Accessibility links

عبد الله غدوة شاعر البحر والنخيل 1936- 2007م


إعلان

وضاح عبدالباري طاهر*

ولد الأستاذ الشاعر الأديب عبدالله غدوة بمدينة الحديدة، وفي كتاتيبها تلقى دراسته الأولى، ثم التحق بالمدرسة السيفية (خولة بنت الأزور) حاليًّا، وتخرج منها عام1951. بعد إنهاء دراسته الابتدائية، سافر إلى عدن عام1957، وعمل في البنك العربي كاتبًا لرسائل العملاء وموزعًا لها، ثم سافر إلى صنعاء، فعمل في البنك اليمني للإنشاء والتعمير عام1971، واعتبرت شهادته خبرة، ثم انتقل إلى مدينة الحديدة، فعمل بها في فرع البنك اليمني عام 1973 في قسم العلاقات الخارجية، واستمر في العمل به حتى تاريخ تقاعده عام 1996م.

بدأ شاعرنا بكتابة الشعر منذ العام1961، فكتب باللغة الفصحى، وبالعامية، إلا أن شعره العامي أكثر رونقًا وجمالاً وبهاءً.

أول لقاء جمعني بالأديب الأستاذ عبد الله غدوة كان في بيت الوالد الأستاذ المثقف محمود الصغيري في مجلس مقيل في العام 1988، وكان ممن حضر فيه الوالد عبد الباري طاهر، والأخ العزيز الصديق محمد الصغيري بعد صدور ألبوم الفنان الأستاذ أحمد فتحي “وازيب قر”. 

كان حينها الأستاذ عبد الله غدوة غاضبًا كبركان، منكسرًا كغصن فارق شجرةً طالما التصق بها. كان يشعر بمرارة وخيبة كبيرة؛ إذ نزل الألبوم، وفيه نسبة الأغنية التي كتبها الأستاذ عبد الله غدوة للأستاذ محمود الحاج، مع تغيير وتصرف في بعض مفرداتها ومقاطعها. 

ناولني الأستاذ عبد الله غدوة في المقيل ورقة وقلمًا، وكان يملي علي، ويقول: أنا لم أقل كذا وكذا، ولكني قلت كذا وكذا… إلخ مقاله الذي رد به على أحمد فتحي ومحمود الحاج. لم أستطع حينها أن أجد مبررًا، أو أن أفهم لماذا صنع أحمد فتحي بصديقه وصاحب مدينته هذا الأمر، وهو الذي غنى له أفضل أغانيه على الإطلاق. 

قرأت على إثرها مقالاً للأستاذ محمود الحاج نشره في صحيفة “الثورة”، وهو يرد على الأستاذ عبد الله غدوة، ومما أذكره وعلق بذهني من مقاله في ذلك الحين أن أغنية “وازيب قر” ليست إلياذة هوميروس حتى تستحق كل هذا الغضب من الأستاذ عبد الله غدوة! وهذا عجيب من الأستاذ محمود، فهل كون أغنية “وازيب قر” لا ترقى إلى مستوى إلياذة هوميورس يبرر السطو عليها، وتحريفها، ونسبتها إلى غير صاحبها؟!

إن صاحب كل عمل يرى عمله الفني رائعته التي ليس كمثلها شيء. وهل أعمال محمود الحاج نفسها أيضًا كإلياذة هوميروس أو الكوميديا الإلهية لدانتي، أو الفصول والغايات للمعري، وهل غنائيته “أجيبيني” كقصيدة ابن زيدون “أضحى التنائي” التي اقتبس منها وحاكاها؟ 

وهل سيتقبل الأستاذ محمود الحاج من أحمد فتحي أو غير أحمد فتحي فيما لو تم السطو على قصائده هادئ النفس، رخيَّ البال؟

 لا أعتقد ذلك.

إن الضمير كما يقول علماء الاجتماع أمر نسبي؛ فالإنسان لا يتأثر ولا يهزه ضميره إلا للأشياء التي تخصه، وتتعلق به، وبدائرته القريبة منه، أما سائر الناس فعليهم العفاء.

وهل كان بإمكان الأستاذ أحمد فتحي أن يصنع هذا مع غير الأستاذ عبد الله غدوة من الكتاب ذوي الأسماء الكبيرة واللامعة ممن كتبوا له؟

بالطبع لا.

