Accessibility links

في ظل غياب ضمانات قانونية.. أزمة إيجارات متصاعدة تؤرق سكان صنعاء


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:
أصبحت مشكلة الارتفاع الجنوني لكلفة الإيجارات في العاصمة اليمنية صنعاء كابوسًا يؤرق منام الفئة الأغلب من سكانها الذين يعيشون تحت أسقف قد تتنكر لوجودهم وتلفظهم للشارع في أيّ لحظة، وسط غياب ضمانات قانونية تكفل حقوق المستأجرين، الذين يمثلون الشريحة الأكبر من مجتمع يعيش أزمات متعددة ومركبة بفعل الحرب المشتعلة في البلد منذ أكثر من سبعة أعوام.

فارس حسن (عامل)، مستأجر شقة صغيرة في حي الرباط وسط العاصمة، (بإيجار شهري قدره 50 ألف ريال يمني)، مهدد وأسرته بالطرد من شقته عبر دعوة قضائية رفعها مالك العمارة ضده في محكمة غرب الأمانة، مطالبًا فارس برفع الإيجار إلى مبلغ 150 ألف ريال يمني، أو إخلاء الشقة (الدولار يساوي 600 ريال).

ويقول فارس لـ “اليمني الأميركي”: «بالرغم من كوني مستأجرًا في المنزل منذ أكثر من 21 عامًا، وملتزمًا بدفع الإيجار في موعده المناسب كل شهر، حيث كنت أدفع مبلغ 30 ألف ريال، رُفعت خلال سنوات الحرب إلى 50 ألفًا، فيما تفاجأت – مؤخرًا – بطلب المؤجر رفع الإيجار بشكل جنوني إلى مبلغ 150 ألف ريال، الأمر الذي رفضته بسبب عدم قدرتي على الالتزام بدفع ذلك المبلغ».

الدعوة التي رفعها مالك العين المؤجرة ضد المواطن فارس، كما غيرها الكثير من الدعوات التي يرفعها ملاك المنازل والعقارات، وتكتظ بها المحاكم المدنية، لا تفصح عن رغبة المؤجرين في رفع كلفة الإيجار، وإنما بالأغلب تُقدَّم تحت حجج كثيرة، منها “محتاج شقتي للسكن، مقبل على زواج أحد أبنائي، لدينا ورثة وإعادة تقسيم المنزل”، حسب المحامي أكرم الحاشدي، الذي أشار في حديث لـ “اليمني الأميركي”، إلى أنه عادة ما تنتهي تلك الدعوات لصالح المؤجرين في ظل غياب القوانين الخاصة لمراعاة الظروف الصعبة التي يمر بها كل مستأجر، وتحفظ حقه في السكن وعدم التشرد.

 

المستشار القانوني عبدالرحمن زبيبة: تعديلات مجلس النواب على قانون الإيجارات تجاهلت أبرز المعضلات الحقيقية للأزمة.


الإشكال القانوني

في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أقر مجلس النواب اليمني في صنعاء مشروع تعديل بعض مواد القانون رقم (22)، لسنة 2009م، بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. ينتظر القانون مصادقة رئاسة المجلس السياسي لسلطات صنعاء ليكون ساريًا، وكان من المفترض أن تتم في الثالث من شهر نوفمبر الجاري، إلا أن تلك التعديلات بدلاً من أن تسهم في حل المشكلة ستضاعف معاناة المستأجرين بسبب عدم احتوائها لأيّ معالجات حقيقية تكفل حقوق المستأجر في ظل ظرف استثنائي صعب لم يسبق أن شهدته البلاد، حسب خبراء وقانونين.

