Accessibility links

إعلان
إعلان

وضاح عبدالباري طاهر*

يعتبر الشاعر الصوفي عبد الرحيم بن أحمد البرعي أحد أعلام اليمن البارزين ممن طارت شهرتهم، وذاع صيتهم في أرجاء العالم العربي والإسلامي، حتى ادعت نسبته وتنازعتها كثير من البلدان العربية كالسودان، والمغرب، والحجاز، مع أنه يمني الأصل، برعي النسبة.

يتحدث علامة اليمن الحسن بن أحمد الهمداني في (صفة جزيرة العرب)، تحقيق القاضي محمد الأكوع، ص205، عن برع، فيقول: “جبل برع، وهو من الجبال المسنّمة، وهو واسع يسكنه الصّنابر من حمير وبريمة جُبلان منهم قوم أيضًا، ويسكن برع أيضًا بطن من سبأ الصغرى، وفرق من همدان. 

وسوق برع الصّليّ في القاع من شرقيه، وما يصلي الظهار، وسلطانه محمد بن عبدالله البرعيّ، حميري شريف كريم، وهو من عوادي اليمن وقرومها وأنجادها، وله صولة وبعدة غائلة”.

وقد أنجبت هذه البلدة شاعرين وفقيهين كبيرين، الأول منهما: ابن مكرمان البرعي (ت546ه) أحد شعراء الحقبة الصليحية، اجتمع به عمارة اليمني، وذكر في كتابه (المفيد في أخبار صنعاء وزبيد)، بتحقيق الأكوع، ص 292 – 293، أنه أدركه وقد ناهز المئة، وأن أهل تهامة يكرمونه ويعظمونه ويخلعون عليه (وردت في المطبوعة: يخعلون)، كما حفظ لنا قصيدة له يمدح فيها أمير المخلاف السليماني غانم بن يحيى بن حمزة، يقول فيها:

ماعسى أن يريد مني العذولُ       وفؤادي متيم متبولُ؟!

أما شاعرنا عبدالرحيم، فللمصريين ولوع به، وشغف كبير بديوانه؛ لذا أقبلوا عليه طباعةً، وشرحًا، وإنشادًا في مجالس السماع، ونقف على أقدم طبعة لهذا الديوان – طبعة حجرية مصرية، تمت في العام 1283ه، بحسب ما أورده سركيس في كتابه (معجم المطبوعات)، تلتها طبعات كثيرة متلاحقة، وقد نال الباحث المصري محمد بن عبداللطيف القناوي درجة الماجستير بجامعة القاهرة في تحقيقه لديوانه.

كما أنا نرى بعض علمائهم يتسمون به كالعلامة محمد البرعي بن محمد رجا الحجازي الشرنوبي البلقيني الصوفي صاحب كتاب (الرحمات العامة الشريفة في الصلوات على الذات المحمدية اللطيفة)، وهو من رجال القرن الرابع عشر الهجري؛ كان حيًّا سنة (1301ه).

وما يزال الكثير منا يذكر مسرحية “شاهد ماشفش حاجة”، والحوار الذي دار بين عادل إمام، وأحد شخصياتها الثانوية ممن يتسمى بهذا الاسم، واستغراب الفنان عادل إمام لهذه التسمية التي تخرج عن تسميات المصريين المألوفة. 

شهر البرعي بالتصوف، وامتاز بشاعرية رقيقة مرهفة بوأته مكانة رفيعة وضعته في مصاف الشعراء الكبار، حتى نرى العلامة اللغوي المرتضى الزبيدي يصفه بالشاعر المفلق، ومع ذلك لا يعلم كثير من الناس أنه فقيه، وله مؤلفات في الفقه.

حدثني أستاذي العلامة محمد إبراهيم محمد طاهر أنه رأى للبرعي في قرية “شجينة” شرحًا له على كتاب التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي في فقه الشافعية، كما أنه إلى جانب ذلك فلكي، له مؤلف في الفلك قام بتحقيقه الوالد الأستاذ عبدالباري طاهر، ونُشِر في مجلة الإكليل في بداية تسعينيات القرن الماضي.

