Accessibility links

إعلان

بلقيس محمد علوان* 

“عض الأصابع” العبارة التي تستخدم في المجال السياسي تعبيرًا عن علاقة أطراف الصراع أو النزاع حيث يتعمد كل منهما إلى اتخاذ موقف مؤلم ضد الآخر، والخاسر للمعركة من يبدأ في الصياح بعض إصبعه قبل خصمه لعدم تحمله لآلام المقاطعة أو الحصار أو العراك، لكن في اليمن الوضع مختلف فالسياسة المتبعة هي سياسة عض المواطن، والأشد إيلامًا أن الجميع يطبق عليه بالنواجذ، ومع الجميع تتكالب كل الظروف لعضه أيضًا.

وفقًا لتقديرات البنك الدولي انخفض متوسط دخل الفرد في اليمن من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، من 1247 دولارًا عام 2014 إلى 364 دولارًا عام 2018، بمعدل تغيّر تراكمي بلغ 70.8 في المائة، ما يعني أن نصيب الفرد تقلص إلى نحو الربع، ويؤكد انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر، وبلا شك فقد أصبح هذا التقدير أقل منذ العام 2018 وإلى العام 2023، وقد كان انقطاع المرتبات عن مئات الآلاف من الموظفين العموميين لسنوات، الضربة التي قسمت ظهورهم، وبمرور الوقت ساءت الأوضاع أكثر وأكثر، وانكشف ستر الغالبية العظمى من المواطنين، فعجزوا عن مواجهة متطلبات التعليم، والعلاج، وإيجارات المنازل، والأدهى والأمر صار القوت الضروري معركتهم اليومية للبقاء، وكلنا بلا استثناء تأثرنا بشدة، وظهر ذلك في صحتنا ومظهرنا وبيوتنا وتغذيتنا، وكل تفاصيل حياتنا، يتساوى في ذلك من يعمل ومن لا يعمل، من يتقاضى راتبًا منتظمًا، أو نصف راتب كل أربعة أشهر، مع استمرار فقد الريال اليمني لقيمته الشرائية.

دفعت الظروف الاقتصادية الخانقة الكثيرين في اليمن للبدء في مشاريع اقتصادية ذات تمويل صغير، ولم يكن توفير رأس مال هذه المشاريع بالأمر السهل فقد كان الدين أو بيع الممتلكات واستنفاد المدخرات هو الخيار الوحيد، واللافت أن شابات كثيرات ونساء كن ضمن رواد المشاريع الصغيرة: تسويق إليكتروني، مخابز، معامل إنتاج، مشاريع من المنزل، تسويق ملابس وإكسسوارات وأدوات تجميل، ومواد غذائية وغيرها من الأعمال، أو لنقل المحاولات؛ لأن كثيرين من رواد ورائدات الأعمال لم يستطيعوا الصمود في وجه كل التحديات: جمارك مضاعفة، ضرائب وجبايات، وقوة شرائية تكاد تكون منعدمة، وفروق كبيرة في سعر الصرف، فما إن يبيع صاحب المشروع ما ينتج ويذهب لشراء المواد الخام المطلوبة لمواصلة العمل لينصدم بأن السعر أكثر بكثير من المرة السابقة إلى الحد الذي يبتلع معه ما كسبه من ربح بسبب الفرق الكبير جراء ارتفاع الدولار أو بمعنى أدق انخفاض سعر الريال، وتستمر المحاولات، ويجد رواد الأعمال أنفسهم عاجزين عن دفع التزاماتهم من أجور، ومواد خام وأقساط، وواحد تلو الآخر يجد نفسه غارقًا في الديون، عاجزًا عن الاستمرار، وهم بشكل أو آخر ضحايا سياسة عض المواطن.

يستقبل اليمنيون رمضان هذا العام في وضع اقتصادي أسوأ من الأعوام السابقة، وقد زادت حدة سياسة العض على المواطن، ويقف الكثيرون عاجزين عن إدخال فرحة طقوس وأجواء رمضان التي تستدعي بعض المظاهر التي تميزه عن غيره بمشتريات معينة، وفي الوقت الذي تعج فيه الأسواق بالمنتجات التي ارتبط عرضها بشهر رمضان، ويعتقد البعض أن هناك إقبالًا كبيرًا على الشراء، لكن في حقيقة الأمر هذا الإقبال والأعداد التي تعج بها الأسواق لا تمثل إلا أقل القليل مقارنة بالناس المستورين في منازلهم يلفهم العجز والأسى، ومنهم الكثير ممن كانت ظروفهم قبل الحرب ميسورة ولا يعانون، ولم تعد نصائح التخلي والتخفف تنفع مع اشتداد العض على المواطن من الجميع.

بلا استقرار، وبلا دولة تقوم بمسؤولياتها، تظل كل الحلول وكل النصائح استفزازًا ومزايدة، وعبارات مثل الترشيد والتخلي عن الكماليات، والتخفف من المتطلبات الكثيرة، تقال لمن له دخل، لمن هو قادر على توفير الأساسيات على الأقل، لكنها لا تقال لمن لا يجد إيجار منزله، وقوت يومه، وحليب طفله، وعلاج مريضه، وبلا أفق واضح لقادم الأيام ستظل سياسة عض المواطن هي المهارة التي يتقنها ولا يتقن سواها كل الأطراف.

* كاتبة وأكاديمية يمنية.

   
 
إعلان

تعليقات