ويعتبر المستشار القانوني عبدالرحمن زبيبة، والمهتم بقضايا الإسكان، في حديث لـ”اليمني الأميركي”، تعديلات القانون الجديد، الذي أقره مجلس النواب، منحازة للمؤجر ضد المستأجر، لعدة أسباب، أبرزها: «أن تعديلات مجلس النواب على قانون الإيجارات تجاهلت أبرز المعضلات الحقيقية للأزمة، والمتمثلة بالمزاجية برفع أسعار الإيجارات من قِبل المؤجرين، وأسقطت تحديد القيمة الإيجارية للعين المؤجرة وفقًا لمعايير عادلة، فيما كان من المفترض أن تنص التعديلات على تمديد قضائي بقوة القانون لكل عقود الإيجار السارية بنفس الشروط، ودون عقد جديد حتى تنتهي الأزمة والظروف الاستثنائية التي شُرعت التعديلات لأجلها، فيما نصت على تجديد عقود الإيجار لمرة واحدة فقط».

وأضاف زبيبة، «القانون أغفل، أيضًا، إيجاد آليات تسريع وتيرة التقاضي في قضايا الإيجارات بعدم تخصيص قضاة معنيين بقضايا الإيجارات في المحاكم المدنية»، مؤكدًا أن مجلس النواب أفرغ مشروع التعديلات الذي قدمته الحكومة لمعالجة الظاهرة من جوهره.

وبخصوص الثغرات التي تضمّنها القانون الجديد لمجلس النواب، وفي مقدمتها حذف المجلس للمادة التي تنص على تشكيل لجان فنية لتحديد أسعار الإيجارات وفق معايير عادلة، أحالت “اليمني الأميركي” أبرز تلك النقاط والتساؤلات لرئيس لجنة العدل في مجلس النواب، عضو المجلس عبدالله خيرات، الذي أوضح، «أن تشكيل لجان لتحديد قيمة الإيجارات سيولد الكثير من الإشكاليات، أهمها فتح المزيد من النزاعات، وأخذ وقت طويل عبر ترحيل القضايا من لجنة إلى لجنة، وإذا أردت أن تميع القضية تشكل لها لجانًا! فيما تختلف قيمة الإيجارات من منطقة إلى أخرى، ومن منزل إلى آخر».

وبالنسبة لتحديد تمديد العقود لفترة واحدة، يقول خيرات: «التمديد لفترة واحدة هو أفضل البدائل، وفيه توازن بين الملاك والمستأجرين في ظل الظروف الراهنة، ويستند إلى ما توافَق عليه الطرفان من البداية، فمثلاً العقود التي تشمل سنة واحدة يتم تجديدها لسنة أخرى، وبنفس الشروط».

 ويرى رئيس لجنة العدل أن المهم في تسريع وتيرة التقاضي هو أن تدخل قضايا الإيجارات في إطار القضايا المستعجلة في المحاكم، وهو ما نصت عليه التعديلات، فيما تخوَّل المحاكم المعنية بتحديد القضاة في إطار المحكمة.

 

رئيس لجنة العدل بمجلس النواب – عبدالله خيرات: التمديد لفترة واحدة أفضل البدائل وفيه توازن بين الملاك والمستأجرين.

 

رحلة البحث عن شقة

منذ عدة أشهر، يواصل أحمد عبدالقدوس، موظف حكومي، رحلة البحث عن شقة بديلة لمسكنه المكون من غرفتين (شعبي) في حي الدائري وسط العاصمة، وبإيجار (50 ألف ريال يمني)، بعد أن ضاق ذرعًا باستفزازات مالك المنزل، لكنه في كل مرة يقترب من حلمه المنشود، يصطدم بأسعار خيالية لا طاقة له بتحملها؛ لدخله المحدود كموظف حكومي، توقف صرف مرتبه منذ سنوات.

ولفت أحمد إلى نوع آخر من المعاناة التي يتعرض لها الباحثون عن سكن من قِبل ما يسمّون بالدلالين (سماسرة بين المؤجرين والمستأجرين)، حيث يتم ابتزاز المستأجرين لدفع مبالغ مالية طائلة كـ”بدل مواصلات، وأتعاب”، بغض النظر أتمّ توفير المنزل للمستأجر أم لم يتم. 

