Accessibility links

إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي

على بُعد خطوات من البوابة الجنوبية لجامعة صنعاء، يقفُ هناك على رصيف الشارع، الطفل فائز محمد عبدالله (14 عامًا)، محاولاً لفت انتباه الطلاب والمارة لشراء سماعات وأغلفة الهواتف المحمولة، بعد أنْ أجبرته الظروف على مغادرة مسقط رأسه (قرية الخضم)، بمديرية الجبين، محافظة ريمة، نهاية العام الماضي، ليبدأ رحلة المعاناة في مساعدة أسرته من أجل تخفيف آلام شقيقته رويدا (3 أعوام) المصابة بمرضٍ خطير في الدماغ، والعمل على توفير ما يمكنُ توفيره لاحتياجات أسرة مكونة من 8 أشخاص، تسكنُ شقة مكونة من غرفتين في ضواحي صنعاء.

طفولةٌ واسفلت

في الصف الثامن من المرحلة الأساسية توقفت أحلام (فائز) بمواصلة التعليم، وبدأ مشوار العمل، لمواجهة تحديات الحياة الصعبة، ملقيًا بالطفولة خلف ظهره، متحملاً مشاقّ العمل اليومي على الرصيف تحت أشعة الشمس الحارقة، مستبدلاً زملاء الفصل الدراسي برفاقه من الباعة المتجولين.

يُعِيد فائز، في حديثه لـ “اليمني الأميركي”، سبب لجوئه للعمل إلى نصيحة الأطباء بضرورة انتقال أسرته إلى صنعاء ذات المناخ المعتدل والمستشفيات المختصة في علاج مرض شقيقته.

«اشتغلتُ (بدأت العمل) بعد ما جئت إلى صنعاء من محافظة ريمة؛ لأنّ الأطباء قالوا إنّ أختي لو بقيت في البلاد (يقصد مسقط رأسه محافظة ريمة) ستموت من الحمى؛ لأنها تعاني من ضمورٍ في الدماغ، وما تستطيع تتكلم وتمشي، فطلعنا (سافرنا) إلى هنا، وبدأتُ أشتغل»، يقول فائز.

الحظ العاثر للأسرة بدأ عند اغتراب ربّها للعمل في المملكة العربية السعودية، وهناك تعرّض والد فائز لكسر في ساقيه حرمه من القدرة على مواصلة العمل قبل أنْ يسدّد صديقه ما استدانه من الكلفة الباهظة لفيزا العمل، لتأتي تكلفة علاج الطفلة (رويدا)، وانتقال الأسرة إلى صنعاء لتُراكَم ديون مالية إضافية على عاتقه، فلم يكن أمام فائز سوى المبادرة واللجوء للعمل لتدبير ما يمكن تدبيره؛ للحفاظ على حياة وكرامة أسرته التي تدفعُ شهريًّا مبلغ 30 ألف ريال (الدولار الأميركي يساوي 600 ريال تقريبًا في صنعاء) مقابل إيجار السكن في شقة صغيرة بحي مذبح في الضواحي الشمالية للعاصمة صنعاء، دون أنْ تصلها أيّ مساعدة من منظمات إغاثية.

الحالة الصحية لرويدا لم تتحسن، وكلما ازدادت سوءًا يُبادر فائز ووالدته بإسعافها إلى المستشفى الجمهوري التعليمي بصنعاء، ومن ثم العودة بها إلى البيت مجددًا؛ لعدم قدرتهم على دفع رسوم الفحوصات الطبية التي نصح الأطباء بإجرائها لجهازها العصبي، فيما يتحدث فائز عن نصائح لتجريب (معالجتها بالقرآن الكريم).

«في البداية استلفتُ من واحد قريب، واشتريت لي بضاعة ورجعتها (وسددته)… وأنا أبيع وأشتري بضاعة، ويطلع لي ربح ما بين 1000 و1500 ريال في اليوم»، يتحدثُ فائز عن بداية مشواره في سوق العمل، ومقدار ما يجنيه يوميًّا خلال عمله من ساعات الصباح الأولى حتى وقت قريب من العصر… حوالى (8 ساعات)، مرجعًا ضعف أرباحه إلى تفضيل الزبائن شراء سماعات الهاتف من المحلات التي تقدّم ضمانة.

 

في الصف الثامن توقفت أحلام (فائز) بمواصلة الدراسة، ملقيًا الطفولة خلف ظهره وحاملاً مشاق العمل تحت أشعة الشمس الحارقة، مستبدلاً زملاء الفصل الدراسي برفاقه من الباعة المتجولين.

 

التسرب من التعليم

فائز الذي يهوى رياضة كرة القدم، ويُبدي رغبة في العودة لمواصلة الدراسة في العام القادم، هو واحد ضمن مليوني طفل يمنيّ خارج المدارس، بما في ذلك ما يقاربُ نصف مليون طفل تسربوا من الدراسة منذ شنّ الحرب واحتدام الصراع في مارس (أذار) 2015، حسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، التي اعتبرت اليمن ضمن أسوأ البلدان للأطفال في العالم، وقدّرت أنّ هناك 3.7 مليون آخرين معرضون لخطر التسرب من التعليم.

 

منسق منظمة العمل الدولية في اليمن لـ”اليمني الأميركي”: في ظل الأزمة الحالية وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية اتسعت ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن نتيجة العامل الاقتصادي وتدهور النظام التعليمي وانعدام آليات الحماية الاجتماعية.

مؤشرات

كما أفادت آخر إحصائية رسمية لظاهرة عمالة الأطفال في اليمن، أجرتها منظمة العمل الدولية عام 2010، أنّ 1,6 مليون طفل يعملون في اليمن تحت ظروف عملٍ صعبة في ذلك الوقت، بينما مؤشرات عمالة الأطفال تتصاعدُ بوتيرةٍ عالية حسب تأكيد منسِّق منظمة العمل الدولية في اليمن علي دهاق، في حديثه لـ “اليمني الأميركي”، حيث يقولُ إنه في ظل الأزمة الحالية وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية اتسعت الظاهرة نتيجة عدة عوامل، أبرزها «العامل الاقتصادي الذي أدى بالكثير من الأسر إلى الدفع بأبنائهم للعمل، كذلك تدهور النظام التعليمي وعدم كفاءته، وبالأخص خلال السنوات الأخيرة؛ نظرًا لعدم دفع رواتب الموظفين، مع العلم أنّ ارتفاع مؤشرات الظاهرة شيء طبيعي لانعدام آليات الحماية الاجتماعية والتكافل الاجتماعي التي عادة ما تقوم بحماية الأسر من الانزلاق إلى مستويات متدنية من الدخل، بالإضافة إلى الأجر المتدني لعمالة هذه الفئة، الذي يُشجع أصحاب الأعمال على توظيفهم بدلاً من العمالة الطبيعية».

وعمّا تقومُ به المنظمة وتنفذه من برامج في سياق معالجة هذه الظاهرة والحدّ منها خلال فترة الحرب، يلفت دهاق إلى أنّ «المنظمة قامت خلال الثلاث السنوات الأخيرة بتنفيذ مشروع يهدف للحد من عمالة الأطفال، وخاصة الأعمال الخطرة في ثلاث محافظات، هي: حجة، صنعاء ولحج»، مشيرًا إلى أنّ المنظمة تقومُ، أيضًا، بتنفيذ برامج توعوية، وتعملُ على مساعدة الأطراف المختلفة للعمل على وضع تشريعات تحُدّ من عمالة الأطفال.

انعكاسات

فيما ترى المدرّسة في قسم علم النفس بجامعة صنعاء د. حنان صالح أنّ الضغوط الملقاة على عاتق الطفل العامل لها انعكاسات وتأثيرات نفسية خطيرة على مستقبل الطفل من خلال حرمانه من طفولته وتعليمه وتعرضه للإجهاد في سنّ مبكر، ناهيك عن تعرّض الكثير منهم للابتزاز والانحراف.
مما سبق يمكنُ القول إنه في حال لم تتوقف الحرب، ويتم وضع حدّ للانهيار الاقتصادي في البلد، فإنّ حلم فائز في مغادرة سوق العمل والعودة لمواصلة التعليم قد يبدو حلمًا شبه مستحيل في زمن تخسر فيه الطفولة مستقبلها على مذبح الحياة القاسية، لكن مهما كانت الصورة قاتمة يبقى الأمل قائمًا أمام فائز وغيره من أطفال اليمن بأنْ تتحقق أحلامهم في وطنٍ بلا حرب، تستأنف فيه الحياة دورتها من جديد، بشكلٍ تُحترم فيه إنسانية وحقوق الأطفال.

   
 
إعلان

تعليقات