لاحظ علماء النفس أن الإنسان الإفريقي الذي مورس عليه القهر دهرًا طويلاً من الإنسان الأبيض، ينفجر غضبه العارم على ابن جلدته والذي لا يجد في طريقه سواه؛ ليفرغ عليه قهر السنين من الظلم والاضطهاد والإذلال. 

كان آخر لقاء جمعني بالأستاذ عبد الله غدوة في جمعية الحديدة، وكان يرافقه ذو نواس ابن الأستاذ الشاعر إبراهيم صادق. كان مريضًا متعبًا إلى حد كبير، لكنه لم يجد سوى قصائده التي كتبها لتبكي عليه، وتحزن لأجله، ولعله كان يقصد نفسه وجميع أصدقائه وأحبابه الذين تخلوا عنه في قصيدته المسلوبة ” وازيب قر” حين قال:

واسامرْ بلا سمرْ/ حرق عينك امسهرْ

محبوبك عليك نشر/ كمغرنوق كد نفرْ

لاودعْ ولا حضرْ/ أو حتى أتى اعتذرْ

كنه غاثيو هجر / وازيب قرْ وازيب قرْ

فرحم الله شاعرنا، الذي عاش وحيدًا، ومات وحيدًا، ويبعث إن شاء الله وحيدًا.

 

شعراء وأدباء يتحدثون عن عبد الله غدوة:

كتب عنه الأستاذ الشاعر أحمد عبد الرحمن المعلمي في مقدمة ديوان “أنفاس النخيل:” ديوان أنفاس النخيل سيجد فيه القارئ رقة تهامة، وعاطفتها، ولينها، كما أن الشاعر قد تميز من خلال الديوان بعذوبة اللهجة التهامية”.

وكتب الأستاذ الشاعر عبد الله البردوني في مقدمة ديوان “أغاني للبحر”: “هذه المجموعة الشعرية يهنأ بقراءتها كل ذائق وكل متذوق؛ لأن شاعرنا عبد الله حسن غدوة يمتاز بندرة المعاني، ويمزج اللغة الفصحى بين الفصحى المعممة، وبين العامية الفصحى، ويبدو هذا المزج العجيب متناغمًا؛ إذ لا تنبو مفردة على مكانها؛ لأنه يجاور بين الكلمة وأختها… ولقد تفرد عبد الله حسن غدوة باقتناص الأفكار الساردة بفضل لغته التي يجعل من الرمل ورودًا، ومن الورد نرجسًا”.

وكتب الوالد الأستاذ عبد الباري طاهر في مقدمة ديوان “دبابيس”:

عبد الله غدوة شاعر شعبي وغنائي من طراز فذ ومتميز، ويمتلك مقدرة فائقة على استلهام فلوكلور الصيادين، وأغاني تهامة، وهو كمبروك سرور، وابن هتيمل، وكعلي باري، وكالقارة، والخفنجي، والسيد شعيب، والقردعي، وامبريق، وأبو عامر، وابن غازل، وسحلول، وامصليفي- شعراء شعبيون تزخر بهم الأرض اليمنية، وديوانهم الشعبي جزء أصيل من الهوية العربية اليمنية، وقد غنى له كبار الفنانين أمثال الأستاذ محمد مرشد ناجي، والأستاذ أحمد فتحي، وغيرهما، وأشعاره الشعبية أغانٍ بالفطرة الذائقة؛ فحسه الغنائي، وروحه الشديدة الحساسية الفنية تجعل من أشعاره الشعبية أغانٍ للبحارة والزراع. إنها أغانٍ تمور بالحركة، وتصطخب بالموسيقى، ويفوح منها عبير البن، والكاذي، ونكهة وديان تهامة ومرتفاعاتها، وروح إنسانها المبدع والخلاق”.

وكتب عنه الأستاذ محمود الصغيري في مقدمة ديوانه “جدران الفجر”: “إن الأستاذ عبد الله حسن غدوة فنان فيه براءة الحديدة، وغنائية اليمن، ولكن مع كثير من شرود الهند وأسئلتها، وبسبب التكوين البسيط من جهة، والخالي من التأنق والتكلف من جهة أخرى، جاءت أشعاره المحلية أو الفصيحة نابعة من أصولها الاجتماعية تحلق بها أحيانًا مشاعر فياضة مغناة… ومن الغريب وهو العاشق للبحر، والمستغرق في شواطئه، لم يتوقف عن البحر بحكاياته، وأغاني بحارته، ومداه ذات العمق العبقري.

