Accessibility links

إعلان

عبد الله يعاني من بثرةٍ صغيرة، في قاع قدمه، لم يلاحظها أحدٌ بعد، كلما ضرب الأرض بقدمه، صرخت البثرة بصوت حاد يكاد يثقب طبلته، يلتفت يمينًا وشمالًا ليرى الاخرين يكادون يمزقون الأرض دون أن يبدو على ملامحهم أنهم يسمعون أي صوت مزعج.

لكن هذا الصوت قد تجاوز قدرته على التحمل، لذا يسير في الشارع على رؤوس أصابعه، كمن يخشى أن يوجع الأرض.

عمه حسن يصرخ في وجهه كلما رآه:

” امشي كالرجال، وهز الأرض تحتك يا ولد!”.

يهمس عبد الله في سره: “لا أظن أن الرجال يملكون بثرةً كالتي في قدمي”.

يستهجن عمه هذا الهمس فيسأله عما كان يهمس به، يجيب عبد الله بإذعان: “أقول حاضر يا عمي، سأهز الأرض من تحتي“.

عبد الله يعاني من بثرة صغيرة، فوق لسانه، لم يلاحظها أحدٌ بعد، كلما سب ولعن كما يفعل الآخرين، أفرزت هذه البثرة مادة شديدة المرارة، فيتقلص وجهه قبل أن يكمل الكلمة، حين يسمع أقرانه يلعنون يحدق فيهم، لكن لا أثر لأي تقلص في وجوههم.

لكن هذه المرارة قد تجاوزت قدرته على التحمل، لذا يخاطب الآخرين باحترام، مطعمًا كلامه بمفرداتٍ لطيفة كآسف أو إذا سمحت مثلًا، بغض النظر عن الطريقة التي يتكلم بها محدثه.

حين يسمعه عمه حسن يصرخ في وجهه:

لا تتحدث كالنساء يابن ال..”.

يهمس عبد الله في سره “لا أظن أن الرجال تلدغهم ألسنتهم كلما لعنوا”.

يسأله عمه عما كان يهمهم في سره، فيجيب بطاعة: “أقول حاضر يا عمي، سأستخدم أبشع المفردات!”.

عبد الله يعاني من بثرة صغيرة، داخل عينه، لم يلاحظها أحدٌ بعد، كلما حدق في امرأة تسير في الشارع بغريزته، أفرزت هذه البثرة لونًا أسود يغطي كل شيء من حوله.

وكلما حاول أن يقضي وقتًا مع أصدقاء على الطريق ليثبت شبهه وانسجامه معهم، عاد إلى منزله وهو يصطدم بكل عمودٍ أو جدارٍ أو شجرةٍ في طريقه! 

لكن هذه الكدمات قد تجاوزت قدرته على التحمل، لذا يسير موجهًا عينيه للأرض كلما مشت امرأة أمامه، حتى أصبح لقبه في الحارة (مقصوف العين).  

عمه حسن يصرخ فيه كلما رآه:

إن لم تغازل كل امرأة تسير أمامك فلست رجلًا يعول عليه، لا تكن جبانًا هكذا يا ولد!”.

يهمس “النساء يسببن صداعًا في كل مكان في جسدي”.

يستفهم عمه ما كان يقوله في سره، فيجيب في خضوع: ” أقول حاضر يا عمي، سأغازل كل امرأةٍ تسير أمامي”.

مؤخرًا ظهرت بثرة جديدة في حلق عبد الله، لم يلاحظها أحدٌ بعد، كلما سمع صوت عمه أو رآه، أفرزت هذه البثرة مذاقًا مثيرًا للغثيان، فيقيء مهما كانت الظروف حوله، ولذا تفاديًا لمزيد من المشاكل العائلية كلما توقع وجود عمه في شارع، سلك الشارع الآخر كي لا يقيء على وجهه!

* نبيل بلال الدعيس – الفائز بالمركز الخامس في جائزة الربادي للقصة القصيرة (الدورة الثالثة)

   
 
إعلان

تعليقات