 إزاء ذلك يقر شادي عبدالله، (سمسار)، بالدور السلبي الذي يلعبه الكثير من سماسرة العقارات، ويسهم في ارتفاع تكلفة الإيجارات، وتحول عملية الإيجار إلى ما يشبه السوق السوداء والمضاربات، ويقول شادي، لـ”اليمني الأميركي”: «غالبًا يتنافس الدلالون، وكل واحد يريد العمولة له، ويحدث أن بعضهم يعرض على مالك البيت قيمة مرتفعة لما يستحقه المنزل، الأمر الذي يفتح شهية المالك أكثر».

وتصاعدت الإيجارات إلى مستويات قياسية تزيد عن 500% عمّا كانت عليه قبل الحرب الدائرة في البلد، حيث يتراوح سعر إيجار شقة مكونة من ثلاث غرف في حي الدائري مثلاً، ما بين (100 – 120 ألفًا)، فيما تصل تكلفة شقة مشابهة في أحياء كـ (مذبح، السنينة، شملان)، وهي أحياء في ضواحي المدينة، ما بين (80 – 100 ألف)، حسب عبداللطيف السامعي، مالك مكتب عقارات، والذي وصف الأزمة بالحرب على المواطن، وبالأخص الموظفين وذوي الدخل المحدود.

 

تصاعدت الإيجارات إلى مستويات قياسية تزيد عن 500% عمّا كانت عليه قبل الحرب.


المؤجرون

ويلقي الكثير باللوم على المؤجرين بافتعال الأزمة، بينما الظروف الصعبة دفعت العديد ممن لا يمتلكون غير عين عقارية كمصدر دخل إلى الذهاب نحو رفع أسعار الإيجار، وهي الظروف ذاتها التي كبّلت معظم المستأجرين عن دفع الإيجار، الأمر الذي راكم مديونياتهم بشكل هائل، كما يوضح أبو قاسم، مالك عمارة، الذي اضطره تهرّب المستأجر لديه من سداد ديون الإيجارات المتراكمة لسنوات بأكثر من سبعة ملايين ريال، إلى رفع دعوة قضائية ضد المستأجر.

«ارتفاع الإيجارات السكنية خلال السنوات الماضية أصبح أزمة اجتماعية كبيرة تواجه المجتمع والجهات الأمنية والقضائية، وهي أزمة مركبة، نتيجة لتراجع أسعار سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، مما تسبب بتراجع القوة الشرائية، ما يدفع ملاك العقارات إلى رفع الإيجارات بما يوازي القوة الشرائية التي كانوا يحصلون عليها جراء تأجير العين المؤجرة قبل الحرب»، حسب الصحافي الاقتصادي رشيد الحداد.

 

الصحافي الاقتصادي رشيد الحداد: انهيار العملة وتراجُع القوة الشرائية دفع ملاك العقارات إلى رفع الإيجارات.

 

ويوضح الحداد، لـ”اليمني الأميركي”، أنه «في ظل الحرب والحصار وتصاعد موجة النزوح الداخلي إلى العاصمة صنعاء، ارتفع الطلب على العقارات من قِبل المستأجرين، فيما لم تشهد ارتفاعًا في الحركة العمرانية كما كان يفترض أن يكون قبل الحرب».

لا تقتصر أزمة الإسكان على العاصمة صنعاء فقط، وإنما تشمل معظم المدن اليمنية، الأمر الذي يجعل إصدار القوانين والتشريعات لتأمين حقوق المواطنين وحفظ كرامتهم واجبًا وضرورة مُلحّة، في حين يظل إيقاف الحرب، ومعالجة تدهور الاقتصاد اليمني، واستئناف صرف مرتبات الموظفين، وتفعيل مؤسسات الدولة، وإنعاش الاستثمار في مجال العقارات، ووضع خطط تنموية تراعي النمو السكاني، حلولاً جذرية لا بد منها لتجاوز الأزمة.

   
 
إعلان

تعليقات