Accessibility links

إعلان

جيمس زغبي*

عندما أشاهد الرعب الذي يتكشف في غزة، أتذكر درسين مهمين كان ينبغي لـ«حماس» وإسرائيل والولايات المتحدة أن تستوعبهما. الأول، من المؤرخ الفلسطيني الأميركي الراحل إبراهيم أبو لُغد، وهو: لا تصدر أحكامًا أبدًا بناءً على العناوين الرئيسية، لأنها مثل أمواج المحيط، ليست ثابتة. ولأننا نكون مدفوعين بها (أي بالعناوين)، فإننا نتأرجح دون أن نركز على الواقع. وبدلاً من ذلك، يجب أن نركز على التيارات العميقة التي تشكل اتجاه الأحداث.

بناء على هذا الدرس، فإنني أسخر من «النقاد»، الذين يصرون على أنه بعد حرب غزة هذه لن يعود أي شيء إلى سابق عهده. ولكن عندما يهدأ الغبار، وبغض النظر عن حجم الضرر الذي تلحقه إسرائيل بـ«حماس»، والشعب الفلسطيني وغزة، فإن العديد من الثوابت ستظل باقية. سيظل الفلسطينيون تحت الاحتلال القمعي. ربما تُهزم «حماس»، ولكن الغضب والصدمة الناجمة عن هذا العرض الهائل للقوة الإسرائيلية من شأنهما أن يزرعا بذورًا لظهور «حماس» أخرى – «حماس 2.0»، أو شيء أسوأ. وستصبح السلطة الفلسطينية المتقلصة بالفعل أقل أهمية، بينما سيستمر الفلسطينيون في العمل من دون زعامة قادرة على إلهامهم فعليًّا.

وإسرائيل أيضًا لن تتغير. وبعد أن تفيق من الصدمة، لن تكون سياساتها أكثر اعتدالاً. ربما يكون ذلك بسبب تباطؤ التغييرات الجذرية في السلطة القضائية وتقليل التسهيلات المقدمة لليهود المتطرفين، لكن شريك نتنياهو الجديد/ القديم، بيني جانتس، ليس أقل تشددًا بشأن القضية الفلسطينية. في الواقع، كان انتقاد جانتس السابق لنتنياهو هو أنه لم «يقضِ» على «حماس» في حرب غزة الأخيرة. ومن المؤسف أنه لن يتغير أي شيء على الجبهة الأميركية.

ورغم أن الرأي العام، وخاصة بين «الديمقراطيين»، يتزايد انتقاده لإسرائيل (ومن المرجح أن يصبح أكثر انتقادًا بعد انتهاء إسرائيل من قصف غزة)، فإن اللوبي المؤيد لإسرائيل سيستمر في ترهيب المسؤولين المنتخبين في كلا الحزبين. في مرحلة ما، قد تقرر إدارة بايدن أن إسرائيل تمادت أكثر من اللازم في هجومها القاتل وتضغط عليها لوقف العنف، لكن الولايات المتحدة لن تمارس الضغط اللازم لوضع حد للاحتلال أو تحقيق العدالة للفلسطينيين. خلاصة القول هي أن الثوابت لن تتغير، وكذلك الحقائق السياسية التي تشكل الصراع.

أما الدرس الثاني، المستمد من «عقيدة» وزير الخارجية السابق كولن باول الشهيرة، فهو من الأسئلة التي يتعين علينا أن نضعها في الاعتبار قبل الدخول في الحرب. هل هناك هدف واضح وقابل للتحقيق؟ هل تم تقييم المخاطر والعواقب؟ هل هناك استراتيجية للخروج؟ من المؤسف أن «باول» لم يتبع عقيدته الخاصة التي أدت إلى كوارث في أفغانستان والعراق. ومن الواضح أيضًا أن حماس وإسرائيل لم تستجيبا لتوجيهاته. هناك 2.3 مليون فلسطيني في غزة. وفي استطلاعنا الأخير، حصلت «حماس» على دعم نحو 20% منهم.

وإذا كان التاريخ هو مرشدنا، فإن الهجوم الإسرائيلي القاتل لن يؤدي إلا إلى زيادة غضب الفلسطينيين وجعلهم أكثر ميلاً إلى محاربة إسرائيل، تمامًا كما قدم الهجوم القاتل الذي شنته حماس مهلة لنتنياهو الذي لا يحظى بالشعبية. ما هي الأهداف التي يمكن تحقيقها سواء بالنسبة لـ«حماس» أو إسرائيل؟ هل كانت «حماس» تعتقد أنها ستدفع قضيتها فعلاً إلى الأمام؟

وهل من الممكن أن تؤدي مذبحتهم إلى إنهاء الاحتلال، أو الإضرار بحكومة نتنياهو، أو تحسين مكانتهم بين الفلسطينيين أو في العالم العربي؟ وهل تعتقد إسرائيل حقًّا أن المذابح في غزة ستحول الكراهية الفلسطينية إلى قبول، أو تنقذ فرص نتنياهو الانتخابية؟

هل فكرت إسرائيل أو «حماس» في الأسابيع التالية لهذه الحرب، أو نهاية اللعبة؟. بوسع المرء أن يحاول أن يفهم «حماس» وإسرائيل، ولكن لا يلتمس لهما العذر أبدًا بشأن توجيه ضرباتهما بشكل أعمى. ولكن يتعين على الولايات المتحدة أن تكون أكثر اتزانًا وحكمة.

فبعد أن شاهدنا الجهود التي بذلتها إسرائيل في الماضي لتدمير «حماس» أو «حزب الله» وإخفاقاتها، لماذا تصورت الولايات المتحدة أن الأمر سيكون مختلفًا؟ هل اعتقدت الإدارة فعلاً أنه من خلال تقديم الدعم الكامل لنتنياهو فإنه سيتصرف بضبط النفس؟ أو أن الدمار الناتج عن ذلك في غزة من شأنه أن يسرع آفاق السلام الإقليمي؟ وهل ستكون إسرائيل أكثر نجاحًا في هذه الحرب مما حققته في حرب لبنان عام 2006 أو حروبها المتكررة مع «حماس»؟

لقد فات الأوان للإجابة الآن. كان من الواجب على كل الأطراف أن تطرح هذه التساؤلات وأن تجيب عليها قبل أن تشن «حماس» هجماتها القاتلة، وقبل أن تشرع إسرائيل في عمليات التدمير

الهائلة وقتل الفلسطينيين في غزة، وقبل أن تقدم الولايات المتحدة الدعم الكامل لإسرائيل. والآن، فإننا متروكون لنعيش مع العواقب المروعة لتهور الجميع: الموتى، والركام، والصدمة والغضب على كلا الجانبين.

* رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن

   
 
إعلان

تعليقات