Accessibility links

قحطان الشعبي: حكاية أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية


إعلان

“اليمني الأميركي” – القسم العربي
على الرغم من الفترة القصيرة التي تولى فيها الحكم، إلا أنّ تجربة الرئيس قحطان محمد الشعبي (1923-1982)، رئيس الجمهورية الأولى في جنوب اليمن (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية)، عقب جلاء آخر جندي بريطاني، تُمثّل محطة مهمة في التاريخ السياسي اليمني؛ لخصوصية التجربة وما واجهته من تحدّيات بقيت تعترضُ مسار الدولة في جنوب اليمن منذ الجلاء عام 1967م، وحتى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990.

ما يرفعُ من سقف الاستغراب والتساؤل استمرار الغموض الذي يلف نهاية قحطان الشعبي، وأسباب بقائه محتجزًا لـ11 عامًا في سجنٍ انفرادي حتى مات.. لا سيما وأنه مناضلٌ سياسي، وأحد أبرز رموز الجبهة القومية، وأسهمَ بدورٍ محوري في قيادة حركة تحرير جنوب اليمن حتى نيل الاستقلال، بل هو مَن أعلنَ بيان الاستقلال في نوفمبر 1967، كما كان محل إجماع القيادة العامة للجبهة القومية، وبالتالي انتخابه أول رئيسٍ للجمهورية الوليدة جنوب اليمن بعد الاستقلال.. وهو ما يضعُ عددًا من الأسئلة إزاء الإشكالات الحقيقية التي لم يستطع النظام في الجنوب اليمني تجاوزها في علاقته بالحكم.
لكن التاريخ يبقى فيصلاً ومُنْصفًا، وهنا لا يُنكِرُ التاريخ ما شهدته تجربة الرجل من التزام موقفٍ قومي وحدوي، ومسيرة نضال يشهدُ بها رفاقه، علاوةً على خصوصية تجربته في الحكم مقارنة بمن جاء بعده.

ميلاده وتعليمه

وحسب عدة مصادر وثّقت بعضًا من سيرة قحطان الشعبي، فقد وُلِد في وادي شعب بمنطقة الصبّيحة، في مديرية طور الباحة – محافظة لحج عام 1923م، وتُوفّي والده قبل أشهرٍ من ولادته، وبالتالي ولد يتيمًا، وتكفَّلَ برعايته قريبه الشيخ عبداللطيف عبدالقوي الشعبي.. وتلقّى دراسته الابتدائية والمتوسطة في مدينة عدن، وتحديدًا في مدرسة “جيل جديد”، وكانت حينها من أشهَر المدارس في عدن.

في أوائل الأربعينيات من القرن المنصرم سافرَ في بعثة للدراسة في السودان، وتخرّج مهندسًا زراعيًّا في جامعة الخرطوم سنة 1950م، ليكون أول مهندسٍ زراعي في الجزيرة العربية، ثم عاد إلى مدينة عدن، وعملَ مديرًا للزراعة في عددٍ من مناطق أبين ولحج وحضرموت.

نشاطه السياسي

في ما يخصُّ نشاطه السياسي.. ففيما تقولُ مصادر إنه بدأ ممارسة نشاطه السياسي خلال سنوات دراسته في السودان من خلال مشاركته في عددٍ من المظاهرات المناهضة للاحتلال البريطاني هناك، ترى مصادر أخرى أنّ نشاطه السياسي بدأ عقب عودته من السودان عام 1950م، إذ كان من المؤسسين لـ”رابطة أبناء الجنوب”، حيث كان عمادها الشباب الذين أنهوا دراستهم في مصر والسودان، وعُيِّنَ قحطان في الرابطة مسؤولًا عن العلاقات الخارجية، “وكانت الرابطة حينئذ حزبًا تقدميًّا ووحدويًّا، وتُطالبُ باستقلال الجنوب ووحدته”؛ لتشهد الرابطة، في مرحلةٍ لاحقةٍ تحولاً محوريًّا من خلال إعلانها المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي، وهو ما اعتبره قحطان خروجًا عن الإجماع الوطني الوحدوي للجنوب كجزءٍ من اليمن، ونتيجة لذلك تركَ الرابطة، وفي بيانٍ استقالته من الرابطة، هو وعددٌ من زملائه، أوضحوا الأسباب التي كان من أهمها «أنّ الرابطة انحرفت عن المبادئ والأهداف القومية؛ وذلك بإحيائها الدعوة الانفصالية القديمة التي كانت تهدفُ لإقامة دولةٍ مستقلةٍ بعدن، والإمارات ليست يمنية الهُوية».

إزاء ذلك الموقف تعرّضَ للكثير من المضايقات من قِبَل السلطات البريطانية؛ فرحلَ إلى شمال اليمن، ومنه إلى مدينة القاهرة لاجئًا سياسيًّا، والتحقَ هناك بحركة القوميين العرب – فرع اليمن عام 1958م، التي أسسها المناضل فيصل عبداللطيف الشعبي عام 1956م، عندما كان طالبًا بالمرحلة الثانوية في مصر، «في أكتوبر (تشرين أول) 1959 وضعَ قحطان وفيصل كُتيِّبًا باسم حركة القوميين العرب، بعنوان “اتحاد الإمارات المزيَّف مؤامرة على الوحدة العربية”، وفي هذا الكُتيِّب ظهرت أول دعوة لانتهاج الكفاح المسلح وسيلة لتحرير الجنوب».