لقد عاش الأستاذ عبد الله ببساطة مدهشة، وكتب أغانيه بلغة محكية أكثر دهشة وبراعة، ولكنه ما زال قادرًا على أن يحلق باللهجة المحلية إلى عوالم الدهشة ذاتها”.  

 

صدر للأستاذ عبد الله غدوة من الدواوين:

  • أنفاس النخيل، وهو أول ديوان، صدر عام1982م.
  • حقول البن صدر عام 1984م.
  • ديوان جدران الفجر، صدر عام 1986م.
  • أغاني للبحر، صدر عام 1996م.
  • دبابيس، صدر عام 1999م.
  • الرصيف لم يطبع.

مختارات من شعره:

البحر والصياد، وغناها المرشدي

واحب بحرك غزير/ واحنا امغواصى فيه

وامرمل في ساحلك/ يشهد بما نشكيه

عيون عند الغروب/ للدمع تسكب فيه

قلوب تملي على / الأمواج ما تخفيه

سر الهوى ما اختفى / والعين ذي تبديه

واصياد قبل امشروق/ في امهوري لوحدك تصيد

تدبز بمجلب كل حين/ يطلع فيه رزقك جديد

قسمة رزق بين العباد/ والقسام رب العبيد 

حتى امبحر عندك حوال/ وانا موج بحري شديد

قلعب بي قلب زورقي/ ليتك واحبيبي تحيد

حيد امجسم حيد امعظام/ كيف بقين أمانه تحيد

وامزيب هز بامشراع/ واموجه رمتنا وحيد

في امساحل وبين امرمال/ ظهرو احمر وناره تجيد

من يطرق لباب امغرام/ يصبر لو تحمل حديد

إن الحب قائم مقام/ له حكمه وله ما يريد

ضاع امعقل ضاع امقياس/ واحبي وضاع امرصيد  

 

واساكن امجاح، وغناها أحمد فتحي

واخل كم لي بعيد عنك/ سنين واهلك يخبنك

عني وانا همت في حسنك/ أخشى عليك لا يشلنك

واساكن امجاح آح منك

جنوا امناصف ولا وصيت/ حتى بحبه جبى منك

وقت امجنى غبت وتناسيت/ ذا بخلو والا جفا منك

واساكن امجاح آح منك

كما يا كتب لك أنا وصيت/ مع البريد وانت ما رديت

أهملت لي امرد وتناسيت/ أحباب لك يسألوا عنك

واساكن امجاح آح منك

خليتني في امقفص محبوس/ أنوح مما جرى منك

لا طاب نومي ولا زادي/ وأنت طاير على غصنك

واساكن امجاح آح منك

شرعك حكم لك كذا يازين / تقسى على اللي يحبنك

أبحت لك سري امكتوم/ ولا لقيت الوفا منك 

واساكن امجاح آح منك

وازيب قر، وغناها أحمد فتحي، وفيها ذكر جزيرتي حنيش وزقر قبل أن يحتلها النظام الأرتيري في 15 ديسمبر 1995:

وازيب قر وازيب قر / مال امبحر ما استقر

ماله هايجو استمر/ واليوم مركبي شمر

وامبتان له حزر/ يا خوفي إذا عبر

يقلب به على امحجر/ وازيب قر وازيب قر

ليلي طال واستمر/ لانجمه ولا قمر 

واللي في حلاه مر/ وقت رجل امبقر

وازيب قر وازيب قر/ طال العزف بالوتر

ياحانيش يا زقر / وازيب قر وازيب قر

وانا عاشق امبحر/ حبيته من امصغر 

في حِلي وفي امسفر / ألقى فيه ما أمر

واقبل منه ما خطر/ حتى لو يكون خطر

وازيب قر وازيب قر/ دنيا كلها عبر

وانا اشكي من امضرر/ من زرقاء في النظر

جاري مايها انهمر/ قالوا استعمل امقطر 

ذا في الأرض كم فحر/ لا إسعاف له حضر

وعليه أعدموا الإبر/ حتى مات واندثر

وازيب قر وازيب قر/ وامنامس إذا انتشر

يسري أحمر امشرر/ حمى تقتل البشر

ساقتهم إلى امحفر/ زمرًا بعدها زمر

وازيب قر وازيب قر/ قال لي اموج في السحر

واسامر بلا سمر/ حرق عينك امسهر

محبوبك عليك نشر/ كمغرنوق كد نفر

لا ودع ولا حضر/ أو حتى أتى اعتذر

كنت غاثيو هجر/ وازيب قر وازيب قر

 