وكنت قديمًا، أيام دراستي في كلية الآداب، طالعت في كتاب (تاريخ الأدب العربي) للدكتور عمر فروخ في المجلد السادس، ترجمة للشيخ عبدالرحيم البرعي، رأيته هضم البرعي، وبخسه حقه من الشعر.

وفروخ مؤرخ، وليس ناقدًا أدبيًّا، وعلى النقاد المختصين أن يبرزوا المحاسن والمآخذ التي قد تحسب له وعليه.

ومع شهرة البرعي نرى خلافًا في اسم أبيه، فالمؤرخ البريهي، وهو قريب من عصره (توفي بعد عام 904ه) يقول عنه: إنه عبدالرحيم بن علي، بينما المرتضى الزبيدي يذكره في كتابه (تاج العروس) أنه عبدالرحيم بن أحمد، وهي النسبة الثابتة في ديوانه المنشور، وقد أكدها المؤرخ إسماعيل الوشلي بتفصيل أكبر في كتابه (نشر الثناء الحسن)، ورجحها الأستاذ عبدالعزيز سلطان المنصوب في مقدمة الديوان الذي قام بتحقيقه.

وكما اختلف في نسبته، جرى الاختلاف في تحديد عصره الذي عاش فيه، فنرى بروكلمان في (الملحق، الجزء الأول، ص459) قد حاد عن محجة الصواب، وجعله يعيش في القرن الخامس الهجري. (الشعر الحميني في اليمن، للدكتور جعفر الظفاري، ص125).

ولعل بروكلمان اغتر بما ذكره صاحب (هداية العارفين)، إسماعيل باشا البغدادي (ت 1339ه) الذي يجعله من رجال هذا القرن أيضًا.

أما جواد المرابط، بحسب الأستاذ المنصوب، فيجعل القرن السابع الهجري هو القرن الذي ولد فيه شاعرنا وشب واكتهل، وأنه توفي سنة 803 ه، وأنه عاش مئة وثلاثين سنة!

والصواب هو ما ذكره المؤرخ الوشلي نقلاً عن العلامة أبو بكر بن أبي القاسم الأهدل في كتابه (الأحساب العلية)، والذي بدوره ينقل عن المؤرخ البريهي أن وفاته كانت بعد عام ثلاثين وثمانمئة، وهو الموجود الآن في تاريخ البريهي الكبير، الذي قام بتحقيقه الأستاذ عبدالله الحبشي، متجاوزًا الخطأ في طبعة النسخة المختصرة من تاريخ البريهي التي نشرتها مكتبة الإرشاد، ط2، 1994، والتي تجعل تاريخ وفاته سنة ثلاث وثمانمئة.

وقد قام الأستاذ عبدالعزيز سلطان المنصوب باستنطاق ديوان البرعي، ليجد أن البرعي ذكر الشيخ عمر العرابي ضمن شيوخه، وقد توفي العرابي عام (827ه)، كما أن للبرعي زيارة لقاضي زبيد أحمد بن أبي بكر الرداد (ت821ه) للشفاعة في مساجين كانوا لديه، وكان ابن الرداد قد تولى قضاء زبيد سنة (817ه)، ما يعني أن الزيارة كانت بعد تاريخ توليه القضاء، وقبل تاريخ وفاته، وفيه ألقى قصيدته: 

دم المحب على الأطلال مطلول      وسيف سحر عيون العين مسلول

وهذا كله يرجح أن وفاته بعد الثلاثين وثمانمئة، ولا ندري هل النسخة التي قام بنشرها وتحقيقها الأستاذ عبدالله الحبشي من تاريخ البريهي الكبير فيها التاريخ الصواب للبرعي، أم أن الأستاذ الحبشي هو من قام بتصحيح تاريخ الوفاة، واستدرك الخطأ الموجود في النسخة المختصرة لتاريخ البريهي، وفقًا لما ذكره الأستاذ المنصوب؟!

عاش البرعي فقيرًا شديد الفاقة، ويظهر ذلك جليًّا في أشعاره، ورغم هذا لم يُسجَّل عليه أنه تهافت على مدح ملوك عصره كغيره من الشعراء، وإنما كان مدحه لبعض الميسورين ممن لا صلة لهم بالدولة عند الضرورة القاهرة، والحاجة الملحة، وعندما امتدح قاضي زبيد ابن الرداد لم يمدحه إلا لكونه من أهل التصوف، وهو خليفة الشيخ إسماعيل الجبرتي في مقامه، وكان امتداحه بقصد الشفاعة لمساجين كانوا لديه.

