Accessibility links

عذرًا.. لماذا تشجِّع هذا المنتخب وأُشجِّع غيره..؟


إعلان
إعلان

عبدالله الصعفاني* 

في هذا المونديال وغيره من البطولات التنافسية.. كلٌ يغنِّي على ليلاه، وأنا أغنِّي على ليلي، وهو ما فرض عنوان:  لماذا  تحب هذا المنتخب وليس آخر، مع أنه ربما ليس الأفضل..؟

هل جاء اختيارك انتصارًا للقلب وما يريد.. أم أن ظروفًا ذاتية أو موضوعية جعلتك تهتف لهذه القمصان وليس لغيرها..؟

قد لا تسعف بعضنا الإجابة، وقد يجيبون عن السؤال بسؤال يرددون فيه مع فيروز: “هل يملك النهر تغييرًا لمجراه..؟”.

الاستفهاميات السابقة هي التوطئة، وتبقى فسحة للنبش في دوافع العشق لهذا اللون أو ذاك.

* في كرة القدم يحضر القول: “لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع”.. والأمر كما أراه حالة كيمياء بين المشجع والفريق الذي يحبه.. وهو أمر أكبر من مجرد دعاية إعلانية بدأها جدنا المروج لتاجر مهموم بقصيدة “قل للمليحة في الخمار الأسودِ… ماذا فعلتِ بناسك متعبِّدِ”.

ولا غرابة…

*إنَّها كرة القدم، أكثر الألعاب الرياضية إثارة للنقاش وإشعالاً للجدل، حيث لكل لون عاشق، ولكل منتخب محبون، وأحيانًا مبغضون خارج قواعد الروح الرياضية..!

* وفي مناسبة كأس العالم FIFA قطر 2022 الذي دخل المربع الذهبي، تجدد في بالي سؤال.. ما الذي يحدد ميول الناس على خارطة التشجيع، وأقصد هنا المشجعين الذين لا تكون منتخبات بلدانهم مشاركة، ومع ذلك يشجعون بجنون.

*هنا.. لا غنى عن تذكُّر “وللناس في ما يعشقون مذاهبُ..”، ولكلِّ مشجع  أسبابه التشجيعية الخاصة في البدايات وحتى الخواتيم.

* بالنسبة لي بدأت بتشجيع الأزرق الكويتي في الثمانينيات لأنه كان منتخبًا ذهبيًّا مشرِّفًا، ويمثِّل بلدًا عربيًّا يدعم اليمن دون منٍّ أو أذىً.. وجدتُ ضالتي في نجوم أمثال عبدالعزيز العنبري، وجاسم يعقوب، وفيصل الدخيل، وفتحي كميل، إلى آخر القائمة الذهبية من زملاء الحارس أحمد الطرابلسي.

ويكفي لأنْ أشجع الأزرق أن يكون على رأس الكرة الكويتية الشهيد فهد الأحمد الصباح الذي أحب اليمن وجاهر بضرورة ضمها إلى دورة الخليج، لكن الكرة الكويتية تأثرت بالمناخ السياسي وألعابه الحكومية والبرلمانية، حتى أصبح الأزرق مجرد ذكرى أمام ما حدث من تطور في مستوى منتخبات خليجية جديدة حتى وما يزال الكويتي يتصدر الدول التي خطفت كأس الخليج بلا منازع.

وبعد ذلك كان لي خيارات تشجيعية، لكل منها أسبابه..

* ويبقى السؤال.. ما الذي يحدد تشجيع عشاق المنتخبات العالمية في مونديال FiFA قطر 2022..؟

هذا يشجع البرازيل لأنها موطن الجوهرة السمراء بيليه، وفي منتخبها سحر راقصي السامبا وهم يستقبلون الكرة ويمررونها أو ينتزعونها ويهزون بها الشباك، ثم يستعرض لك أسماء زملاء الدكتور سقراط وزيكو ورونالدو، ومن بعدهم نيمار ورفاقه، وكيف أن الكرة البرازيلية منجم سحرة لهم أول، وليس لهم آخر.