مسكين قلبي:

مسكين قلبي ومكتوب له / يتحمل امقهر وامباطل

من الذي عشت انا لاجله/ من يوم عاده صغير جاهل

عنودي ما لقيت مثله/ يحرق امقلب من داخل

سنين كم لي أدور له/ بين امحديده وفي باجل

لما سألت امنسيم وأهله/ قالوا دحين باك لم ساحل

لانته تشاه بوك له / وما جرى فيك تستاهل

وبكت له طالبو وصله/ قلي كته ليسْ مش واصل

مركبو امحجل في رجله/ يخطر قبالي ولا سائل

متأشلو بس ما قل له / ما الحكم في ظبي متآشل

خلوه يغنج ويخطر له/ ويملك امبحر وامساحل

 

البارحه، غناها أحمد فتحي

البارحه بت انا محتار/ والدمع قد صب مدراره

فيمن سكن في علو الدار/ ودارنا جاورت داره

والعين حق لها ياجار/ تهوى الحبيب وتختاره

قد قيل إن الهوى غدار / والبعض في الناس غداره

حبايبي جار جنب الدار / واجوار ما حد يزور جاره

ماهوش كذا واحبيب واجار / الجار يعطف على جاره

يامن له في فؤادي دار/ ما عاد لي نفس صباره

داري بها بلبل الأشجان/ ينوح مثلي بأوكاره

يبكي معي في دجى الأسحار/ والليل قد نام سماره

إلا أنا حائر الأفكار/ وحيد بايت على ناره

والليل ذا كاتم الأسرار / لو باح دمعي بأسراره

حنوا على جاركم ياجار/ وحققوا بعض أوطاره

 

غار القمر

طليت من شرفة الدار/ والطل سقى ورودك

غار القمر يا قمر غار/ من ورد زين خدودك

حسدت أنا شرفة الدار/ للمس بارز نهودك

يا ليتني حارس الدار/ أو جار جاور حدودك

شاحميك من كل غدار/ حاول بغدره يصيدك

غزيت من دون إنذار/ لفكر مضنى عميدك

خليت فكري يحتار/ ما بين ليات جيدك

يا طل بارد وأزهار/ يا ليتني في برودك

ساكن فلي في الحشا نار/ فاطفي لها من بديدك

ففي جمالك اسرار/ تسحر بها من يحيدك

 

ماضاق صدري

كيف افرقك ياحقول ام بن/ وانا اذكرك أينما وليت

أذكر لإب اللوا الأخضر/ وروض صنعاء وكم حنيت

للشط من بحرنا الأحمر/ وأرض التهايم وإن أمسيت

أشتاق لصيره واذكر / تبن وانا من جواه أنيت

واتخيل ام غيل حين يعبر / من ماسيه في لوا المحويت

وما انسى بني سعد وام مشقر/ نفاح عرفه وله شميت

من امطريق والسما تمطر / والعين باحت بما أخفيت

لخضر محنى مشى يخطر / نشوان غنى وانا غنيت

وارعيه والسبول اخضر/ ياليتني بينكم حليت

دمعي كنبع ام عيون يغمر / خدي ولمدمع أنا أجريت

من جرح في مهجتي يقطر/ لكن لمجرح ما داويت

وطال ليلي ولم يقصر/ ليلة رحيلي وقد قاسيت

في غربتي وامهموم تكثر / ما ضاق صدري ولا مليت

 

ـوله قصر متعلي

سلامي على بوعيون/ سودا ونهابه

تركني وحيد يا ليل / والعين سكابه

وصمم على هجري/ ولا بين أسبابه

أسرني رمى قلبي/ بنبوت ونشابه

ولا فك من أسري/ وطالت بي أتعابه

ولما سرى امبارق/ تذكرت جلبابه

ونهدين في صدره/ وترياق عنابه

وكيف ألتقي بالزين/ بالليل وأهنا به

وله قصر متعلي/ وفي القصر حجابه

وكم أحجبوه عني/ وردوني من بابه

*كاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات