Accessibility links

فلسطين أكثر من سبعين سنة احتلال.. فأين الخلل؟


إعلان

 عبدالباري طاهر*

 منذ تأسيس الدولة الإسرائيلية، وأيديولوجيتها الصهيونية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وهي إحلال اليهود في الأرض الموعودة (فلسطين)، خاليةً من سكانها العرب.

كتب وايزمان، أول رئيس لدولة إسرائيل في “مذكراته”: “لقد اتفقت مع الحكومة البريطانية التي تبنت الحركة الصهيونية على تسليم فلسطين خالية من سكانها العرب”.

ولا تزال قضية طرد الفلسطينيين من أرضهم هي النهج الثابت في السياسات الإسرائيلية، سواء التيار العلماني الصهيوني بمختلف تياراته: يساره، ويمينه، أو اليمين اليهودي التوراتي، فأين الخلل في المواقف العربية، والقيادات الفلسطينية؟!

المفكر القومي قسطنطين زريق في كتابه “معنى النكبة” يقول: “سبع دول عربية تعلن الحرب على الصهيونية في فلسطين، فتقف أمامها عاجزة، ثم تنكص على أعقابها. خطب نارية يلقيها ممثلو العرب في أعلى الهيئات الدولية، منذرةً بما ستفعل الدول والشعوب العربية إن صدر هذا القرار أو ذاك، وتصريحات تُقذف كالقنابل من أفواه الرجال الرسميين لدى اجتماعات الجامعة العربية، ثم يجدّ الجد، فإذا النار خافتة باهتة، وإذا الصلب صدئ، ملتوٍ، سريع العطب والتفتت، وإذا القنابل جوفاء فارغة لا تحدث أذىً، ولا تصيب مقتلاً”.. هكذا يصف المفكر زريق رد فعل الحكومات العربية “المستقلة” حينها.

اشتعلت المنطقة العربية بقيام الثورة القومية في مصر 1952، كاشفةً تواطؤ الملوك العرب، وفساد السلاح المستخدم في المعركة، وقامت الثورات القومية في سوريا والعراق كردّ – في جوانب مهمة – على الهزيمة، واحتلال فلسطين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

دار حوار وصراع في المنطقة العربية كلها حول قبول التقسيم أو رفضه. سبع دول عربية رفضت التقسيم، وقبلت الأحزاب الشيوعية العربية التقسيم. وصبت الاتجاهات القومية: البعث، وحركة القوميين العرب، والتيار الناصري، واليسار الجديد اللعنات ضد الدول والأحزاب التي قبلت بالتقسيم، وشاع في التداول السياسي خطل رفض التقسيم. وحقيقة الأمر لم تكن إسرائيل من الناحية العملية مع التقسيم، ورفض الأنظمة السبعة حينها لم يكن إلا شكليًّا، وتعبيرًا عن العجز عن فعل شيء.

احتفظت مصر بغزة، والأردن بالسيطرة على الضفة الغربية، وشايعت الأحزاب الشيوعية موسكو ليس إلا، بينما العقيدة الصهيونية، واليمين التوراتي يؤمن ويعد لاستعادة يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وهو ما تشهد عليه تصريحات قادة الدولة، وما أكدته حرب الـ 5 من حزيران 1967، وما تقوم به إسرائيل منذ 1948 حتى اليوم. فبرغم اتفاقات أوسلو ومدريد، فاليمين التوراتي (الأحزاب الدينية)، واليسار الصهيوني كلاهما حريص على السيطرة المطلقة على الضفة الغربية، رغم القرارات الأممية، والاتفاقات الخائبة، والعائق الوحيد دون حصول ذلك هو صمود وتصدي الشعب الفلسطيني.

في كتابه “معنى النكبة”، يتناول المفكر العربي قسطنطين زريق سبع دول تتصدى لإبطال التقسيم، وقمع الصهيونية؛ فإذا بها تخرج من هذه المعركة، وقد خسرت قسمًا لا يستهان به من أرض فلسطين، بل من الجزء المعطى للعرب في التقسيم، وإذا بها تتقهقر تقهقرًا على قبول هدنة لا مصلحة لها فيها ولا غناء”.

وكلام المفكر الفلسطيني يعود إلى 5 آب 1948، ولكن ما حدث بعد حرب الـ 5 من حزيران 1967 هو الكارثة الأكبر، فقد اجتاح الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية وغزة، وغزة في الأيديولوجية الصهيونية ليست توراتية، كما استولت على سينا المصرية، ومرتفعات الجولان السورية، وتواصل نهج الاستيطان، وتهجير المهجرين، وتهويد القدس، والاستيلاء والاحتلال لكامل الضفة الغربية.

ففي الأيديولوجية الصهيونية تعتبر الضفة الغربية كلها توراتية: يهود، والسامرة، كما استولت على مناطق من الأردن؛ فما مصدر الخلل؟ هل هو الانقسام الذي أصاب القضية الفلسطينية وزعاماتها منذ البدء؟ فإمام فلسطين أمين الحسيني ميال إلى ألمانيا النازية، بينما الملك عبدالله، وفيصل (ملك العراق)، وغازي في سوريا صنيعة بريطانيا وفرنسا، والملك عبدالله والحسيني عدوان لدودان، وامتد الصراع حتى مجيء الشقيري، وتأسيس المنظمات: فتح، والشعبية، والديمقراطية، ومنظمات عديدة ترفع كلها راية الكفاح المسلح، وتحرير فلسطين، ولكنها لا تقبل بتنسيق عملياتها، بل يتخذ كفاحها طابع المزايدة والتنافس. أم يكون الخلل في الأنظمة القومية من حول فلسطين، والتي اتخذت من فلسطين سلمًا للقفز على السلطة، وذريعة للصراع مع بعضها، وداخل أحزابها؟

أمريكا وأوروبا هم الصناع والداعمون الحقيقيون للدولة الإسرائيلية، ولكننا لا بد وأن نفتش ونقرأ حقيقة حالنا، فحتى اليوم لا يضم المجلس الوطني الفلسطيني تنظيمات فاعلة وحيّة، بل وحاكمة كحماس، كما أن الجهاد الإسلامي غير ممثل، وهو الانقسام الأخطر في المرحلة الحالية. ورغم جهود مصر والجزائر لحل خلافات السلطة الفلسطينية مع حماس، والجهاد، ومنظمات أخرى خارج المجلس، إلا أن الانقسام باقٍ، ولعل الأخطر في الخلل تخلي السلطة عن هويتها كحركة تحرر وطني، وتحولها إلى سلطة لا تختلف عن أي سلطة فاسدة ومستبدة، وقد تحولت بالتنسيق الأمني مع إسرائيل إلى أداة قمع ضد شعبها المستعمَر – بفتح السين – ووطنها المحتل.

يتعامل الحكام العرب: قوميون، ورجعيون مع القضية الفلسطينية بقدر من الاستهانة، والتواطؤ أحيانًا مع أعدائها، وهو ما تقوم به السلطة الفلسطينية، فالتراجع بالتواطؤ مع الإمارات عن طرح قرار رفض الاستيطان الإسرائيلي مسيء.

تحضر قيادة السلطة إلى قمة خليج العقبة ضد إرادة شعبها، وتقبل العودة للتنسيق الأمني، وتصمت عن مواصلة الاستيطان الممتد إلى مختلف مناطق الضفة.

يحاصر المستوطنون نابلس وأريحا، ويحرقون أكثر من عشرين منزلاً في حوارة، والقتلى أكثر من خمسة عشر، وأكثر من مئة جريح.. إن القتلى من الفلسطينيين أكثر من ستين قتيلاً في بضعة أشهر.

تطلب أمريكا من السلطة تحسين أدائها، وتعقب المقاومة. الأمريكان مشغولون أكثر بالحرب في أوكرانيا، والأمن والجيش الإسرائيلي وقطعان المستوطنين عاجزون عن إخماد المقاومة، فالمطلوب من السلطة الاستعداد لقمع المقاومة ومنع الانتفاضة.

بإشارة من الإدارة الأمريكية يهرول حكام مصر، والأردن، والسلطة الفلسطينية إلى قمة خليج العقبة. تذعن السلطة لما تريده أمريكا، بينما يرفض قادة إسرائيل الاستجابة لتأجيل الاستيطان.

تنظر أمريكا إلى الحكام العرب كضعفاء تابعين فاسدين ومستبدين لا يحظون بولاء شعوبهم، وهم محتاجون للعون والحماية الأمريكية، بينما تنظر إلى إسرائيل كحليف استراتيجي قوي يقدر على ممارسة الضغط داخل أمريكا، سواء بواسطة اللوبي الصهيوني القوي، أو بملايين الإنجيليين المتصهينين، كما أن العديد من رؤساء وساسة أمريكا يفاخرون بصهيونيتهم.

إن إسرائيل هي الحليف الحارس للمصالح الأمريكية والأوربية في المنطقة.

*نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق.

   
 
إعلان

تعليقات