Accessibility links

فتاةٌ يمنيّة تُبدِعُ رسمًا بقدمها مُتحدِّيةً إعاقة يديها


إعلان

هكذا تحدّتْ رشا إعاقتها وبدأت ترسمُ بقدمها بالألوان وتُحقِّقُ لوحاتها مبيعات خارجية

 

صنعاء – “اليمني الأميركي” ـ محمد العلفي

لم تستطعْ الطفلة اليمنية رشا أحمد الحيسان أنْ تحبو، كما هو الحال مع بقية الأطفال، لكنها وبصعوبة بدأت تمشي على قدميها؛ نظرًا لإعاقتها الحركية بكلتا يديها، التي لم تحل دون دخولها المدرسة عند سِنِّ الثامنة؛ وهناك بدأتْ بتعلّم الكتابة بقدمها، لتنجذب للرسم، فلم يكن أمامها سوى استخدام قدمها؛ فبدأتْ برسم الخطوط الأولى للوحاتها الفنية، كان ذلك وهي في الصف الرابع الابتدائي.

لم تنكسر إرادة رشا، بل استمرت في شحْذ مهاراتها في فنّ الرسم، وأخذتْ عامًا بعد آخر تقتربُ من طموحها، من خلال التحاقها بدورات متعددة في هذا المجال، حتى صارت ترسم بمهارة، وتم تكريمها، مؤخرًا، بصنعاء في احتفالية بمناسبة اليوم العالمي لذوي الإعاقة.

نشأت الفتاة الموهوبة رشا (18 سنة) يتيمة الأب مع والدتها وأربعة إخوة وأخت بصنعاء… تقول رشا في حديث لـ “اليمني الأميركي”: بدأتُ أتعلمُ الخطوط الرئيسة للرسم بقدمي، وأنا في الصف الرابع ابتدائي، متأثرةً بأخي الكبير سامي، الذي كان يعملُ بإحدى شركات الدعاية والإعلان، كما أنني بدأتُ بتقليد الرسوم التي أشاهدها في المجلات.

تتذكرُ والدة رشا الحزن الذي كان يعتصرُ قلبها كلما تقدّمتْ طفلتها بالعمر؛ لاعتقادها بأنها لن تستطيع الحركة، إلا أنّ الأمل في ذلك تجلّى في روحها عندما بدأتْ طفلتها تخطو خطواتها الأولى بمساعدتها، لكن لم يكن يخطر ببالها أنها ستتمكن من إمساك القلم بقدمها، وستلتحقُ بالمدرسة، بل لم تتصور حينها أنها ستتحدى إعاقتها، وتبدأُ بالرسم، وتبدعُ فيه.

خنقت العبرة كلمات والدة رشا التي كانت تريدُ أنْ تصف لنا الفرحة التي غمرتها مع لوحة طفلتها الأولى… لقد بددتْ تلك الفرحة كلّ الحزن والحسرة الذي عانتهما الأم الرؤوم!

لكن الأقدار لم تكتفِ من رشا بذلك؛ فجاءت الحرب وسلبتْ منها أخيها سامي، الذي كان يعول مع أخته الأخرى الأسرة، وظيفته حين أقفلت الشركة أبوابها، ورحل ملاكها خارج البلاد؛ الأمر الذي زاد من معاناة أسرتها.

من لوحات رشا

 

رشا الحيسان: بدأتُ تعلُّم الخطوط الرئيسة للرسم بقدمي، وأنا في الصف الرابع ابتدائي، وتطورتُ من الرسم بالقلم للرسم بالألوان، وأطمحُ لوصول لوحاتي للعالمية

 

تحدّي الظروف

لم تُعِقْ تلك الظروف رشا، بل استمرت في التطوير الذاتي لموهبتها في الرسم بإشراف أخيها أحيانًا، بدءًا برسم الخطوط، وانتقالاً لرسم الوجوه والحيوانات، ومن ثم الطبيعة والمناظر الجمالية من حولها، إلى أنْ تم ترشيحها مطلع العام 2020م من جمعية المعاقين لدورة تدريبية “دبلوم الرسم المتقدم” بالمؤسسة العربية لحقوق الإنسان بصنعاء.

«لم تُثنني الظروف القاسية عن الرسم، الذي أجدُ فيه متنفسًا لكلّ ما يُعتمل بداخلي، حتى جاءتني الفرصة عند إبلاغي بترشيحي لدورة دبلوم الرسم المتقدِّم التي من خلالها استطعتُ صقل موهبتي والانتقال من الرسم بالقلم إلى الرسم بالألوان المائية ثم الزيتية، بالإضافة إلى تعلّمي لقواعد وأساسيات العمل الفني»، تقول رشا مُرجِعةً الفضل في ذلك لرئيسة المؤسسة رجاء المصعبي.

تحكي (المصعبي) خطوات تحوُّل فكرتها لتشجيع الموهوبين من المعاقين حركيًّا وسمعيًّا في الرسم من خلال تقديم مشروعها لـ(جي أي زد)، وتغيير مُسمّاه من نشر ثقافة السلام إلى التمكين الاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية والسمعية، الذي تضمن دبلوم الرسم المتقدم خلال شهر.

«بدأنا بمخاطبة جمعيات المعاقين لترشيح الرسامين الموهوبين لهذا الدبلوم، وكانت رشا إحدى المرشحات اللواتي قام المنتدى العربي للفنون بتدريبهن»، تقول المصعبي.

من لوحات رشا

من لوحات رشا

 

تتذكرُ والدة رشا الحزن الذي كان يعتصرُ قلبها كلّما تقدمتْ طفلتها بالعمر، إلا أنّ الأمل في ذلك تجلى في روحها عندما بدأتْ طفلتها تمشي، لكن لم يكن يخطر ببالها أنها ستتمكنُ من إمساك القلم بقدمها، وستلتحقُ بالمدرسة

 

الرسم بالألوان

تزايدت فرحة رشا مع كلّ لوحة كانت تقوم برسمها بالألوان، وقد جسدت أولى لوحاتها الملونة مكنونها واختلاجات صدرها نتيجة لإعاقاتها، حيث رسمتْ – في إحدى اللوحات – طفلاً تُشعُّ الفرحة من عينيه لتمكّنه من الحبو، وهو يمدّ يده اليمنى… وغمرت رشا السعادة عندما ابتيعت لوحتان من لوحاتها إلى خارج الوطن…. وهي الآن تشارك بأربع لوحات في معرض مؤسسة “بيسمنت” الثقافية لذوي الإعاقة حركيًّا وسمعيًّا.

تقول المصعبي لـ”اليمني الأميركي”: «حرصنا على إقامة معرض لتعريف الناس بالفن الراقي، الذي يقدمه المعاقون في رسوماتهم، وقد تم بيع 26 لوحة في المعرض، الذي ضم 100 لوحة، 20 منها بيعت لخارج الوطن».

تكبُر رشا، ويكبُر معها حلمها، الذي، من خلاله، تطمحُ لوصول لوحاتها إلى العالمية.

«أطمحُ للوصول إلى العالمية من خلال رسوماتي وإبداعاتي»، تقول: «الأشخاص ذوو الإعاقة مواهب مدفونة يجبُ منحهم الحق في إظهار مواهبهم، والتعامل معهم على هذا الأساس».

   
 
إعلان

تعليقات