وفي مايو (آيار) 1962م صدر لقحطان كتابه الشهير “الاستعمار البريطاني ومعركتنا العربية في جنوب اليمن”، وكرر فيه دعوته القديمة لإقامة الجبهة القومية على مستوى جنوب اليمن وشماله، لتعملَ على إقامة نظامٍ جمهوري في الشمال اليمني، ومن ثم الانطلاق لتحرير الجنوب اليمني من الاستعمار البريطاني، ونُشِر هذا الكتاب قبل 26 سبتمبر (أيلول) 1962م بنحو أربعة أشهر، وعقب ثورة 26 سبتمبر 1962م، والإطاحة بالنظام الملكي في الشمال، ترك القاهرة متوجهًا إلى مدينة صنعاء.

تحرير الجنوب

في صنعاء، وبضغطٍ من قادة حركة القوميين العرب باليمن، تم تعيينه مستشارًا للرئيس عبدالله السلال لشؤون الجنوب المحتل، ثم عُيِّنَ رئيسًا لمصلحة الجنوب بصنعاء، أو ما كان يُعرَفُ بمكتب الجنوب بصنعاء، «فعملَ على التواصل مع كثيرٍ من أبناء الجنوب الذين جاؤوا إلى الشمال مساندين الثورة الجمهورية، وتم الإعلان سنة 1963، عن تشكيل الجبهة القومية لتحرير الجنوب، وانتُخِبَ أمينًا عامًّا لقيادتها، (وظلّ في هذا الموقع حتى تحقق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، وظل فيه وهو رئيس لدولة الاستقلال – جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية).. واتخذت الجبهة من مدينة تعز مقرًّا رئيسيًّا لها، وبدأت بشنِّ هجمات مسلحة على الاحتلال البريطاني.. وكتبَ الشعبي من فوره بيانًا باسم الجبهة يُعلِن ثورة تحرير الجنوب ابتداءً من 14 أكتوبر 1963، فحررت المناطق الجنوبية واحدة تلو الأخرى، وبعد تحرير مدينة زنجبار في محافظة أبين، عقدَ الشعبي مؤتمرًا صحفيًّا باسم الجبهة القومية دعا فيه السلطات البريطانية إلى الاعتراف بالجبهة القومية، والتفاوض معها، وحين قبلت السلطات البريطانية بذلك، رأسَ قحطان وفد الجبهة القومية في هذه المفاوضات، ووقّعَ مع السير شاكلتون، وثيقة الاستقلال؛ فأُجلِيت القوات البريطانية عن جنوب اليمن».
بعد نجاح ثورة 14 أكتوبر1963، وجلاء آخر جندي بريطاني من عدن في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 1967م، انتخبت القيادة العامة للجبهة القومية قحطان الشعبي أول رئيسٍ لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وكلفته بتشكيل الحكومة وإعلان الاستقلال رسميًّا؛ فأعلن الاستقلال، وشكّل حكومة الاستقلال، واستمر قحطان رئيسًا للجمهورية خلال الفترة من 1967 إلى 1969، والتي عُرِفت لاحقًا باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وبجانب منصب الرئيس تولى منصب رئيس الوزراء.

الاستقالة والسجن

واجَهَ الرئيس قحطان الشعبي مشاكلَ جمة خلال رئاسته لدولة الاستقلال، وظهرت خلافات مع جناحٍ متشدد من أجنحة اليسار، واستمرت في التصاعد؛ ما اضطر قحطان في الأخير إلى تقديم استقالته من كافة مناصبه إلى القيادة العامة للجبهة القومية في 22 يونيو (حزيران) عام 1969م، ومعه استقال فيصل عبداللطيف من رئاسة الحكومة التي تولاها في أبريل (نيسان) 1969م، وقرر النظام اليساري الجديد بعدن وضْع قحطان في إقامة جبرية في منزله لفترة قصيرة، ومن ثم تم حجزه في غرفة بمنطقة الرئاسة، وظلّ معتقلاً فيها انفراديًّا دون محاكمة حتى أعلنت السلطة في عدن وفاته في السابع من يوليو (تموز) 1981م، ليفارق الحياة وعمره لم يتجاوز 57 سنة، فيما أفادت أسرته، في تصريحٍ لنجله نجيب، نشرته منصة “خيوط” الإلكترونية، أنه تعرّضَ للقتل بواسطة حقنةٍ قاتلةٍ داخل السجن بعد 11 سنة من الحبْس الانفرادي.
وجرى دفن جثمان قحطان في مقبرة الشهداء بحيّ “كريتر” لتُطوى بذلك صفحة أحد رجالات النضال الوطني في جنوب اليمن، ومن أبرز قادة حركة التحرر الوطني من الاستعمار البريطاني هناك.

   
 
إعلان

تعليقات