* مشجع آخر يرى في شخصية وسحر مارادونا ما يكفي لتبرير عشقه للأرجنتين، وهو على استعداد في أيّ نقاش للحديث حتى عن النزعة النضالية الثورية لمارادونا وسحره وخدعه والكاريزما التي تمتع بها ومؤامرة إيقاعه في براثن المخدرات.. ويكفي لأن تعشق المنتخب الأرجنتيني أن يكون الداهية ليونيل ميسي هو التعبير الجمالي الحديث عن روعة كرة التانجو.

* وعند ذات اللون الأزرق يعلو صوت ديوك فرنسا الذين هم في الحقيقة حصاد مناجم من ذهب المستعمرات الإفريقية القديمة، فضلاً عن جماليات زملاء ميشيل بلاتيني ومن بعدهم كوكبة من نجوم وضعوا فرنسا على قمة كأس العالم في روسيا، وكانوا ضمن منتخبات الصدارة في الترشيح للمونديال الجديد من موقع الكفاءة.

* وتجد الشغوفين بالكرة الألمانية لأنها قادمة من بلد الماكينة التي تحرص على ألّا يصيبها العطب، ويرونها كرة ملهمة، لكن التشجيع لا يلغي البعد الأخلاقي في الحماس لفريق أو حجب الصوت التشجيعي له كما حدث مؤخرًا عندما تبنَّى الألمان موضوع الترويج للشعار إياه سيئ السمعة، فكان أن سقطوا من قلوب كثير من مشجعيهم على الأقل في الدول العربية والإسلامية، انتصارًا للفطرة السليمة.

* ويمكن القول إن لاعبًا بمكانة وتاريخ كرستيانو رونالدو قد أضاف الكثير إلى جماهيرية المنتخب البرتغالي.. وهنا يظهر كيف أن نجوم الدوريات الأوروبية عكسوا نجوميتهم في أندية أوروبا على حجم جماهيرية منتخبات بلدانهم في كأس العالم.

* وعن الكرة الإنجليزية تكون خيارات التشجيع مستندة إلى منظور كون إنجلترا هي موطن كرة القدم وبداية تأسيسها بصورتها الحقيقية، وأنها تنفذ بطريقة مباشرة بلا تعقيد أو فلسفة، حتى استحق الدوري الإنجليزي أن يكون الأقوى في العالم، فضلاً عن كون القيمة السوقية لأفراد المنتخب الإنجليزي تجعله المنتخب الأغلى عالميًّا.

* وكثيرًا ما تكون السياسة حاضرة عند جحافل مشجعين لهم مواقف غير متحمسة للمنتخبات الممثلة لدول ذات نزعة استعمارية كما هو الحال بالكرتين الإنجليزية والفرنسية.. وذات المواقف ذات الطابع السياسي تشمل منتخب الولايات المتحدة الأمريكية، لكن المهاجرين العرب في مواطن هجرتهم يشعرون بأن عليهم واجب التشجيع لمنتخبات مواطن هجرتهم؛ وفاء باستحقاقات كونهم يحملون جنسياتها.

* ويصاحب ذلك تعصب للكرة اللاتينية لأنه ليس من ماضٍ أو حاضر مرفوض تجاه مستضعفي العالم، علاوة على رمزية كفاح جيفارا وآخرين كقيمة مضافة رغم دعوات البعض للفصل بين الرياضة والسياسة.

* وللمشجعين أسبابهم الخاصة لتشجيع الكرة الإسبانية والهولندية والإيطالية وغيرها، فيما يكون التشجيع للمنتخبات العربية حالة شعور بالانتماء كلما ظهر منتخب يرفع الرأس، كما هو الحال بأسود الأطلسي الذين يرى الجمهور العربي والإفريقي أن وصولهم إلى المربع الذهبي هو إنجاز تاريخي عظيم بحد ذاته.

* وآخر قولي مثل ما قلتُ أولاً.. لماذا تشجِّع هذا المنتخب وأُشجِّع غيره..؟

* كاتب وناقد رياضي يمني.

   
 
إعلان

تعليقات