يخبرنا البريهي عنه، فيقول: “ومن أهل برع الفقيه العالم الفاضل الصالح عفيف الدين عبدالرحيم بن علي المهاجري البرعي المشهور.. كان يسكن ببلدة النيابتين إلى أن توفّي بها. قرأ الفقه والنحو على جماعة من أئمة وقته، فلما تأهل للتدريس والفتوى، أتته الطلبة من أماكن شتى، فدرس وأفتى، واشتهر… ترجم له بعضهم، فقال: هو أحد العلماء الأخيار، وبقية الفضلاء الأحبار، سيد الفضلاء المجتهدين، والأدباء المجودين، والشعراء المبرزين، له ممادح في النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، قال:

بالأبرق الفرد أطلال دريسات         لآل هند سقتهن الغمامات

وملعب لعبت هُوج الرياح به           كأنهم فيه ما ظلوا ولا باتوا

وله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم: 

كم ذا أقلب طرفي بين ربعين     قد فارقا من أعز الحي حيين

عهدي بهم وهما كانوا على دعة     فصاح فيهم غراب البين بالبين

… وأما فوائده في الفقه، وشرح حاله بالصلاح، وما يتعلق بعلم الصوفية، وغير ذلك، فشهرته تغني عن شرحه، وكانت وفاته – رحمه الله – بعد سنة ثلاثين وثمان مئة. (طبقات صلحاء اليمن المعروف بتاريخ البريهي الكبير، دار المقتبس، ط1، 2015، تحقيق عبد الله محمد الحبشي، 1/ 150- 154).

نبذة موجزة عن تحقيق الأستاذ عبدالعزيز سلطان المنصوب على ديوان البرعي:

تعتبر دراسة الأستاذ عبدالعزيز سلطان عن البرعي قيمة وذات أهمية، سلطت ضوءًا كاشفًا عن حياة هذا الشاعر الكبير، وتبقى الملاحظات فقط في تحقيق الديوان الذي، بحسب رأيي، لم يرقَ إلى مستوى الدراسة التي قدمها.

ذكر الأستاذ عبدالعزيز سلطان في مقدمة تحقيقه لديوان البرعي أنه استبعد كل النسخ المطبوعة لديوان البرعي، واستبقى منها نسخة تحمل اسم (شرح ديوان البرعي في المدائح الربانية والنبوية والصوفية للعارف بالله سيدي عبدالرحيم البرعي)، والناشر لها مكتبة القاهرة، مطبعة القاهرة، الطبعة الثانية، 1378ه/ 1958م، ورمز لها بالرمز (ق)، وهي التي يشير إليها في الهامش.

والنسخة الثانية هي نسخة السيد عبدالقادر عبدالحفيظ ساكن صبر، تمت كتابتها في شوال (1138ه)، وهي التي اتخذها أصلاً، وفقًا لمرجحات ترجحت لديه، ورمز لها بالرمز (ع).

ووددت بعد قراءتي للنسخة المحققة، أن لم يكن الأستاذ المنصوب تسرع وتجاهل هذه الطبعات المصرية أو الهندية، وهي – على علاتها – غير بعيد من أن يكون قد أشرف على طباعتها علماء كبار لهم قدر كبير من الإلمام بالعربية والشعر وفنونه، ولأن كل قصائد الديوان من اللون الحكمي الفصيح، ولا تكاد تجد فيها حمينية واحدة، كل هذا يجعلنا نثق إلى حد ليس بالقليل بالنسخ المطبوعة بمصر، ما لم يرد ما يرد هذه الرؤية.

 وباستعراض ومقارنة ومقاربة بعض القراءات التي اختارها الأستاذ المنصوب لقصائد الديوان مع النسخة المصرية التي اختار أن يضعها في الهامش، يظهر أن الأستاذ لم يكن موفقًا في اختيار النسخة التي اعتمدها أصلاً، كما أن عمل التحقيق وقراءة النص لم يحظيا بالتجويد والقراءة التي يستحقها الديوان، فضلاً عن أنها أفسدت النص وشوهته، بحيث يتضح أن ماورد في الطبعات القديمة لديوان البرعي كان له حظ كبير من الدقة والصواب.

