئ الأمر؛ بسبب عدم اعتمادهم إعفاء الطلاب المكفوفين في احتساب الدرجات ضمن المعدل الكلي للنتيجة.

وتوضح حياة سبب ذلك: «بدلاً من أن توفر الوزارة مناهج لمادة الرياضيات مكيَّفة مع قدراتنا كمكفوفين، قامت بحرماننا من دراستها مقابل إعفائنا من درجتها، وعندما أُعلن عن أوائل الجمهورية كان معدلي يؤهلني لأنْ أكون ضمنهم، لكنهم أغفلوا ذلك الأمر، وعوضًا عن معالجة ذلك في حينه، عرضت الوزارة بأن يتم تكريمي كمتفوقة ضمن الاحتياجات الخاصة».

 وردًّا على ذلك تؤكد حياة: «رفضتُ التكريم بتلك الطريقة، ليس لأنني أرى استنقاصًا في كوني من ذوي الإعاقة، بل لأن الأمر كان تفريطًا بحقي وحقوقهم التي تكفلها لنا المواطَنة المتساوية».

وتشيد الأشموري بموقف جمعية الأمان ومدرسة السيدة زينب للبنات؛ لوقوفهم معها في استعادة حقها في التحصيل العلمي، حتى تم اعتماد اسمها وتكريمها ضمن أوائل الجمهورية من قِبل الوزارة وأمانة العاصمة لاحقًا.

التعليم فتح لي أبوابًا كثيرة لرؤية الحياة بكل تفاصيلها وألوانها وجمالها.

 

التفوق الجامعي

 وبموجب التكريم، حصلت الطالبة حياة على منحة دراسية داخلية لدراسة تخصص إدارة الأعمال في (جامعة العلوم والتكنولوجيا)، وفتح تفوقها كأول طالبة يمنية من فئة المكفوفين ضمن أوائل الجمهورية، الطريق، لاحقًا، أمام أربع كفيفات تصدّرن قوائم الأوائل خلال السنوات الماضية.

وردًّا على سؤال “اليمني الأميركي”، لحياة عن سبب اختيارها لتخصص إدارة الأعمال، وكيف تمكنت من تجاوز الصعوبات التي واجهتها في مشوارها الجامعي، تقول: «اختياري للتخصص يقف خلفه شغف ورغبة في هذا المجال… واجهتني الكثير من الصعوبات، أبرزها عدم توفر مناهج لتخصصي بلغة برايل، مما كان يضطرني إلى تسجيل المحاضرات وإعادة الاستماع لها وتفريغها من جديد للمذاكرة».

شغف حياة في مواصلة التعليم لم يتوقف فقط على دراسة تخصصها الجامعي الذي تخرجت فيه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 2017، بل اتجهت لدراسة اللغة الإنجليزية في معاهد أهلية حتى أجادتها بطلاقة، ونالت شهادة التوفل المحلي من المعهد اليمني الأمريكي للغات (يالي) عام 2018، كأول كفيف في اليمن ينال هذه الشهادة، كما حصلت على الرخصة الدولية في قيادة الحاسوب.

تتطلع للحصول على منحة للدراسات العليا في مجال تخصصها الجامعي.

 

مهارات وطموح 

 (الأشموري) التي اكتسبت الكثير من الخبرات والمهارات إلى جانب تخصصها الجامعي، لم تجد فرصة عمل مناسبة عقب تخرجها، حتى عرضت عليها إدارة جمعية الأمان، التي تبنتها كطالبة، للعمل معها كمتطوعة لمدة عام، وموظفة رسمية متنقلة بين قسم الاستجابة الإنسانية والعلاقات الدولية، ومن ثم مختصة في قسم المتابعة والتقييم حتى اليوم.

وتلفت حياة إلى رغبتها في مواصلة تحصيلها العلمي لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه في إدارة الأعمال الدولية، حيث «قدّمتُ لأكثر من ثلاث مرات لطلب منحة خارجية ولم يوافني الحظ، بينما لم أجد منحة داخلية».

تحمل حياة الأشموري، اليوم، على عاتقها التعريف بقضايا ومشكلات المكفوفين في اليمن، من خلال نشاطها في مواقع التواصل الاجتماعي كأدمن في واحدة من أكثر الصفحات اليمنية متابعةً على منصة “فيسبوك”، صفحة “صنعاء روحي”، بالإضافة إلى تقديمها الدعم النفسي والعلمي للمكفوفات داخل الجمعية وخارجها، كما تدعم فكرة تدريس (لغة برايل) الخاصة بتعليم المكفوفين في الأوساط الأكاديمية بالبلد.

تثبت مسيرة حياة الأشموري الزاخرة بالنجاحات والإنجازات أن كفالة حقوق فئة المكفوفين وذوي الإعاقات بشكل عام، واجب يكفله القانون والدستور اليمني أسوة بغيرهم من فئات المجتمع، حيث إن «المكفوفين وذوي الإعاقة لا يحتاجون إلى معاملتهم من زاوية الشفقة والعطف والإحسان، وإنما إتاحة حقهم في المنافسة بالدراسة والعمل ومختلف مجالات الحياة، فهم قادرون على العطاء والبناء والمشاركة في التنمية»، تختتم حياة الأشموري حديثها لـ”اليمني الأميركي”.

   
 
إعلان

تعليقات