Accessibility links

عن الجِلدية الساحرة.. ومجانين كرة القدم..!


إعلان

عبدالله الصعفاني*
العبدُلله مشغول بـ (الفرغة)، ولذلك اقتطع كل يوم بعضًا من الوقت لمتابعة أخبار الكرة العالمية وما فيها من الإثارة، فخرج بذات النتيجة:
* ثمة قطعة جلد منفوخة بالهواء الفاسد تتحرك بين أقدام لاعبين محترفين بالدولار واليورو، فتستحوذ حركات ومواقف لاعبيها على اهتمام وخفقان قلوب مئات الملايين من سكان الكرة الأرضية.
* وطالما سيطرت على أذهان عشاق المجنونة الساحرة قناعة أن دوران كرة القدم وصراعها ونتائجها صار يخطف الجو على دوران الكرة الأرضية نفسها..!
ألا ترون مباريات كرة القدم وهي تحجب مواجهات احتراب، وتحركات نازحين ونازحات، وأوجاع فقراء، وأنَّات جائعين في نقاط بؤس ينشغل بعض سكانها عن هموم الحياة اليومية المغموسة بالآلام بمتابعة عناوين وتفاصيل وهوامش كروية..؟
تعاقدات لاعبين ومدربين.. حركات ما بعد تسجيل الأهداف.. تسريحات الشعر.. وحالات النزق المعبِّرة عن حالات الشد النفسي والعصبي.
* ويحدث في اليمن العظيم المنكوب بأبنائه أن ينفصل بعضنا عن التفكير في الوجبات اليومية، وتأمين المأكل والمشروب والسكن، وانقطاع معاشات سنين من الكيد، والاحتراب فتتعلق العيون بالدوريات الأوروبية، غاسلين الأيدي من جدوى التفاعل مع التحركات الغبية للساسة..!
* عَودٌ على البدء الرياضي  وحُمَّى المتابعة، صار هاتفي ممتلئًا بمجموعات التواصل الاجتماعي المفخخة بتشنجات رياضيين يعتبرون أيّ حديث عن الأوضاع في اليمن، أو ثالث الحرمين، أو مواجهات تدمير أوكرانيا مجرد زائدة دودية يجدر اقتلاعها، ولا فائدة أو إمتاع أو مؤانسة في أخبار حروب، ومكايدات سياسيين.
* ومن الأسباب، شعور معظمنا  باليأس مما هو جاد، وغلبة تفاهات الكثير من نجوم السوشال ميديا المهرجين على كل ما هو موضوعي وجاد، وغسل الأيدي من لاءات الخرطوم الثلاثة، التي لا أعرف ما إذا كان العم جوجل ما يزال يحتفظ بها أو أودعها صندوق نفاياته..)

* و(إذن) فلا حقائق، ولا حُكم عادل إلا في ملاعب الرياضة، حيث استمطار الإثارة، وترويض الملل، والتسليم بحقيقة القول (لا حياة لمن تنادي.. وما فيش فايدة غطيني يا صفية..)
*صراع مثير في الدوريات الأوروبية – محلية وقارية – يخطف الأنظار، ويلهب الأجواء بجماليات الانضباط، وحتى مَشاهد الخروج عن النص، ولا فرق في الحماسة بين تحقيق الاتحاد الأوروبي في تفاصيل تضارب بالأيدي والبصق والشتائم أثناء مطاردة في ممر يؤدي إلى غرف ملابس لاعبي مانشستر سيتي واتلتيكو مدريد، وبين اعتبار الرئيس الفرنسي ماكرون مغادرة اللاعب مبابي قضية دولة تستدعي استمراره في نادي باريس سان جرمان.
* ويكفي أن يزور أحدنا – مساءً – ملعب الظرافي، وبعض فنادق التحرير وشارع تعز، وحيّ حدة، وبقية أماكن التغلب على مشكلة تشفير مباريات لعبة كانت رياضة الفقراء، فصارت للقادرين على  الدفع، ليلاحظ كيف أن بيننا في اليمن الكثير من متابعين وشغوفين بمتابعة الكرة العالمية بصورة مجنونة، لكنها تُذكّرنا بحقيقة أن الأفلام الهندية هي الأطول في العالم؛ لأن على صانعي الفيلم أن ينتصروا للبطل في النهاية ليحقق المشاهدون الموجوعون بالفقر والجوع وضيق حال اليد ذواتهم المنكسرة.!
* وما يلفت نظر المتابع للدوريات الأوروبية، بشقيها المحلي والقاري، وحجم المتابعة اليمنية لها سيرى مشجعين يمنيين في السوشال ميديا يخوضون حروبًا كلامية حول أندية ولاعبين عالميين بشكلٍ يؤثر سلبًا في علاقاتهم الإنسانية، وحتى على العيش والملح، وكأنهم أطراف مساهمين في رؤوس الأموال التي تحرك تلك الأندية..!
* ومن يتواجد في مجموعات رياضية في “الواتساب” تحديدًا سيشيب رأسه أمام السجالات الساخنة لأصحاب النفَس التشجيعي المتباين.
تعصُّب أعمى.. مهاترات.. إفراط وتفريط في التعبير عن الفرح بالفوز بـ(طاووسية)، والتعبير عن الهزيمة بانفعال أو اختفاء كامل عن الأنظار؛ هربًا من شماتة (أبلة ظاظا).
* ويترتب على النتائج تخَندُق تشجيعي، وتبادل الإساءات الشخصية تحت عناوين (نحن وأنتم) بدلاً من الحديث عن اللاعبين وعن الأندية بضمير الغائب؛ لأنها تتنافس في ما وراء البحار.. وحتى المشرفين على هذه المجموعات يصبحون جزءًا من الصراع، فيحضر الحذف والإزالة خارج مدونة السلوك التي تُنظّم عملية النشر.
* وكثيرًا ما يستشهد أقطاب المجموعات الرياضية بعبارات معلقين، واستديوهات التحليل.
الأمر الذي يفرض على الإعلاميين الحيادية والموضوعية، والتوقف أمام الحالات التي ترسي القيم الرياضية والروح الأخلاقية؛ لأنه كما أن في ميادين التنافس صراعًا يستدعي تطبيق لوائح الفيفا، هناك أيضًا حالات رياضية ملهمة غير مباريات الكلام الذي يتناقض مع أبجديات التنافس الرياضي وجمالياته.
* ويكفي أن أغلق الوقفة بالإشارة إلى دلالة مشهد مارك نوبل، قائد فريق نادي وستهام، وهو يقوم بتنظيف غرفة ملابس اللاعبين بعد مباراة فوز فريقه على فريق ليون بكلّ مَحبّة، منتصرًا للتواضع الرياضي من موقع الإبهار والنجومية..!

* ودائمًا.. شهر مبارك، عامرٌ بذكر الله، والرفق بعباده.

* ناقد رياضي يمني

 

   
 
إعلان

تعليقات