 

نظرات في الطبعة اليمنية:

على سبيل المثال، في المطبوعة المصرية في القصيدة التي امتدح فيها البرعي المشايخ المكدشيين ،والتي يقول فيها:

بأبي مودعةً تخافت صوتها       حذر الرقيب وعينها تتمالا

سارقتها طرف الحديث وربما       التفتت يمينًا والتفت شمالا

نجدها في الطبعة اليمنية بتحقيق الأستاذ المنصوب:

باتت مدامعه تخافت صوتها         حذر الرقيب وعينها تتمالا

شارفتها طرف الحديث وربما        التفتت يمينًا والتفت شمالا

فالمعنى في الطبعة المصرية في غاية الظهور والاستقامة والجمال، وفيه يحكي البرعي ساعة الوداع، وكيف أن محبوبته التي يفديها بأبيه تغض من صوتها خوف الرقيب، وكيف أنه يسترق الحديث معها استراقًا بعيدًا عن الرقباء، في وقت يغيبون فيه عنهم.

أما المعنى في طبعة الأستاذ المنصوب، فظاهر الفساد، حيث يزعم النص أن البرعي قال:

(باتت مدامعه تخافت صوتها)، ولا ندري كيف أن دموعه النازلة على خديه تخافت صوتها؟

وهل الضمير في صوتها تعود إلى المحبوبة، أو إلى الدموع نفسها؟ إن كانت الأولى، وهو الأرجح؛ لأنه قال بعدها: (وعينها تتمالى)، فكيف يستقيم أن الدموع التي ليس لها صوت تغض من صوت المحبوبة؟ إلا إذا كانت غزيرة قوية كبحر هادر متلاطم الأمواج، ولها دوي وضجيج كضجيج المولدات الكهربائية، تضيع معها أصواتهم.

ولا ندري لماذا استبدل (سارقتها طرف الحديث)، بما فيه من ملاحة الاستعارة باستراق الحديث، بـ (شارفتها طرف الحديث)، وما معنى هذا الكلام، فالمشارفة – بحسب المعاجم العربية – هي التطلع، والنظر، والإشراف على الشيء، وماذا يتحصل إذن من هذه اللفظة التي لا تفيد أي معنى إذا ضممتها إلى ضمير المحبوبة، و(طرف الحديث)؟

وفي قصيدة البرعي في الطبعة المصرية: 

قف بذات السفح من إضم    وانشد السارين في الظلم

هل رووا عِلْما عن العَلَم              أو رأوا سلمى بذي سلم

اختار الأستاذ المنصوب هذه القراءة:

هل رأوا علمًا عن العلم      أو رأوا سلمى بذي سلم

فكيف تقع الرؤية البصرية على العِلم – بكسر العين – وهو شيء مجرد؟، وإن كان يقصد الرؤية المفيدة للعلم، فهي تنصب مفعولين نحو: رأيت زيدًا مجتهدًا، بمعنى علمته.

  ولا يخفى ما في الطبعة المصرية من الصواب والحسن، إذ جمع في سؤاله عن المحبوبة بين الرواية التي هي عن طريق السمع، والرؤية التي عن طريق البصر، كما لا يخفى حلاوة التجنيس غير المتكلف بين (رووا)، و(رأوا).

والبرعي في هذا البيت، إما أنه يسأل نفسه ويطلب منها الوقوف بالسفح من إضم، وسؤال السارين على طريقة التجريد، أو أنه يطلب من أحدهم ذلك بأن يسأل السارين عن أهل الحي الذين رحلوا، هل لديهم خبر وعلم عن أهل ذلك الجبل الذي بجواره كان يسكن أحبابه، علمٌ تلقوه عن غيرهم، ورووه عنهم، فيخبروه أين رحلوا، وبأي مكان نزلوا، أو هل رأى أحدهم سلمى، فيخبره عنها.

وفي القصيدة رقم 39 في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول فيها: 

سقاك الحيا الوسمي ربعًا تأبدا        وعادك عيد الأنس وفقًا مؤبدا

ويقول في الهامش: إن معنى الوفق المتوافق، ثم يشير أن في النسخة المطبوعة وقفًا.

والسؤال ما معنى أن يعود عيد الأنس متوافقًا؟ ومتوافقًا مع ماذا، ومع مَنْ؟ 

والصواب هو مع النسخة المصرية، ومعنى عجز البيت الدعاء للمحل الذي هجره أحبابه وأقفر من سكانه حتى صار موحشًا بأن يعود إليه الأنس، وبأن يُقصر ويُحبس، وهذا معنى الوقف، عليه هذا الأنس مدى الدهر لا يحول ولا يزول، وهو معنى تناهبه الشعراء قديمًا، ومنهم أبو تمام الطائي في مرثيته المشهورة لمحمد بن حميد الطوسي، ومستهلها: 

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر    فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

وفي ختامها يقول: 

عليك سلام الله وقفًا فإنني      رأيت الكريم الحر ليس له عمرُ

وكذلك البيت الذي أورده صاحب اليتيمة لأحدهم يبكي جوادًا له، وهو أشبه ببيت البرعي:

بكاء على الطِرف الذي يسبق الطَرفا   على ذلك الإلف الذي فارق الإلفا

وقِفْ مدد الأحزان وقفًا مؤبدًا        عليه وخلّ الدمع يجري له وكفا

وفي قصيدته التي يشكو فيها البرعي من الحمّى، فيقول:

أذاب حموها لحمي وعظمى     ولستُ من الحديد ولا الحجار

فيا فردًا بلا ثانٍ أجرني           بعز علاك من شانٍ وزارِ

تحولت في نسخة الأستاذ المنصوب

……        بعز علاك من بانٍ وداري

وقال في الهامش: دره: أغواه وأوقعه في مهلكة، فتكون: بان وداري هي صانع غوايتي ومهالكي.

أقول: الذي في (لسان العرب): دره على القوم: هجم، ودره فلان علينا ودرأ إذا هجم من حيث لم نحتسبه، ودارهات الدهر هواجمه.

وكيف يكون اسم الفاعل من دره داري؟ وإنما داري اسم فاعل من درى، ولا أدري كيف ركب الأستاذ من المفردتين المنفصلتين بحرف العطف: (بانٍ)، و(داري) هذا المعنى الذي استنبطه؟

وفي القصيدة رقم (41)

إذا رام أعتاب الزمان تعرضت    خطوب تذل العصم عن كل معقل

هكذا أوردها!، وقال في الهامش: العصم ومفردها العصام، وهو العروة يعلق بها الوعاء، أو الحبل يشد فتحمل به القربة.

ليكن هذا أحد معاني هذه المفردة، فما معنى أن الخطوب تذل العروة التي يعلق بها الوعاء، أو الحبل عن كل معقل؟!!

والصواب هو: إذا رام (إعتاب) الزمان      تعرضت خطوب (تُزِلُّ) العُصمَ عن كل معقل

يقول الشاعر: إذا رمت من الدهر أن يكف عن إساءته، ويعود إلى مسرته لي فأرضى عنه، هجمت عليّ خطوبه التي تزل فيها العُصم (الوعول) عن مرقاتها ومعاقلها التي تعيش فيها وتتحرز بها، فيتمكن منها صائدوها، وهذا مثل يضرب في شدة ما يتعرض له من المحن بحيث إنها تصيب وتنال كل متحرز ومدرع، وأصل العصم بياض يكون في يدي الفرس والظبي والوعل.

ومن هذا قول المجنون يخاطب ليلاه:

وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني     بقولٍ يُحِّلُ العُصم سهل الأباطحِ

تناءيتِ عني حين لا لي حيلةٌ    وخلفتِ ما خلفت بين الجوانحِ 

هذه بعض الملاحظات العابرة على الطبعة اليمنية، وددنا فيها أن لو انتقل الهامش إلى المتن، وفارق المتن مكانه إلى الهامش، حتى يأتي الوقت الذي يخدم فيه الديوان بشكل أفضل، ولعل الرسالة التي نوقشت بمصر تكون قد فعلت ذلك.

*كاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات